رئيس وزراء صربيا خلال استقبال البابا تواضروس: علاقاتنا مع مصر راسخة ونرحب ببابا أكبر كنيسة بالشرق    موعد امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالقاهرة    صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يعلن عن وظائف شاغرة    عاجل|عدم تجديد التراخيص للمصانع خارج المناطق الصناعية يفرض اعباء جديدة على مصنعين الغزل والنسيج    السيسي: نبذل جهودًا مكثفة لتعزيز الأمن والاستقرار ووقف إطلاق النار في غزة    فاينانشيال تايمز تطالب الغرب بكبح جماح نتنياهو وعدم الصمت تجاه غزة    موسكو: زيارة الرئيس الصيني لموسكو تاريخية وتعزز التعاون الاقتصادي    استبعاد ثنائي النصر أمام اتحاد جدة.. وجاهزية سيماكان    "ساقي لم تكن بخير وبكيت يومين".. لاوتارو يروي كواليس مؤلمة قبل لقاء برشلونة    قاضى المعارضات يجدد حبس سارة خليفة وأفراد عصابة المخدرات والحشيش الاصطناعى    القبض على عاطل فرض «إتاوات» على السائقين بالسلام    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يفتح باب التقديم لمشاريع "ملتقى القاهرة السينمائي"    مراهقة تحت الميكروسكوب هل ينجح الحب تحت العشرين؟    الصحة: مصر تمتلك واحدة من أقوى برامج التطعيمات ورصد الأمراض المعدية    "نجوم الساحل" يعلنون بداية فصل الصيف بطريقتهم الخاصة مع منى الشاذلي غدًا    وزير الصحة والسكان يناقش مشروع موازنة قطاع الصحة للعام المالي 2026/2025    الأسباب والأعراض    وزير الإسكان يتابع مشروعات «حياة كريمة» بمحافظات الأقصر والفيوم وكفر الشيخ    «ليه نستنى نتائج الأهلي؟».. طارق يحيى ينتقد تأخر صدور قرارات لجنة التظلمات حول أزمة القمة    دي يونج: وداع دوري الأبطال محبط وعلينا التركيز على لقب الدوري    قانون الإيجار القديم أمام البرلمان.. الحكم الدستوري لا يحرر العلاقة بل ينظمها بعد عقود من الظلم    وزارة التنمية تبحث الإستفادة من المنتجات غير المصرفية بالتعاون مع الرقابة المالية    إصابة شاب إثر انقلاب ملاكي داخل ترعة بقنا    تطورات حادث خط الغاز بطريق الواحات: ارتفاع عدد الوفيات ل6.. والنيابة تبحث عن الجاني    تحرير 507 مخالفات لعدم ارتداء خوذة وسحب 934 رخصة قيادة خلال 24 ساعة    محافظ أسيوط: ضبط مشروبات غازية غير صالحة وتحرير 382 محضر خلال حملات تموينية    تعرف على مدة الدراسة فى الترم الأول بالعام الدراسى الجديد 2026    رئيس جامعة القاهرة يفتتح المؤتمر الدولي لكلية الصيدلة    صيدلة بني سويف الأهلية تنظم يومًا علميًا يجسد مهارات التواصل وتكامل التخصصات    العمل: بدء التقديم في منح مجانية للتدريب على 28 مهنة بشهادات دولية في معهد الساليزيان الإيطالي    حظك اليوم.. مواليد هذه الأبراج «شباب دائم» لا تظهر عليهم الشيخوخة هل أنت من بينهم؟    كندة علوش: تكشف «رد فعلها في حال تعرضها لموقف خيانة في الواقع»    امتنعت عن المخدرات وتوبت توبة نصوحة.. وائل غنيم: أعتذر لكل من أخطأت في حقهم    استشهاد 22 فلسطينيا فى قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    مصر تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع جنوب آسيا وتدعو الهند وباكستان للتهدئة    خلال أيام.. صرف مرتبات شهر مايو 2025 للموظفين وفقًا لبيان وزارة المالية    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    طائرات مسيرة تُهاجم أكبر قاعدة بحرية في السودان.. ما القصة؟    