البداية كانت مع إنتخابات مجلس الشعب- الذى قضى ببطلانه مؤخرا- وإغماض عيون المسئولين عن إدارة البلاد عن التجاوزات التى إرتكبتها الجماعات الإسلامية والتى أدت إلى إستحوازها على غالبية أعضاء مجلس الشعب وسيطرتها على قرارات المجلس وتلاه مجلس الشورى. ثم جاءت المرحلة الثانية والخاصة بتشكيل أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع دستور الدولة وما شابها من مغالطات ومخالفات للقانون وإصرار الجماعات الإسلامية على السيطرة عليها والإستحواز على غالبية أعضائها لفرض أفكارهم وخططهم التى جاؤا بها ظنا أن البلد أصبحت ملكا لهم. وجاء قرار بطلان تشكيل الجمعية التأسيسية وإعادة تشكيلها بأعضاء من خارج أعضاء مجلسى الشعب والشورى ولكن الرغبة فى السيطرة للجماعات الإسلامية ظهرت أيضا فى التشكيل الثانى الجارى حاليا والذى سيكون مئاله البطلان أيضا لمخالفته لما قضى به من عدم إدراج أى من أعضاء مجلس الشعب أو الشورى ضمن التشكيل الجديد. والمتتبع لما ينشر بالإعلام المقروء والمسموع والمرئى من مناقشات الإستماع الجارية بالجمعية التأسيسية يتضح له مدى محاولة سيطرة الجماعات الإسلامية على إدراج بعض المواد التى تخدم أفكارهم المتطرفة ، فتجد مثلا الجماعة السلفية التى تصر على تعديل المادة الثانية من الدستور الجديد بما يخدم أغراضهم ومفاهيمهم المتشددة والتى لا تتفق مع ما ينادى به الجميع من أن مصر هى دولة مدنية دينها الإسلام ومبادىء الشريعة الإسلامية هى مصدر التشريعات ، ومنطوق هذه المادة كان معمولا به فى الدساتير السابقة دون أى خلاف حولة حتى من المواطنين الغير مسلمين أنفسهم. وأستكمل حصار الجماعات الإسلامية بما أتت به إنتخابات الرئاسة وإعتلى الدكتور محمد مرسى كرسى رئاسة الجمهورية وإنتقال الشرعية له بعد حلف اليمين الدستورية أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية والتى أذيع مراسمها على الإعلام المرئى والمسموع وتبعه بحلف اليمين الدستورية أيضا ولثانى مرة بقاعة الإحتفالات بجامعة القاهرة وكان قد سبق أن حلف اليمين الدستورية نفسة أمام جموع الجماهير وغالبيتهم من جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الإسلامى وبعض الآحزاب الأخرى الغير مؤثرة على الحياة السياسية ، ولقد تضمن اليمين الدستوري تعهد الرئيس الدكتور محمد مرسى بإحترام الدستور واحكام القضاء. وجاءت الطامة الكبرى بقرار السيد الدكتور رئيس الجمهورية بإعادة تفعيل مجلس الشعب الذى أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما غير قابل للطعن ونافذ للتطبيق دون أى إجراء آخر ببطلانه منذ نشأتة وكان لقرار الدكتور محمد مرسى بعدم تنفيذ قرار المحكمة الدستورية العليا ومخالفته لحكم القضاء الأثر الكبير فيما تشهده الدولة الآن من فوضى وتجمهرات مؤيدة وغير مؤيدة منتشرة فى كافة ميادين وشوارع مصر والتى قد تؤدى فى النهاية إلى تصادمات بين أفراد الفريقين المؤييدين والمعترضين وهذا كله لما أراد به رئيس الجمهورية من الإنصياع لمطالبات الجماعات الإسلامية بعودة مجلس الشعب وأيضا إلغاء الإعلان الدستورى المكمل. ولم يكن فى الحسبان أن الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية الذى أعلن على الملأ أنه جاء ليكون رئيسا لكل المصرين وليس رئيسا لحزب معين أو جماعة إسلامية بذاتاها ، وها هى قرارته تخالف كل ما تعهد به فإنصاع لمطالبات الجماعات الإسلامية وخالف القانون واليمين الدستورية التى حلفها وأشهد الله سبحانه وتعالى عليها وضرب بعرض الحائط قرار المحكمة الدستورية العليا والذى يعتبر سابقة سيندد بها التاريخ أن أول رئيس مدنى لمصر أهدر وأسقط أحكام القضاء وأى قضاء هو إنه حكم المحكمة الدستورية العليا. ثم يأتى بعد ذلك اللغط الجارى حول تشكيل الحكومة التنفيذية ( مجلس الوزراء) وما تطالب به الجماعات الإسلامية بحقائب وزارية سيادية تتيح لهم تفعيل وتطبيق أفكارهم وخططهم لأسلمة الدولة ومؤسساتها وبما يخدم