وجه «طفولى».. يلاعب قطته، ينظر «بشقاوة» لعدسة الكاميرا التى تلتقط له صورة، ليضعها على حسابه الشخصى على موقع فيس بوك، ليتداولها مستخدمو موقع التواصل الاجتماعى، فى غضون أسابيع وربما شهور، باستعطاف وألم، فيما بعد، حزنا على صاحبها الذى كتب له قدره أن يرحل بأثر التعذيب «الشرطى»، الذى حول الوجه الطفولى، إلى وجه مشوه بالدماء والجروح، تستفز صوره كل من يطالعها غضبا، على إحدى صفحات الموقع الشهير، تحمل اسم الضحية، مسبوقا بكلمة «كلنا». هو خالد محمد سعيد، الفتى الذى جعله الموت «أيقونة» لثورة الميادين، وسلاسل بشرية ترتدى السواد، تقف صامتة بطول كورنيش الإسكندرية، تنكس حلقات السلسة رأسها احتجاجا على ما جرى للشاب الضحية، وسؤال مر بلا إجابة: إلى متى يهدينا «الطوارئ» قتلى دون ذنب حقيقى؟ كان الفتى فى نهاية عقده الثالث، يجلس بأحد مقاهى «الإنترنت»، كعادته يأتى لمقابلة صديقه، لكن ليلة الأحد 6 يونيو 2010، كانت الأخيرة فى ليالى عمره، إذ دخل شرطيان يقطعان جلسة الصديقين ورواد المقهى، يطلبان بموجب قانون الطوارئ تفتيش الجالسين، يقول خالد جملته الاعتراضية الأخيرة: «إحنا بنتفتش ليه؟»، يرفض إطلاعهما على بطاقته الشخصية، فيضرب أحد الشرطيين رأسه ب«رخام السلم» ثم يجره وزميله إلى مدخل عمارة مجاورة، ويواصلان ضربه حتى تفيض روحه. تنتشر صورته، متأثرا بالتعذيب، على صفحات مواقع شبكة الإنترنت، بينما يصدر تقرير الطب الشرعى مدعيا أن الوفاة ب«إسفكسيا الخنق»، لابتلاع الضحية «لفافة بانجو»، وأن ما أصاب وجهه البرىء نتيجة التشريح! تدافع عنه أمه، فتكشف أنه كان قد حصل على تسجيل مرئى، يثبت تورط ضباط وأمناء شرطة بقسم سيدى جابر فى تجارة الحشيش، ونشر مقطع الفيديو بين أصدقائه قبل شهر من الحادث الذى أودى بحياته. فترد الجهات الأمنية بأن خالد سعيد، كان متهما بالهروب من الخدمة العسكرية فى 2008، وحكم عليه بالسجن لمدة عام قضاها بالسجن العسكرى، محاولة من جانبها لتقليل حالة التعاطف المتزايدة مع الضحية، متناسية ما تعنيه «حقوق الإنسان».. أى إنسان. مبررات أمنية، تستفز الناس أكثر، فيعبرون عن غضبهم المكتوم بتشكيل سلاسل بشرية على كورنيش الإسكندرية، وفى القاهرة، البحيرة، السويس، بورسعيد، حتى أسيوط. يقف الجميع معترضين على مبررات الدولة البوليسية، وتشويهها الضحية بالباطل. ينضم جميعهم إلى صفحة «كلنا خالد سعيد» على فيس بوك، فيدعو «أدمن» الصفحة الخفى، إلى تحرير غضبهم المكتوم فى الميادين، كما حدث فى الشقيقة تونس، التى غضب أهلها على «البوعزيزى» فى الميادين التى رفعت صوره كأيقونة للثورة. واختاروا يوم 25 يناير، عيد الشرطة، التى قتلت خالد والذين مثله، ليكون ضربة للبداية. يستجيب الشعب للدعوة، بينما لم يكن أحد منهم يتوقع ثورة بحجم ثورة يناير، تخرج من هذا الشعب الذى ألف الصمت وعاشر الصبر لسنوات، فتنضم أم خالد، السيدة ليلى المرزوق، إلى الثوار الذين غضبوا أخيرا لدماء ابنها، وكرامة أبنائهم.. والوطن.