سفير مصر ووزيرة الثقافة الفرنسية يشاركان باحتفالية إصدار كتاب حول مسلة الأقصر    استولى على 13 مليون جنيه.. حبس رجل أعمال 3 سنوات بتهمة الاحتيال على لاعب الأهلي "أفشة"    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    بيدري منتقدا الحكم بعد توديع الأبطال: ليست المرة الأولى!    مصيرهم مش بإيديهم| موقف منتخب مصر للشباب من التأهل لربع نهائي أمم أفريقيا    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي على أصوله    كندة علوش تكشف علاقتها بالمطبخ وسر دخولها التمثيل صدفة    بعد حفل زفافها.. روجينا توجه رسالة ل «رنا رئيس»| شاهد    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 7 مايو 2025 م    أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 7-5-2025 بعد الزيادة الجديدة.. وبورصة الدواجن الآن    المؤتمر العاشر ل"المرأة العربية" يختتم أعماله بإعلان رؤية موحدة لحماية النساء من العنف السيبراني    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد لسه مش سعيد

خالد سعيد، أيقونة الثورة، ورمز الحرية، «أكيد لسه مش سعيد»، لكنه أيضا لم يفقد الأمل، خرج زبانية التعذيب من جحورهم لتجديد نزيف الدماء، لكن وقفة الشباب تحت أشعة الشمس فى الميدان تبعث برسالتها «لسه فى جديد».
فى ذكرى استشهاده الثانية تحكى الثورة عنه، وتقول إنه ليس كأى شهيد.. خالد كان بشارة.. وصورته فى الشوارع حتى اليوم ما زالت «أمارة»، صورة خالد وسط الدم حركت الشعب، لكن صورته الأصلية بعيون جميلة ووجه باسم هى المطبوعة فى قلوب الملايين تقول لهم «الثورة مستمرة»، تقول لهم «القضية.. حافظوا على دمائكم ماتسيبوش حد يشوهكم»، بينما يأتى صوت السيدة «ليلى مرزوق» أم خالد فى كل مكان «كملوا.. ثورتكم حلال.. ووش أولادنا جميل».
عشق الموسيقى والفن وتعلم البرمجة فى أمريكا.. وقُتل غدرًا ليلهب حماس الثوار
مرت الساعات والأيام والأسابيع والشهور حتى وصلنا إلى الذكرى الثانية لوفاة «شهيد الطوارئ» خالد سعيد، الشاب السكندرى الذى وضع أولى بذور الثورة، داخل نفوس المصريين، وصاحب الفضل فى اشتعال الغضب من النظام الذى قهر المصريين طوال 30 عامًا، ليظل اسمه محفورًا فى الذاكرة.
ولد خالد فى يناير 1982 بالإسكندرية، لأسرة مكونة من أب وأم وشقيقين أحمد وزهرة، وتوفى والده فى سن مبكرة، فى الرابع من أبريل 1991، فتأثر خالد وعاش منطويًا، يحس بالغربة فى وطنه، بسبب الفساد، والانهيار الاقتصادى والأخلاقى والسياسى، والظلم الذى تفشى فى كل مناحى الحياة.
كان خالد يحلم بأن يصبح مهندسًا مثل أبيه، ولكن شخصيته الأبية رفضت أنظمة التعليم المصرية، وحصل على دبلومة فى البرمجيات من أمريكا.
خالد كان محبًّا للحياة، ويعشق الفن والموسيقى، ومحبًّا للحيوانات، وكان يحرص على تقديم وجبات يومية لكل الحيوانات بالمنطقة، وكان ظهوره فى الشارع علامة على قرب ظهور عديد من الحيوانات الأليفة التى تأتى مسرعة لتتناول طعامها من يده، وكان يربى 8 قطط فى منزله.
عشق خالد الفن جعله يعمل مع إحدى الفرق الموسيقية، وسافر إلى أمريكا للتعلم، ولأن مهنته الأساسية كانت «البرمجة»، كان ينوى السفر إلى أمريكا لإحضار شحنة كمبيوترات -بحسب تأكيدات أسرته- كما كان ينتوى أن يتم خطبته فور عودته من السفر، إلا أن القدر لم يمهله لتحقيق أحلامه فذهبت نتيجة اعتداء غاشم وأحقاد نظام كان يتلذذ بالظلم والاستبداد وكبت الحريات، ليبق حيًّا فى وجدان الحرية، وينشد المصريون «لن ننساك يا خالد».
