جاءت لحظة إعلان خارطة الطريق لحظة فارقة فى تاريخ مصر، لحظة الاستجابة لإرادة شعب نزل الشوارع دون تردد وبكامل الثقة فى النصر لاسترداد بلده من المجهول، أهم ما تضمنه الإعلان هو الإقرار بأن دوائر الفشل التى مُنى بها الشعب جاءت نتيجة غياب التخطيط لذا جاء الإعلان جامعا مانعا شمل خطوات المستقبل، ولم ينسَ رأب الصدع ولم الشمل بالمصالحة الوطنية التى تعد ركنا أساسيا فى تحقيق الشفاء على الصعيد الشخصى والاجتماعى والانطلاق للمستقبل. ماذا تعنى المصالحة الوطنية؟ تعنى الإقرار بالخطأ، والاعتذار عنه، والتعهد بعدم الإقدام عليه، وتعويض الضحايا وتكريم ذكرى المفقودين، ومحاسبة المتورطين فى جرائم. والمصالحة الوطنية لا تكتمل دون الارتكاز على قواعد العدالة الانتقالية التى ترسى العدل، وتتم من خلال لجان محايدة تضم أرفع قضاة وقاضيات وأفضل خبراء وخبيرات للبحث عن الحقيقة، والعدالة الجنائيّة، وجبر الضرر، لإرساء ثقافة الاحترام لحقوق الإنسان وسيادة القانون. تبدأ من التحقيقات مع القادة ذوى النفوذ ومحاكمتهم على حدّ سواء لتقوية سيادة القانون، وتبعث برسالة قوية مفادها أنّ الجرائم لن يُسمح بها مطلقاً أيا كان مرتكبها فى مجتمع يحترم الحقوق ويحافظ على كرامة الضحايا. أيضاً يعد التعويض وجبر الضرر ركنا أساسيا فهو يتعدى مجرد إعطاء المال وإنما يمثل تحقيق الاعتراف بالأذى الذى تعرّض له الضحايا، والاعتراف بالانتهاكات واسعة النطاق أو المنتظمة لحقوق الإنسان سواء تسببت بها الدولة أو لم تحاول جاهدة تفاديها، ويمكن أيضاً أن تكون التعويضات موجّهة نحو المستقبل بالعمل على إعادة تأهيل الضحايا وتأمين حياة أفضل لهم والمساعدة على تغيير الأسباب الكامنة وراء تلك الانتهاكات، والأسس التى ساعدت عليها وضمان عدم التكرار، والخدمات الاجتماعية كالعناية الصحية أو التربية، وتدابير رمزية كالاعتذارات الرسمية أو الاحتفالات العلنية لإحياء الذكرى. ويمكن النظر إلى تجربة الشرطة المصرية فى الأيام القليلة الماضية حيث قامت بخطوات ناجحة على طريق المصالحة فاستطاعت أن تشفى الكثير من الجراح، فإذا كانت خطوات المصالحة تبدأ بالاعتراف بالخطأ فقد قام أبناؤنا الضباط وخاصة الشباب منهم بالاعتراف بالأخطاء التى ارتكبت فى حقهم أولا نتيجة استخدام الشرطة لغير صالح الشعب ومن ثم رتبت أخطاء تجاه الشعب، الخطوة الثانية الاعتذار عن الخطأ والتعهد بعدم تكراره، فقد تمثل بإصرار الضباط على الانضمام إلى الناس والإصرار على الدفاع عن الناس والضغط على القيادات لأن يكون ذلك تعبيرا عن موقف عام وليس موقف شباب الشرطة. ترتب على ذلك أن خدمة الشعب وحمايته تتحققان بالفعل وليس بالشعارات فى نشاط غير مسبوق للجان الشرطية فى رصد الخارجين على القانون، ولأن التوبة صادقة وصلت الرسالة للجميع وحمت الشرطة الشعب وحمى الشعب شرطته بمساعدة الجيش، وإن بقيت محاسبة المجرمين وتعويض الضحايا وتكريمهم حتى تكتمل المصالحة وهى مهمة ربما تتعدى الشرطة لكن التعويض الحقيقى أن يكون ما حدث بداية لرسم علاقات جديدة ودائمة بين الشرطة والشعب لا مكان فيها لاستغلال النفوذ أو انتهاك الحقوق، حتى حقوق المتهمين والمجرمين، وأن يكون القانون هو القاعدة الحاكمة لجميع الأطراف، إذا كانت الشرطة قد قدمت نموذجا فى المصالحة الوطنية فنحن بحاجة إلى مثل هذا النموذج فى كل القطاعات وبين جميع الفئات، خاصة تجاه المرأة المصرية التى نزلت ضد الإقصاء والعنف السياسى الممنهج الذى تعرضت له على ثقة بأنه سيتم إشراكها فى كل مراحل البناء على قدم المساواة ولن تقبل أن يقدم لها فقط كلمات الشكر ثم الإقصاء مرة أخرى.