وسط إدانات دولية واسعة - لم يكن آخرها ما جاء علي خلفية محاكمة مبارك الأسبوع الماضي - كان أن أعتبرت العديد من الدوائر الدولية، ما فعله مبارك أثناء فترة ولايته التي بلغت 30 عاما، يندرج تحت بند الجرائم الدولية التي يجب أن يخضع علي أثرها لمحاكمة موازية أمام محكمة العدل الدولية، إذ أنه المسئول الأول عن وقائع التعذيب (الممنهج ) الذي شهدته البلاد أثناء فترة حكمه . فضلا عن جريمة قتل المتظاهرين والتي تعتبر هي الأخري جريمة ضد الإنسانية، إذ أن المتظاهرين كانوا مدنيين (عزل) وقتلوا بطريقة عشوائية أي بطريقة جماعية وبلا تمييز.. وهو الرأي الذي ذهب إليه - أيضا - خبير القانون الدولي د. فؤاد عبدالمنعم رياض، وكان قاضيا سابقا بالمحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب بيوغسلافيا كما دعمه - كذلك - القاضي المصري محمد الزيدي وهو يعمل مستشارا بإحدي دوائر المحكمة الجنائية الدولية.. -- حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان قال لنا إن هناك نوعين من الجرائم أحدها خاصة بالجرائم المالية وجزء خاص بقرارات سياسية أسفرت عنها نتائج أضرت بالدولة المصرية، موضحا أن مصر عندما صدقت علي المعاهدات الدولية أصبحت هذه المعاهدات جزءا من نظامها القانوني، بحكم المادة 151 من الدستور المصري.. وبالتالي أصبحنا طرفا فيها مثل اتفاقية الأممالمتحدة الخاصة بمنع إبادة الجنس البشري، والمعاقبة عليها لعام 1948 وجميع معاهدات حقوق الإنسان.. ومنع التعذيب.. والمرأة والطفل.. وكذلك اتفاقيات الأممالمتحدة الثلاث بشأن مكافحة الفساد، ومكافحة الجرائم المنظمة، وغسل الأموال. وأردف أن اتفاقية مكافحة الفساد وعلي رأسها الفساد السياسي والإداري والمالي منوط بها رئيس الدولة، وذلك في بلد يعطي له دستوره كل هذه الصلاحيات، كما أنه مسئول مسئولية جنائية محددة عن الجرائم التي يرتكبها تابعوه، وهم يعملون باسمه وتحت رقابته لمدة امتدت لعقود، إذ كان بوسعه أن يخضعهم لقوانين الدولة، لكنه كان يتقدمهم في الفساد.. وفتح البلاد لكل من أضر بالشعب المصري. الرئيس السابق - بحسب أبو سعدة - ارتكب أربع مجموعات من الجرائم، الأولي : خاصة بجرائم الدم، وتشمل : كل دم أريق سواء بالرصاص الحي أو بالتعذيب أو بالانتحار طوال مدة حكمه منذ عام 1981 رغم أن البعض يقول أن هناك صعوبة في إثبات وجود أوامر من الرئيس السابق بإطلاق الرصاص الحي علي المتظاهرين، ونحن هنا لا نقول أن الرئيس السابق يتحمل المسئولية الجنائية بطريقة مفترضة ولمجرد أنه كان الرئيس الأعلي لجهاز الشرطة وفقا للمادة 59 من الدستور المصري. لكن هناك مبدأ مهم في القانون الجنائي الدولي يعرف باسم مبدأ المسئولية القيادية، بحيث يتحمل الرئيس المسئولية الجنائية عن أعمال تابعيه ولو لم يقم بإعطائهم أوامر صريحة بالتعذيب أو القتل. ووفقا للمبدأ يتحمل القائد أخطاء مرءوسيه إذا أخل القائد أو الرئيس بواجباته أو لم يقم باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الجرائم التي يعرف بأنها علي وشك الوقوع أو بأنها وقعت فعلا مع تقصيره في محاسبة المسئولين عن ارتكاب هذه الجرائم. وقد تناولت المادة 28 الفقرة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية موضوع مسئولية الرئيس الجنائية عن أعمال تابعيه، وحددت شروطا معينة لن نخوض في تفاصيلها ومنها إلي أي مدي علم مبارك بوصفه الرئيس الأعلي لجهاز الشرطة بجريمة قتل المتظاهرين. وقد يقول البعض أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية ليس ملزما لمصر لكن علينا التأكيد بأن محكمة النقض المصرية قد سلكت ما يتبني فكرة المسئولية القيادية عندما حَمّلت الرئيس المسئولية الجنائية في حالة امتناعه عن