وفاة خالد كانت بمثابة شرارة جمعت الملايين حوله، فألهبت حماس المصريين الذين خرجوا عن صمتهم، قائلين للظلم «لا»، منادين بتحقيق دولة العدل والقانون.
وقائع استشهاد خالد
شاب عمره 28 سنة، إسكندرانى، فى طريقه إلى مكتب إنترنت يستوقفه اثنان من أمناء الشرطة ينهالان عليه بالضرب أمام الجميع، هذه ببساطة هى الحكاية.
التفاصيل تقول إن اسم الشاب خالد سعيد، والمخبرين هما محمود صلاح وعوض إسماعيل، تتوالى بعد ذلك المشاهد المأساوية، حيث أمسكه أحدهما، وقيّد حركته من الخلف، والآخر من الأمام، وعندما حاول تخليص نفسه منهما قاما بضربه، وصدما رأسه برف رخام موجود بالمقهى، وعندها أتى صاحب المقهى وأمرهما بالتوقف والخروج فورا، أخذا خالد سعيد معهما إلى مدخل عمارة مجاورة للمقهى، وقاما بضربه حتى الموت، كان يستنجد ويحاول أن يهرب ثم أخرجاه، حين وصلت سيارة بوكس حملته إلى قسم سيدى جابر، كان وجهه مشوها وينزف منه الدم وأقرب للميت.. هذه الصياغة ليست من عندنا، لكنه نص ما جاء فى شهادة الشهود أمام النيابة العامة فى قضية مقتل خالد سعيد.
بيان الداخلية الأول جاء سريعا، فاعتبر خالد خارجا عن القانون، ومطلوب القبض عليه لتنفيذ ثلاثة أحكام سابقة بالاتجار بالمخدرات، ولم ينته التلفيق عند هذا الحد بل جاء تقرير الطب الشرعى الأول، شديد السرعة «إسفكسيا اختناق»، نتيجة ابتلاع لفافة بانجو، والنتيجة إخلاء سبيل المتهمين.
تحرك أسرة خالد وشباب مصر وكل المدافعين عن حقوق الإنسان أدى إلى إعادة فتح القضية من جديد، خصوصا بعد انتشار فيديو منسوب لخالد يكشف عمليات اتجار بالمخدرات وأحراز القضايا داخل قسم سيدى جابر، فتقدم دفاع أسرة خالد ببلاغ جديد، وتقدم شهود الواقعة الحقيقيون بشهادتهم، فأمر النائب العام عبد المجيد محمود لإعادة فتح القضية، وانتداب لجنة ثلاثية من الطب الشرعى، لكنها للأسف لم تأت بجديد رغم التقرير الشرعى الاستشارى الذى أصدره كبير الأطباء الشرعيين فى مصر، أيمن فودة، بناء على طلب ممثلى الدفاع المدنى، وأكد خلاله أن خالد مات مقتولاً، نتيجة التعرض الشديد للضرب، وأن اللفافة تم حشرها فى حلقه بعد موته.
ودون حاجة إلى تقرير جاءت دموع والدته وهى تسأل أمام شاشات إعلام أبواق مبارك بسؤال بديهى شديد المنطقية «كيف استطاع خالد الجرى ومحاولة المقاومة والتعرض لكل هذا الضرب الشديد، فى حين أن اللفافة قد ابتلعها فور رؤيته لأفراد الشرطة، فكيف استطاع التحرك والصراخ وهو يتعرض للخنق؟».
