أقسم الرئيس «محمد مرسى» ثلاث مرات متتابعة على احترام الدستور والقانون. فى المرة الأولى لعب دور الثائر فى ميدان التحرير حين هتف «ثوار أحرار هنكمل المشوار» قبل أن يقسم اليمين. وفى اليوم التالى توجَّه إلى المحكمة الدستورية العليا ليحلف اليمين أمام الجمعية العمومية للمحكمة، وأعقب ذلك بكلمة ضافية عبّر فيها عن عمق احترامه وامتنانه للمحكمة الدستورية وللقضاء المصرى كله. وتوجه بعد ذلك إلى جامعة القاهرة، وكانت رئاسة الجمهورية قد دعت أعضاء مجلس الشعب الباطل لحضور الاحتفال جنباً إلى جنب مع أعضاء مجلس الشورى، مما أثار تساؤلات شتى. غير أن خطبة الرئيس التى تلت حلف اليمين للمرة الثالثة تضمنت إشارات مقلقة عن نيته فى إعادة المجالس النيابية المنتخبة، مما يعنى إحياء مجلس الشعب الباطل، ولكن كيف اختلفت الاجتهادات فى تفسير إشارة الرئيس؟ والواقع أن جماعة الإخوان المسلمين، وحزبها الحرية والعدالة، التى رفعت شعار «مشاركة لا مغالبة» هى التى انقلبت على هذا الشعار، وحولت ممارساتها السياسية بعد تشكيل مجلس الشعب والشورى إلى مغالبة صريحة. وقد ظهر ذلك جلياً فى تعنتها الشديد فى تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، وإصرارها على الاستحواذ عليها، مما دفع بمحكمة القضاء الإدارى إلى الحكم ببطلانها. غير أن الجماعة أصرت فى التشكيل الثانى على الهيمنة شبه الكاملة على العضوية، مما دفع بأحزاب سياسية وشخصيات مرموقة إلى الانسحاب منها. وقد لاحظ المراقبون أن اللجنة بتشكيلها المعيب تسرع إسراعاً شديداً فى وضع الدستور، حتى تضمن سيطرتها على مضمونه وفقاً للتوجهات الأيديولوجية لجماعة الإخوان المسلمين. غير أن ما حدث من إصرار الجماعة على الاستحواذ على كل المؤسسات السياسية وصل إلى ذروته بعد حلف رئيس الجمهورية «محمد مرسى» لليمين، إذ أنه أصدر قراراً جمهورياً يتضمن سحب قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصدد حل مجلس الشعب، ويقرر فيه بإرادته المنفردة ودون أى سند دستورى أو قانونى إعادة مجلس الشعب، وممارسة كافة سلطاته حتى وضع الدستور الجديد وطرحه على الاستفتاء، وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة خلال ستين يوماً من هذا التاريخ. والواقع أن هذا القرار يتضمن عدواناً صريحاً على مبدأ الفصل بين السلطات والذى طبقاً له لا يجوز للسلطة التنفيذية ولو كان رأسها هو رئيس الجمهورية أن يتغول على السلطة القضائية، ويخالف الحكم الملزم للمحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب. وهذا السلوك فى الواقع يعد بداية غير مبشرة لإشعال الحرب بين سلطات الدولة، بل ولإشعال الصراع بين رئاسة الجمهورية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذى يحتفظ بالسلطة التشريعية وفقاً للإعلان الدستورى المكمل. يصدر هذا القرار الجمهورى المعيب دستورياً وقانونياً فى وقت بالغ الدقة بعد تسليم المجلس الأعلى للسلطة إلى الرئيس المنتخب. وكان يتوقع أن يفى الرئيس بوعوده للقوى الليبرالية والثورية بأن يكون رئيساً لكل المصريين، وأن يشكل مجلساً رئاسياً متوازناً، وأن يعهد برئاسة الوزارة لشخصية وطنية مستقلة. هذا القرار الجمهورى بإعادة مجلس الشعب يعنى أن الرئيس «محمد مرسى» ليس رئيساً لكل المصريين، بل إنه عضو عامل بجماعة الإخوان المسلمين وما زال ملتزماً بقرارات مجلس شورى الجماعة، والذى طلب منه إعادة مجلس الشعب الباطل. وهكذا يمكن القول إن خطة جماعة الإخوان المسلمين فى أسلمة الدولة وأسلمة المجتمع قد بدأ تنفيذها. فنحن أمام رئيس إخوانى للجمهورية أحيا مجلساً نيابياً باطلاً، سيعتمد عليه بالضرورة فى إصدار قوانين وتشريعات تسانده فى مسيرته البالغة الصعوبة، وذلك بالرغم من أن كل هذه القوانين والتشريعات ستكون باطلة لأن المجلس نفسه باطل. وتشير الأخبار المنشورة عن خطة جماعة الإخوان المسلمين لتكوين لجان شعبية فى كل المحافظات للمساعدة فى تنفيذ برنامج الرئيس الموعود فى المائة يوم الأولى، أى أنه إلى جانب سيطرة الجماعة على مجمل المؤسسات السياسية ومحاولتها النفاذ إلى أجهزة الدولة العميقة، فإنها تسعى إلى السيطرة الكاملة على الشارع من خلال هذه اللجان الشعبية. وهكذا يمكن القول إن رئيس الجمهورية بقراره إعادة مجلس الشعب إنما يكرس الانشقاق السياسى فى البلاد، وسيدفع المعارضة إلى أن تشكل جبهة واحدة للدفاع عن الدولة المدنية ضد مشروع دولة الإخوان الدينية.