صديقى محمد الميكانيكى، لديه يقين أن الكون كله يتآمر على كله، بما فى ذلك هو شخصيا كمتآمر وكمتآمَر عليه. وبعدما شرح لى كل الأسباب التى تدعوه للاعتقاد بأن كله يتآمر على كله، صعب علىّ، وبحكم الصداقة (لأنه كان معى فى المدرسة الإعدادى) حاولت أن أساعده فقلت له تعال يا محمد «نفكك مفهوم المؤامرة» مثلما أنت «تفك وش السلندر»، قال: طيب. قلت له: «الناس التى تقع ضحية للتفكير التآمرى من غير ما تكون هناك مؤامرة بيرتكبوا 4 أخطاء فى التفكير. أولا بيقعوا فى مطب (المأزق المفتعل) (False Dilemma) وهو يعنى اختزال كل البدائل الموجودة فى الكون فى بديلين فقط، إما معى وإما ضدى. إما فى صالح الفريق الذى أشجعه أو ضد الفريق الذى أشجعه، إما وطنى مخلص أمين عظيم، أو خائن عميل دنىء خسيس، رغما عن وجود العديد من البدائل المحتملة التى نتجاهلها. ثانيا وهْم تحالف الآخرين ضدى: فى ظل غياب معلومات واضحة وتوتر نفسى شديد، ومع اختزال كل البدائل فى منطق إما معى أو ضدى، يبدأ الإنسان فى التفكير بمنطق أن كل فعل يسلكه الطرف الآخر له سبب واحد وهو الإضرار بك. بل إن الإنسان يميل فى هذه المرحلة إلى الاعتقاد أن الكل تحالف كى يتآمر ضدك. وهنا يدخل الإنسان فى حالة من الخوف الشديد من «المتآمرين» والرغبة المتعاظمة فى أن يعتصم بجماعة الأصدقاء والحلفاء، وتتحول المسألة من مؤامرة ضد شخص إلى مؤامرة ضد اتجاه أو حزب، ويحكمنا منطق الفسطاطين: فسطاط المتآمرين وفسطاط المتآمَر عليهم. ثالثا، وحين نصل إلى هذه النقطة يكون هناك ميل لتفسير كل فعل وكل كلمة بل الصمت عن الكلام والقرار بعدم اتخاذ أى قرار على أنه جزء من تفكير عقلانى منضبط من أجل تنفيذ المؤامرة. وعادة ما تحدث بعض الأحداث على أرض الواقع التى تدعم التفكير بالمؤامرة بما يجعلها أدلة يتم تضخيمها بشدة لتصبح بذاتها حوادث فارقة. رابعا، ومع تعاظم الشعور بالتآمر عند مجموعة من الناس يتصرفون على نحو «عدائى» تجاه من يظنونهم متآمرين عليهم، وهنا يجد الآخرون دافعا قويا كى يتعاملوا مع هؤلاء على أنهم هم المتآمرون. وهنا تكتمل حلقة المؤامرة، وتصبح نظرية المؤامرة مقدمة لمؤامرات وعداءات حقيقية. ويخرج عليك البعض ليقول: «شوفت، مش قلت لك؟». وهذا لا ينفى حقيقة أن هناك أحيانا مؤامرات بالفعل، ولكن من يقع فريسة للتآمر مرة، عادة يعيش بقية حياته مفاضلا بين نوعية المؤامرات. قال لى صديقى: تصدق كلامك صح. وأعطانى مثالا أن زوجته مطلّعة عينه.. «كل ما أشترى قميص جديد تفتكرنى هتجوز عليها، أغيب مع أصحابى تتصل بى مائة مرة وأنا زهقت منها ومن أسئلتها، بتفتكرنى بأغشها. وفاكرة إن أمى، علشان ما بتحبهاش، هى اللى بتدور لى على عروسة. يعنى لا مؤاخذة نظرية مؤامرة على كيفك. وبما إن أنا زهقت منها، بقيت بأعمل اللى أنا عايزه من غير ما أقول».. وعدته بنقل مشكلته للقراء، ومن هنا كان هذا المقال.