غريب هذا الشعب الذى لا يعرف طعم السعادة ولا الفرح، غريب هذا المواطن الذى تسبقه دموعه دائما فى فرحه قبل حزنه، نحن شعب لا نعرف السعادة وإذا شعرنا بالفرحة نخشى اقتراب الحزن، وإذا ضحكنا كثيراً ندرك أن البكاء قادم لا محالة، فإن ثقافة الشعب المصرى موروثة وليست «قرآناً»، وعلينا جميعاً أن نغلق صفحة الجهل والموروث الأعمى ولنبدأ بتعديل قاموس «المصرى» الذى إذا ضحك يقول: «خير اللهم اجعله خير» يعنى بيحسد نفسه على الضحكة، وإذا شعر بالفرح يبكى وينخرط فى الدموع، وإذا سأله أحد يقول: «دموع الفرح»، ناهيك عن الحديث عن المواطن المصرى وجدعنته وشهامته وأخلاقه التى لا نرى منها أى كرامات فى الشارع المصرى إلا البلطجة والسرقة والشتائم والسب، ونسمع أشياء ومصطلحات غريبة جداً من نوعية «دول مش مننا.. دول مش مصريين.. الناس دى غريبة علينا». لا يا جماعة، دول مننا ودول مصريين، المشكلة أننا نهرب من الحقيقة دائما ولا نحب أن نواجهها ويجب أن نعترف بالواقع حتى نستطيع أن نبدأ من جديد، فإذا عُرف الداء وجدنا الدواء، والملاحظ أخيراً أن كل أبناء الوطن من المتفوقين يشكون من حقد الآخرين وصنع المشاكل لهم، وبدلا من أن يتفرغوا للإبداع والعمل، الكل يجهز لنظرية المؤامرة ويدخل فى معارك وهمية الخاسر الوحيد فيها هو الوطن. دعونا نعطِ المثل بالرياضة، خاصة كرة القدم، وليكن المثل هو المدرب المصرى إذا نظرنا لتاريخ الراحل العظيم محمود الجوهرى الذى عانى الاضطهاد فى وطنه بعد نجاحه فى التأهل لكأس العالم 1990 بإيطاليا ولفظته الرياضة المصرية ليبدع فى مكان آخر، والكل يعلم ماذا فعل الجوهرى فى الكرة الأردنية وكذلك المعلم حسن شحاتة الذى صال وجال فى أفريقيا وأحرز البطولات وأسعد شعب مصر بالكامل بل وعاد بالانتماء بمنظور جديد للوطن وأثبت نظرية تجدد الانتماء بالفوز فى الرياضة، وخرجت مصر فرحا وحبا على مدار 6 سنوات وماذا بعد؟ سرعان ما نسينا حسن شحاتة وإنجازاته، بل وخرج علينا من اتهمه بإهدار ذهبية الكرة المصرية فهل سننتظر حتى يهاجر حسن شحاتة وطنه ويتألق فى مكان آخر ووقتها ندرك قيمته؟ لماذا لا نكرم العظماء فى حياتهم وننتظر تكريم أسمائهم بعد رحيلهم عنا؟ لماذا هذا الظلم؟ ومن الجوهرى إلى حسن شحاتة إلى جهاز المنتخب الحالى: بوب برادلى وضياء السيد وزكى عبدالفتاح، الكل يهاجم ويتهم ويغتال الفرحة، فبعد أن حقق الجهاز الفنى هدفه بالفوز على زيمبابوى وحصد النقطة رقم 9 من ثلاثة انتصارات متتالية، الكل خرج يتحدث عن رحيل الجهاز الفنى واستقالة ضياء السيد وزكى عبدالفتاح.. يا ناس، يا بشر، لماذا لا نفرح أولا بالفوز قبل أن نبكى ونحزن؟ ما سبب حبنا للحزن؟ حرام عليكم، إحنا بنشيب قبل الأوان، إحنا بنموت ناقصين عمر، وقطعا الأعمار بيد الله، إيه الحكاية؟ ليه بنهد المعبد؟ شوية يقولوا برادلى ده أمريكى ما يدربش مصر.. ليه يا سيدى؟ وشوية تانيين يقولوا الراجل ده جاسوس، وناس تانية تقول ده بتاع أمريكا.. أرجوكم يا عقلاء انتبهوا وعودوا إلى صوابكم وأدركوا أن عم «إبليس» قاعد فى ودان كل واحد، فوتوا الفرصة على الطرف الثالث والرابع والخامس، وافرحوا بقى وكفاية حزن أبوس إيديكم تعالوا نفرح بجيل جديد ومدرب قدير اسمه ربيع ياسين على موعد يوم السبت مع نهائى أفريقيا وتحقيق حلمه الثانى بعد التأهل لكأس العالم للشباب بتركيا، نفس الحكاية، الكل هاجم ربيع ياسين وقالوا عنه: «يا عم ده شيخ، إيه فهمه فى الكورة؟ يا سيدى ده هيروح يفضحنا فى الجزائر ويرجع».. ده كلام يا جماعة؟ ما حدش قال إن الراجل ده اتحمل الصعاب ونجح فى تكوين مستقبل للكرة المصرية وحقق إنجاز حتى لو لم يحصل على البطولة، ويكفيه أنه غير ثقافة الشاب المصرى واكتشف فيه مواطن القوة لأننا دائما نشكك فى قدراتنا، وأقول إننا أقوياء، لكننا لا ندرك قيمتنا ونجهل مواطن تميزنا وننظر إلى الآخر على أنه الأفضل ونبخس أنفسنا، إذا كان جيل الشباب بداية للرياضة المصرية فعليه أن يلقى بالثقافة القديمة التى أعادتنا للوراء وأن يجعل من انتصاراته بداية لاكتشاف مواطن القوى؛ لأن ما يجعلك عظيما هو أن تحول ألمك إلى فرح، وحزنك إلى سعادة، وهزيمتك إلى انتصار، وألا تبكى على الأطلال، وأن نحتفى بالأبطال وقت انتصاراتهم ونحفزهم حين انكسارهم ونكرمهم فى حياتهم.