أغراضهم وقد يخدم أغراض دول أخرى عربية وغير عربية يهمها أسلمة مصر وأضع هنا أكثر من علامة إستفهام حول زيارة الرئيس للملكة العربية السعودية ومدى أهميتها أن يترك البلاد فى هذا التوقيت دون أن يعلن صراحة عن من هو نائبة أثناء غيابه كما يترك البلاد وهى فى حالة فوضى وعدم إستقرار أمنى ولم تستكمل مؤسساتها التشريعية بعد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟. وإستكمالا للحصار الإسلامى يتردد فى الشارع السياسى أنه كان هناك شبه إتفاق بين حزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفى فى أن يخصص للجماعة السلفية عدد معين من الحقائب الوزارية مقابل دعم الجماعة وحزبها لمرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسى ، وهذا ما يعلنه من يوم إلى آخر المتحدثين فى الإعلام من أعضاء حزب النور السلفى ، ولقد كان من العجب ايضا وتأكيدا لإنعدام الرؤية أن يطرح إسم الدكتور فاروق العقدة كمرشح لرئاسة الحكومة وهو ما أشيع حوله من علاقته القوية مع النظام الفاسد السابق وأنه لعب دورا فعالا فى تحويلات أموال الرئيس السابق وأسرته إلى خارج البلاد بعد 25 يناير 2011 ,ايضا الفوضى التى عمت التعيينات بالبنك المركزى بمرتبات لم نسمع عنها من قبل ولآسخاص غير مؤهلين لمثل هذه الوظائف والمرتبات وأيضا طرح إسم السيد أبوالعيون المحافظ السابق للبنك المركزى وهو الذى شهد البنك المركزى والجهاز المصرفى أثناء تولية أسوأ حالاته ، فكيف سيكون رئيسا لحكومة مطلوب منها إخراج مصر من عنق الزجاجة الذى تواجهه فى إقتصادها وجهازها المصرفى الذى وجهت معظم فوائضة لسد عجز موازنة الدولة وإبتعد عن دورة الأساسى فى دعم المشاريع والتنمية الإقتصادية؟؟؟؟ أم أن هذه الشخصيات لها مرجعية إخوانية ؟؟؟ لقد حاولت الجماعة الإسلامية السلفية فرض إرادتها فى تغيير المادة الثانية من الدستور بما يتفق مع أفكارها وما يحقق لها فرض أرائها فى تطبيق أحكام الشريعة ، و أؤكد هنا أن كافة الجماعات الإسلامية الدعوية يجب أن تعلم أنه ليس لها أى دور سياسى وليس لها الحق فى التدخل فى أمور الدولة السياسية والدينية وأن مؤسسة الأزهر الشريف هى المؤسسة الدينية الوحيدة التى لها الحق فى تطبيق وإقرار مبادىء الشريعة الإسلامية بما تراه لصالح البلد ومواطنيها وما لايخالف مبادىء الشريعة الإسلامية وأننا كشعب مصرى واحد مسلم ومسيحى لن نقبل إلا بما تقره مؤسسة الأزهر الشريف فيما يتعلق بكافة الأمور الدينية والتى يتقرر تضمنيها الدستور الجديد. إننى أعتبر أن السيد الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية بقرارته بعدم إحترام أحكام القضاء والإنصياع لمطالبات الجماعات الإسلامية هو المسئول الأول والمتسبب عن ما يجرى خاصة من إعتصام فى ميدان التحرير من جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الإسلامى وجماعة السلفيين وحزب النور الإسلامى وجماعة مؤيدى الشيخ حازم أبوإسماعيل وبعض أعضاء الحركات السياسية الأخرى غير ذات صفة . إننى أدعو كل مصرى ومصرية مسلم و مسيحى أن يتصدى بالقانون والعقلانية والحوار وليس بفوضى ما يجرى بميدان التحرير أو ميادين مصر الأخرى لكل هذه المحاولات الغير قانونية والمخالفة لكل الأعراف التى قد تقضى على ثوابت هذه الدولة والإبتعاد بها عن مبادىء شريعة الإسلام السمحة وتفقدها حريتها ومكانتها الدولية وتحولها إلى دولة تابعة مسلوبة الإرادة. كما أدعو السيد الدكتور محمد مرسى أن يفى بوعده وعهده أنه جاء رئيسا لكل المصريين وليس مسيرا من جماعة أو حزب وعليه أن يعمل بشدة القانون فى وقف هذه المهاترات التى تجرى من المعتصمين والمتجمهرين بميدان التحرير أو أى ميادين أخرى بالدولة وينادون بمخالفة أحكام القضاء ، إن دولة لا تحترم أحكام القضاء ليس لها وجود وتفقد إعتباريتها وشرعيتها كدولة ومكانتها بين دول العالم . عاشت مصر حرة قوية بشعبها وقضائها العادل. ----- "المستشار والخبير المالى والإقتصادى الدولى"