نهي مرءوسيه الذين يقومون بالتعذيب، واعتبرت المسلك السلبي لرجل السلطة المختص تجاه التعذيب بمثابة أمر أو موافقة علي التعذيب. أما المجموعة الثانية فهي جرائم المال وتشمل كل صور إهدار المال التي تمت بشكل منظم واختلاسه المال العام بكل الطرق ونقله من ملكيته العامة إلي ملكية خاصة، وتشمل عمليات الخصخصة (بيع القطاع العام) وتحقيق مصالح شخصية من خلاله، والدليل علي ذلك ما حدث في شركة (ميدور) التي حاول الحصول علي أغلب أسهمها، بالإضافة إلي أنه ساعد علي تصدير الغاز إلي إسرائيل بأقل من السعر العالمي، ولم يتوقف الأمر عند هذا بل رسخ صور احتكارات السوق. أما المجموعة الثالثة فهي الفساد الإداري والسياسي والتي تسبب في إفقار مصر وإثراء قلة بلا سبب.. فكلها ثمرات جرائم الفساد الإداري والسياسي بالإضافة إلي تزوير الانتخابات التي استخدم فيها الرشوة والبلطجية، والتلاعب في الكشوف وإشراك عناصر الأمن والقضاء في هذا الفساد وترشح الوزراء لعضوية مجلس الشعب، وتسخير المال العام في دعايتهم الانتخابية وعدم احترام أحكام القضاء، بل والاعتداء علي نزاهة بعض القضاة. أما المجموعة الرابعة، فهي المتعلقة بالخيانة العظمي والتي تبدأ بخيانة الأمانة التي أودعها الشعب للرئيس، ثم السكوت علي ضياع مصالح مصر القومية في علاقاتها الخارجية والتفريط في سيادتها الداخلية، كما علينا ألا نغفل استخدام الرئيس المخلوع القانون لمحاكمة المعارضين له والزج بهم في المعتقلات السياسية وممارسة أعتي أنواع التعذيب ضدهم، ناهيك عن العمل علي تزوير الانتخابات منذ عام 1990 بشكل مستمر. -- ناصر أمين - مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة - ذهب إلي أن اغلب الجرائم التي ارتكبها الرئيس السابق ومنصوص عليها في القانون الدولي هي جرائم فساد من الدرجة الأولي، إذ حاول الرئيس المخلوع تغيير ملامح الدولة المصرية وتغيير قيم الجمهورية، من خلال الدعوة إلي التوريث واتخاذ جميع الإجراءات التي تساعد علي ذلك، أما جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان ومسئوليته عنها، سواء ما تعلق منها علي سبيل المثال بالقتل العمدي للمتظاهرين أبان أحداث ثورة يناير أو بالقتل خارج إطار القانون قبل أحداث الثورة، أو التعذيب أو الاختفاء القسري أو غير ذلك من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تسقط المسئولية عنها بالتقادم وفقا للتشريعات الوطنية ووفقا للمواثيق والتعهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، فإنه يجب خضوع جميع المتورطين في ارتكاب هذه الانتهاكات والجرائم للمحاكمة لتقرير مسئوليتهم بشأنها أو تبرئة ساحتهم وفقا لمحاكمات عادلة ومنصفة. -- نجاد البرعي رئيس مؤسسة تنمية الديمقراطية أشار هو الآخر إلي جريمة الاختفاء القسري، وأنها من الجرائم الدولية التي لم يعاقب عليها مبارك حيث قام جهاز مباحث أمن الدولة في فترات زمنية مختلفة إبان عهد كل من وزير الداخلية السابق محمد حسن الألفي وحبيب العادلي منذ عام 1992 وحتي قيام الثورة بالقبض علي العديد من الأشخاص دون الإفصاح عن مكان احتجازهم. وقد تقدمت المنظمة العربية للإصلاح الجنائي بالعديد من البلاغات بحثا عن هؤلاء المختفين إلا أن جميع هذه البلاغات لم يتم الرد عليها فإن حياتهم قد تعرضت للخطر أو الموت خارج نطاق القانون علما بأن هذا الأمر مخالف لكل الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الحكومة المصرية وانتهاكا صارخا للدستور. والرئيس المخلوع نفذ أجندة معينة ضد أهالي سيناء، حيث أن 26% من أهلها لم يستخرجوا بطاقات شخصية بما يعني عدم حملهم الجنسية المصرية، معتبرا أن السادات كان له بعد نظر عندما أراد أن يبني 400 قرية في