لعل الإجابة أيضا شديدة البديهية، وللأسف هى مستمرة، وستزيد مع خروج زبانية داخلية العادلى ومهندسى التعذيب للشارع مرة أخرى، تقرأها بوضوح فى مقال للكاتب بلال فضل بعنوان «حديث اللفافة» قال فيه على لسانها: «أنا اللفافة، تحدث الكثيرون وظللت صامتة، لا لأننى جماد أخرس لا يتحدث، بل لأننى لو نطقت لما صدق الناس حرفا مما أعرفه عن دناءتهم ووضاعتهم وتحجرهم، مغلوبة أنا على أمرى، أُستدعى وقت الطلب لأحمل أوزار الناس، ولأصير لعبة يتقاذفها بإتقان ضباط شرطة وخبراء طب شرعى ووكلاء نيابة وصحفيون وساسة ومتفرجون ماتت ضمائرهم».. فى النهاية ومع استماتة من أصحاب الحق، أحيلت القضية لنظرها أمام القضاء فى يوليو 2010، ولم يصدر الحكم إلا فى أكتوبر الماضى، حيث قضت محكمة جنايات الإسكندرية بالسجن لمدة سبع سنوات، سبع سنوات لا أكثر تلقتها أياد قذرة أنهت قبل عامين حياة كانت تطل من عينى شاب كالوردة، وهى نفس الأيادى التى تحركت فى يوم الحكم أمام الكاميرات بحركة إباحية بأصابع اليد.
الحكم الذى أشعل غضب إسكندرية من جديد ردت عليه والدة خالد سعيد بجملة واحدة «الحكم على من قتلوا خالد صدر من الشارع المصرى، ولا ينتظر المحاكم»، لكن النيابة العامة قامت بالطعن على الحكم أمام محكمة الاستئناف، كما قال محامى الأسرة محمود عفيفى، وإلى الآن ومع مرور الذكرى الثانية لوفاته لم يتم بعد تحديد دائرة لنظر الدعوى الحزينة.
مئات المسيرات والمظاهرات فى الإسكندرية والقاهرة والمحافظات واجهت بطش «الداخلية» ومهدت لثورة 25 يناير
أول مرة أنزل مظاهرة، وأحس إن الشارع بيترج من حوليّا بالشكل ده».. «نزولنا مظاهرات ضد تعذيب خالد سعيد بداية ثورة جاية».. «مابقتش باحس بالأمان غير وأنا فى قلب مظاهرة».. «يا خالد لا تحزن كلنا مكانك وهنجيب حقك».. تلك كانت عينة بسيطة من التعليقات التى سجلها عدد من المترددين على صفحات وجروبات «فيسبوك»، قبل عامين، مع انطلاق مظاهرات ومسيرات الغضب ضد مقتل شهيد الطوارئ السكندرى خالد سعيد.
بداية مظاهرات الغضب جاءت مبكّرة، بعد أن هز الفرق الشاسع بين الصورتين المنشورتين لخالد، على «فيسبوك»، قبل وبعد التعذيب، وجدان المصريين فى مختلف المحافظات والمدن. الحادثة وقعت يوم 6 يونيو 2010، ليتحول «فيسبوك» بعدها بثلاثة أيام فقط إلى نافذة إلكترونية مفتوحة، للحديث عن خالد سعيد، لتخرج إلى النور بعد ذلك ببضع ساعات الصفحة التى تم تسجيلها بصفتها الأكثر تأثيرًا فى مصر «كلنا خالد سعيد».
فى اليوم الرابع من مقتل خالد سعيد غدرًا، على يد فردى شرطة، كان بيان الداخلية المستفز، الذى رد على وصف شباب ال«فيسبوك» لخالد ب«شهيد الطوارئ»، لكن القتلة سموه ب«قتيل البانجو»، فجاء الرد سريعًا فى اليوم ذاته من قبل النشطاء الغاضبين، حيث تم تنظيم أول وقفة احتجاجية أمام قسم شرطة سيدى جابر، فى الإسكندرية، شهدت اعتداء سافرًا على كثير من النشطاء، كانت من بينهم الدكتورة عايدة سيف الدولة رئيس مركز النديم، كما تم القبض على الناشط حسن عبد الفتاح، ووجهت إليه فى ما بعد تهمة الاعتداء على أفراد الشرطة، ومن ثم حكم عليه بالحبس 6 أشهر، تلا ذلك تنظيم أولى المظاهرات فى القاهرة، وتحديدًا فى 12 يونيو من العام نفسه أمام مبنى وزارة الداخلية، لكنها أجهضت، وكان مصيرها الفشل، إثر تجييش قوات هائلة من الأمن المركزى للاعتداء على الشباب والفتيات بالضرب.
