بانتخاب الدكتور «محمد مرسى» مرشح حزب «الحرية والعدالة» الإخوانى رئيساً للجمهورية، بعد الإعلان الرسمى للجنة العليا للانتخابات الرئاسية، تكون المرحلة الانتقالية التى ازدحمت فيها المشكلات وتنافست فى جنباتها الأخطاء بل والخطايا من قِبل كافة الأطراف السياسية قد انتهت. وأستعيد هنا عنواناً للمقال عبارةً ذات دلالة وردت فى مقال للكاتب اللبنانى المتميز «غسان شربل» (فى جريدة الحياة، 25 يونيو 2012) بعنوان «الربيع بعباءة الإخوان»، حين قال: «ذهبت أيام الأحلام وحانت ساعات الأرقام»! ويعنى ذلك أن الشعارات الفضفاضة والمطالبات المشروعة وغيرها من المطالبات المستحيلة، التى ترددت على ألسنة الجماهير فى ميدان التحرير وغيره من الميادين، قد انتهى أوانها، ودخلنا فى عالم الواقع الذى لا ينهض إلا على أساس المؤشرات الكمية والكيفية معاً! بعبارة أخرى إنه مهما كانت الجاذبية الثورية لشعارات 25 يناير، وأصدقها فى التعبير عن مطالب الشعب فى الحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، إلا أنه بحساب «التكلفة - العائد» لا يستطيع الرئيس المنتخب ولا أعضاء الحكومة التى سيتم اختيارها أن توجد حلولاً فورية للتحديات السياسية والمشكلات الجسيمة التى تعانى منها جماهير الشعب المصرى. أمام الرئيس المنتخب مشكلات جسيمة عليه أن يجد فوراً حلولاً لها. وأول مشكلة: أمام أى جهة سيحلف اليمين؟ إذا أقسم اليمين -وفق نصوص الإعلان الدستورى المكمل- أمام المحكمة الدستورية العليا فمعنى ذلك قبوله بكل النصوص التى وردت فى هذا الإعلان. غير أن قيادات بارزة فى جماعة الإخوان المسلمين ومعها جماهير غفيرة فى ميدان التحرير تنادى بعدم الاعتداد بحكم المحكمة الدستورية العليا، الذى يقضى ببطلان مجلس الشعب، ومن ناحية أخرى يطالبون بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل الذى يحد من صلاحيات الرئيس كما يرون. ما الذى يمكن أن يفعله الرئيس المنتخب فى هذا الاختيار الصعب؟ هل يحلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، وهذا شرط أساسى حتى يتمكن من مباشرة عمله كرئيس، حيث يتم احتفال المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليمه السلطة كما وعد لرئيس منتخب، أم يخضع لابتزاز قيادات جماعة الإخوان المسلمين والجماهير المنساقة وراءها والتى تصر على أن يقسم اليمين أمام مجلس الشعب الباطل؟ لقد أعلن الرئيس المنتخب أنه استقال من جماعة الإخوان المسلمين ومن رئاسة حزب «الحرية والعدالة»، فهل سيستطيع فعلاً بعد إعلان فوزه برئاسة الجمهورية أن يستقل فى إصدار قراره عن تأثيرات الجماعة والحزب، أو سيكون كما يزعم خصومه خاضعاً للمرشد العام وأوامر الجماعة؟ والسؤال الثانى: كيف سيواجه أزمة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور؟ لقد ألغى القضاء الإدارى اللجنة الأولى المعيبة، غير أن مجلس الشعب بحكم تعنت قيادات حزب «الحرية والعدالة» صمم على تشكيل معيب آخر لنفس اللجنة، مما أدى إلى انسحابات متعددة من قبل أحزاب سياسية وشخصيات عامة. وهل سيوافق الرئيس المنتخب على ما نص عليه الإعلان الدستورى المكمل بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيشكل لجنة تأسيسية للدستور تضم كافة الأطياف السياسية والمنظمات الاجتماعية والشخصيات القومية المرموقة؟ بعبارة أخرى فإن قدر الرئيس المنتخب الدكتور «محمد مرسى» أن يحارب ثلاث معارك متزامنة، وكل معركة أخطر من الأخرى! المعركة الأولى مع قيادات الإخوان المسلمين الذين لا يريدون التخلى ببساطة عن مكاسبهم السياسية الكبرى، التى تتمثل فى الحصول على الأكثرية فى مجلس الشعب، ويصرون على إلغاء قرار بطلان المجلس وعودته بالكامل إلى العمل، حتى لو كان فى ذلك عدوان خطير على القضاء متمثلاً فى حكم المحكمة الدستورية العليا الملزم. وأخطر من ذلك دعوتهم للرئيس المنتخب لكى لا يعتد بالإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حتى تكون له صلاحيات رئاسية كاملة وغير منقوصة. أما المعركة الثانية فهى مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إذا ما اختار طريق الصدام برفضه الإعلان الدستورى المكمل. وتبقى المعركة الثالثة التى قد تكون أشرس المعارك جميعاً وهى كيف سيتعامل الرئيس المنتخب مع الواقع السياسى والاقتصادى بالغ التعقيد الذى ساد البلاد بعد ثورة 25 يناير، الذى رفع سقف التوقعات السياسية والاقتصادية لدى الجماهير العريضة إلى عنان السماء، حيث ساد التفاؤل عقب الثورة بإمكانية تحقيق الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية فوراً؟ الجماهير ليس لديها الوعى اللازم بأهمية التفرقة بين المدى القصير والمدى المتوسط والمدى الطويل. وعليها أن تدرك أن الرئيس المنتخب لا يمتلك عصا سحرية يمكن أن يستخدمها لتحقيق كل هذه المطالب الهائلة، وإن كانت مشروعة حقاً فى المدى القصير. تحقيق هذه المطالب يحتاج إلى إعادة حرث للتربة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصرية، وغرس الشتلات الثورية فيها حتى تزدهر وتتحقق أهداف الثورة. حقاً لقد ولت أيام الأحلام وحانت ساعات الأرقام!