وسط سيناء لتوطينها.. فتفريغ سيناء يعني أنها مستهدفة ومهيأة لتنفيذ أجندات خارجية في ظل القول السائد - إن غزة شعب بلا أرض وأن سيناء أرض بلا شعب! وقال البرعي: إن التشريعات القانونية في عهد الرئيس المخلوع أهدرت الحريات العامة من حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات والتجمع السلمي وحق المشاركة في إدارة الشئون العامة، ويكفي أن التشريعات الاستثنائية التي لابد أن يحاكم عليها مبارك وفقا للقانون الدولي سمحت للسلطة التنفيذية باستخدام سلطة الطوارئ التي عمل بها منذ أكثر من 25 عاما متصلة، كما أن التشريعات العادية كانت في جوهرها مقيدة للحريات خلقت مناخا يسمح للسلطة التنفيذية بالتدخل في أعمال الانتخابات مما ساهم في عزوف المواطنين عن المشاركة. واشار إلي انه في ظل قانون الطوارئ تعاظمت جرائم التعذيب واستخدام القوة المفرطة، سواء في ملاحقة بعض المشتبه بهم أو في قمع بعض التجمعات السلمية، أو في توقيف وقتل مهاجرين غير شرعيين عبر الحدود المصرية.. موضحا أن مبارك ارتكب جرائم قانونية بإصداره سلسلة من التشريعات التي تجرم أو تقيد الحق في التنظيم المستقل السياسي والحزبي والأهلي والنقابي، فضلا عن القيود القانونية الهائلة علي حرية التعبير والإعلام والتجمع السلمي. - محمد زارع رئيس المؤسسة العربية لمساعدة السجناء رأي أن مبارك عليه أن يتحمل انتهاك حقوق الإنسان المصري علي أوسع نطاق لم يشهده التاريخ المعاصر، حيث دخل المعتقلات في عهده ربع مليون مواطن والتعذيب داخل الأقسام والسجون في ظل حالة طوارئ مستديمة، رغم أن قانون الطوارئ لا يبيح التعذيب.. فكرامة المواطن المصري استبيحت في عهده دون أي حماية أو ضمانات أو عقوبات رادعة، لافتا إلي أنه رغم ادعائه بأنه يطبق الطوارئ علي الإرهاب والمخدرات، إلا أن سوق المخدرات وزراعتها وصناعتها ازدهرت في عهده أكثر من أي عهد آخر، وبلغ حجم سوق تجارة المخدرات 6 مليارات دولار سنويا. وقال زارع : تورط النظام بمحاكمة عدد من معارضيه أمام المحاكمة الاستثنائية.. وقتل عدد آخر منهم بحجة ارتكاب جرائم أو تهديد أمن الدولة مع إنشائه عدة سجون لاعتقال المعارضين السياسيين.. ومن أشهر تلك المعتقلات، معتقل (أبو زعبل) والذي يمارس فيه ضد السجناء جميع الانتهاكات النفسية والجسدية واللاأخلاقية. فمبارك مارس سلطة التضييق علي الإعلام وقمعه في شتي المجالات.. وهذا ظهر واضحا في احتكار إعلام الدولة لصالح الحزب الحاكم مع محاولة تشويه صورة المعارضة عبر وسائل الإعلام التابعة للحزب الوطني. الرئيس السابق يتحمل بصورة مباشرة الجرائم التي ارتكبها وزير الزراعة الأسبق يوسف والي في حق الشعب المصري علي مدار ربع قرن، والتي أدت إلي إصابة 19 مليون مصري بأمراض خطيرة علي رأسها السرطان والفشل الكلوي والكبدي، من خلال المبيدات المسرطنة والهرمونات والهندسة الوراثية.. ومعظمها مستوردة من الكيان الصهيوني، فضلا عن اتباعه سياسات ساهمت في إفقار الشعب حيث يعيش 48% من السكان تحت خط الفقر، ويعاني 29% من البطالة، ويعاني 11 مليون شاب من العنوسة. هذا في الوقت الذي حققت فيه أسرته ثروة بالمليارات.. وأنشأ ابنه جمال شركات تحسب أصولها بمئات الملايين من الدولارات، وبدأ نشاطه الاقتصادي بالمتاجرة في ديون مصر وهي جريمة فساد دامغة مخالفة للقانون الدولي.. واستولي حزبه علي الحكم دون إرادة الشعب، من خلال تزوير الاستفتاءات والانتخابات البرلمانية، وهو التزوير الذي أكدت أحكام القضاء.. والتزوير جريمة لا تسقط بالتقادم مع الاعتداء علي استقلال السلطة القضائية الذي نص عليها الدستور، بوضع سلطة القضاء تحت تدخلات السلطة التنفيذية من خلال وزارة العدل.. وكل هذه الجرائم مخالفة للقانون الدولي.