ومع ذلك توالت بعدها الوقفات الاحتجاجية بالتوازى بين القاهرة والإسكندرية، كانت أقواها وأشدها تأثيرًا يوم 13 يونيو، حينما عاد عشرات من شباب حركتى 6 أبريل وشباب من أجل العدالة والحرية، وعدد من النشطاء المستقلين إلى وزارة الداخلية، فتم الاعتداء عليهم مجددًا. ورغم أنهم تفرقوا، فإنهم أسسوا ظاهرة جديدة، تمثلت فى صنع مسيرات داخل شوارع وسط البلد، دون الإعلان المسبق عنها، الأمر الذى أربك قوات الأمن، وبالتزامن مع ذلك وفى نفس التوقيت تقريبًا، شهدت منطقة المنشية فى الإسكندرية مسيرة مشابهة وصلت حتى منزل خالد سعيد وقدمت العزاء لوالدته، وبعدها تم الإعلان عن وقفة حاشدة أمام مسجد القائد إبراهيم، من قبل الجمعية الوطنية للتغيير، حضرها ما لا يقل عن 10 آلاف مصرى، ويومها عقد أفراد أسرة خالد سعيد أول مؤتمر صحفى لهم، لم يترددوا خلاله فى الإشارة إلى الجانى، وطالبوا بمحاكمة وزير التعذيب حبيب العادلى.
تقليد الوقفات والمسيرات الاحتجاجية لمقتل خالد سعيد، تكرر فى عدد من أيام الجمعة التالية، كان أهمها جمعة 25 يونيو، التى قدم خلالها كل من الدكتور محمد البرادعى، ومرشح الثورة للرئاسة حمدين صباحى، واجب العزاء إلى أسرة الشهيد، كما شارك الأخير المتظاهرين هتافهم «حركة وطنية واحدة ضد السلطة اللى بتدبحنا»، قبل أن يبدع الشباب وأخرجوا بهتافات «خالد خالد يا بطل دمك بيحرر وطن».. و«خالد خالد يا سعيد انت شاهد وشهيد».. و«لو كان خالد ابن وزير كانت رقبة عادلى تطير»، ثم كان الهتاف الذى صمد وتطور حتى بات واقعًا ملموسًا بتنحى مبارك عن الحكم فى 11 فبرارير 2012، وهو «ارحل.. ارحل زى فاروق»، الذى تم تطويره فى ميدان التحرير، وجميع ميادين الحرية المصرية، إلى «الشعب يريد إسقاط النظام».
النشطاء وشباب مصر الحر والثائر، لم يعبروا عن غضبهم لمقتل خالد سعيد بالهتاف فقط، لكن صفحة الشهيد «كلنا خالد سعيد» بدأت فى الدعوة للمشاهد الأكثر تأثيرًا، والخاصة بعشرات الوقفات للسلاسل البشرية فى الإسكندرية والقاهرة والمنصورة والإسماعيلية وبورسعيد وغيرها من المحافظات، فى نفس الوقت، حيث كان الجميع يرتدى شارات سوداء، ويقرأ الفاتحة ويصلى حدادًا على روح شهيد الطوارئ خالد سعيد وكل خالد سعيد آخر.
صفحة كلنا خالد سعيد.. بشارة الثورة
«كلنا خالد سعيد.. نافذة على الحرية».. أنشأها وائل غنيم وعبد الرحمن منصور.. ويتابعها ثلث مستخدمى الإنترنت فى مصر
لم يشهد أى تكوين سياسى أو حزبى فى مصر تجمع ما يزيد على المليون مشترك أو متابع، لكن فعلتها وحدها صفحة «كلنا خالد سعيد» التى وصل عدد المشاركين بها على موقع «فيسبوك» إلى مليونين و300 ألف حتى صباح اليوم، وهو ما يزيد على ثلث عدد مستخدمى الإنترنت فى مصر وفق إحصاءات رسمية.
