تستمد أى سلطة حاكمة مشروعيتها من التزامها بالدستور، واحترامها لسيادة القانون، وتنفيذها أحكام القضاء.. هذا هو المعمول به فى الدول المتحضّرة.. لكن حين تستخدم السلطة العنف فى مواجهة الجماهير، فتقتل، وتنتهك حقوق الإنسان، وحين تعمل على تغييب العدالة، أو تكون العدالة انتقائية، أو حين تغض الطرف أو تصمت إزاء جرائم ارتُكبت فى حق الشعب، فإن هذه السلطة تفقد مشروعيتها.. وهى لا محالة إلى زوال.. هذا هو القانون الربّانى.. فالدولة العادلة، تبقى وإن كانت كافرة.. والدولة الظالمة تفنى وإن كانت مسلمة، حسبما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. لقد ارتكبت جرائم فى حق شعب مصر حين قام بثورته خلال الثمانية عشر يوماً فى عهد الرئيس المخلوع.. لكن مهرجان «البراءة للجميع» كان ينتظر القتلة، بسبب عدم وجود الأدلة التى تم تغييبها عمداً لمصلحة الكبار.. كان لا بد من تنفيذ العدالة الانتقالة، للوصول إلى هؤلاء، إلا أن تواطؤ من كان فى الحكم آنذاك حال دون تنفيذها.. وارتكبت جرائم أو مذابح أخرى بعد ذلك؛ فى ماسبيرو، ومحمد محمود (1)، ومجلس الوزراء، واستاد بورسعيد، ومحمد محمود (2)، والعباسية، ومحمد محمود (3)، فى عهد المشير طنطاوى والفريق سامى عنان.. ومع ذلك، لم يقدّم أحد للمحاكمة على هذه الجرائم، باستثناء من قاموا بتنفيذ مجزرة استاد بورسعيد يوم 1 فبراير 2012، حيث صدر الحكم بإعدام 21 متهماً.. كان فى القضية 9 من ضباط الداخلية، صدر الحكم على اثنين منهم فقط، والباقى براءة.. أما الذين فكّروا، ودبّروا، وخططوا لارتكاب المجزرة من علية القوم فقد ظلوا بمنأى عن أى محاكمة.. وربما كان هذا هو السبب الحقيقى وراء غضب شباب الألتراس من ناحية، وشعب بورسعيد من ناحية أخرى. فى عهد الدكتور مرسى، سقط أكثر من 70 شهيداً؛ فى بورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، والقاهرة، هذا فضلاً عن إصابة الآلاف.. ناهينا عن انتهاكات حقوق الإنسان، من تعذيب وحشى أفضى فى بعض الحالات إلى الموت، واغتصاب لفتيان صغار فى معسكرات الأمن.. عادت إذن أيام الرئيس المخلوع، بما فيها من سوءات، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الحادة والخانقة.. كأنه لم تكن هناك ثورة.. سوف يقال إن من قتلوا كانوا «بلطجية».. نقول حتى لو كان هذا الزعم صحيحاً، فليس هناك مسوغ لاستباحة دمائهم.. وإلا فأين القانون؟! وأين القضاء؟! لكن -للأسف- نحن فى دولة اللادولة (!!). ثم ها نحن أمام مشهد غير مسبوق.. ضباط وأفراد الداخلية، يضربون عن العمل.. قطاع منهم يريد ألا تكون الداخلية أداة فى صراع سياسى، مع طرف ضد طرف آخر.. وقطاع ثانٍ يطالب بضرورة التسليح دفاعاً عن النفس، فى مواجهة أعمال «البلطجة».. وقطاع ثالث يطالب بأن يكون هناك فرز علمى وحقيقى بين من هو متظاهر ومن هو بلطجى، حيث اختلط الحابل بالنابل، وأصبح يتم التعامل مع الجميع على أنهم بلطجية.. تُرى ما الذى أوصلنا إلى هذا الحال؟! نقول مجدداً.. لا بد من احترام سيادة القانون.. وأن يكون الكل، حاكماً ومحكوماً، أمامه سواء.. تلك هى البداية، وغير ذلك هو حرث فى بحر أو قبض ريح.. فهل نحن على استعداد لأن نعيش دولة القانون؟!