الصفحة التى انطلقت قبل الثورة، أسست لروح الثورة داخل المصريين، وتتوالى الصفحات على نفس تنويعة الاسم، فمن كلنا خالد سعيد لكلنا شهداء، لكلنا مع بعض، وتتوالى الأسماء على تنويعات الاسم فى مصر والعالم العربى، بالتأكيد كانت هذه الصفحة فى تطور دائم من عرض الموضوعات التى تناقشها، للدعوات التى تتبناها، للأدوات التى تبتكرها، وكانت فى كل هذا شرارة الغضب، وأحد أهم بشارات ثورة 25 يناير.
البداية كانت مع صورة خالد سعيد، التى التف حولها كل من الناشطين عبد الرحمن منصور ووائل غنيم، اللذين جمعهما قبل عام إدارة تطوعية لصفحة د.محمد البرادعى على «فيسبوك»، بعد الحادثة بأيام قليلة اختار منصور الاسم وأنشأ وائل غنيم الصفحة، وبدآ معا فى إدارتها كصفحة تدافع عن حقوق الإنسان المصرى فى حياة كريمة خاصة ضد سلخانة التعذيب المفتوحة، التى لم يكن خالد بالطبع أول من وردها.
فكرة الوقفات الصامتة بثياب الحداد على امتداد كورنيش إسكندرية والنيل بالقاهرة وبكل ثغر فى محافظات مصر، كانت فكرة أحد أوائل المشاركين فى الصفحة وتبناها مديراها فانتشرت وبقوة.
الانتقال من الحقوقى إلى السياسى وفق تأريخ هؤلاء المديرين للصفحة جاء مع انتخابات 2010، وهو ما ظهر من نوايا التزوير فتمت الدعوة للنزول للانتخابات وبقوة وكتابة اسم خالد سعيد بدلا من المرشحين من الحزب الوطنى المنحل، وكخطوة أولى بدا للمهتمين من أرباب السياسة والآخرين بجهاز أمن الدولة قوة هذه الصفحة، لكن لم يستطيعوا اختراقها.
الدعوة السياسية الثانية كانت فكرة عبد الرحمن منصور سجلها يوم 28 ديسمبر 2010 تحت اسم دعوة للغضب فى يوم 25 يناير، وثلاثة مطالب رئيسية «وقف قانون الطوارئ ومناهضة التعذيب وحد أدنى للأجور».
والدة خالد سعيد.. أم الثورة
السيدة ليلى: حق الشهداء لم يأت.. لكنه سيرجع.. والحفاظ على الثورة يتطلب دعم «مرسى».. وأدعم تشكيل مجلس رئاسى
هى ليست أم الشهيد خالد سعيد فقط، أول شهداء الثورة، بل هى أم كل الثوار، وأم جميع الشهداء. تستحق السيدة «ليلى مرزوق» لقب «الأم الثورية» عن جدارة، لصمودها الفريد منذ اللحظات الأولى لوقوع حادثة ابنها، فلم تستسلم لمحاولات تشويه صورة ابنها بعد وفاته، حيث دعمت مطالب الثورة وشعرت بأهمية استنشاق نسيم وهواء الحرية، ونزلت ميادين مصر لمشاركة أبنائها الدفاع عن حريتهم والمطالبة بحقوقهم ورفع روح الاستبداد.
أم خالد، قالت ل«التحرير»، إن حق الشهداء لم يأت حتى الوقت الحالى، إلا أن الثورة مستمرة، وسوف يأتى حق الشهداء، لأن شباب مصر الواعى أصبح لا يخشى شيئا، مضيفة أن «نتائج الانتخابات الرئاسية فى الجولة الأولى مزورة، وأنه سيتم تزويرها فى جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية لصالح الفريق أحمد شفيق، حتى لو فاز الدكتور محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين، قائلة: «بلاش نتعب نفسنا، الانتخابات سوف تزور وبلاش نشارك فيها من الأفضل».
وعن الأحكام القضائية الصادرة فى قضايا مقتل المتظاهرين ضد «الرئيس المسجون» ووزير داخليته وأعوانه، قالت «مHفيش أى ضابط منذ مقتل ابنى خالد وحتى وقتنا الحالى، حصل على أحكام قضائية»، بينما أشارت إلى توقعها الأحكام القضائية الصادرة عن الرئيس المخلوع مبارك واللواء حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، مضيفة: أنها تتوقع حصولهما على حكم بالبراءة فى النقض، بدعوى الحالة الصحية، وكبر السن وغيرها من الأسباب «الواهية» -على حد وصفها- قائلة: «دول معاهم دكتوراه فى كده».
وحذرت من أن يكون أول قرارات شفيق إذا فاز بالانتخابات تنفيذ حكم البراءة لمبارك، مؤكدة أن قرار حبس مبارك والعادلى كان بهدف التهدئة لا العقاب، مشيرة إلى أنها مع صدور حكم البراءة ستنزل إلى الميدان لبدء الاعتصام، والقيام بثورة جديدة.
ولا يزال حق الشهيد ضائعا
7 سنوات سجنا لقتلة أيقونة الثورة بعد 14 جلسة من المحاكمة.. وأسرته قدمت مذكرة للطعن فى الحكم
أربع عشرة جلسة انتظرها أهل الشهيد خالد سعيد، وأهل الإسكندرية ومصر بأكملها متلهفين لسماع الحكم على القتلة، وفى انتظار القصاص العادل، لكن جاء الحكم بعد نحو عام ونصف مخيب للآمال.
جاء الحكم بعد نحو 14 جلسة اختلفت توقيتاتها ك«طعنة» للمتابعين للقضية، بعد أن قضت محكمة جنايات الإسكندرية بحبس مخبرى أمن الشرطة اللذين تسببا فى الواقعة بالسجن المشدد 7 سنوات، وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة.
وتعود وقائع القضية إلى شهر يونيو من العام 2010، بعد قيام فردى الشرطة بقسم شرطة سيدى جابر، بإلقاء القبض على خالد سعيد فى أثناء وجوده داخل مقهى إنترنت بمنطقة كليوباترا محل سكنه، بدعوى تنفيذ حكم جنائى صادر ضده، إلا أنه تعرض للضرب فى أثناء إلقاء القبض عليه، مما أدى إلى وفاته.
أولى جلسات القضية، كانت يوم 27 يوليو من العام قبل الماضى، حيث تقدم أعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين بطلبات تتضمن الإفراج عنهما مقابل ضمان مادى أو مقابل الوظيفة، بالإضافة إلى تعديل قيد وصف التهم الموجهة إليهما، بينما قدم المحامون المدعون بالحق المدنى عددا من الطلبات لهيئة المحكمة حول مكان الوفاة ومكتب الصحة الذى استخرج شهادة الوفاة.
وقائع الجلسة الثانية، شددت فيها هيئة المحكمة على الإجراءات الإدارية، فقررت تأجيل القضية إلى 23 أكتوبر مع استمرار حبس المتهمين لاستكمال سماع شهود الإثبات والنفى، وشهدت وقائع الجلسة الثالثة بتاريخ 23 أكتوبر 2010 مناقشة مندوب الطب الشرعى ورئيس مباحث سيدى جابر واثنين من معاونيه ومديرة مكتب صحة سيدى جابر واثنين من أصدقاء خالد سعيد وأخيه، بالإضافة إلى أحد شهود الواقعة، وتأجلت القضية ل27 نوفمبر، وفى الجلسة الرابعة قررت المحكمة تأجيل نظر القضية إلى جلسة 25 ديسمبر لعدم اكتمال هيئة المحكمة للأعضاء الأصليين واحتفاظ كل من محامى الدفاع والمدعين للحق المدنى بحقهم فى مناقشة الشهود بحضور هيئة المحكمة كاملة.
«يمكن لشخص طبيعى ابتلاع أجسام يزيد حجمها عن حجم اللفافة التى تم ضبطها بدم المجنى عليه»، كانت تلك شهادة الدكتور السباعى أحمد السباعى، كبير الأطباء الشرعيين، ورئيس قطاع الطب الشرعى، أمام هيئة المحكمة فى خامس جلسات القضية يوم 25 ديسمبر.
السباعى نفى، من خلال معاينة رئيس اللجنة الثلاثية التى أعادت تشريح الجثة، وجود أى إصابات قوية برأس المجنى عليه أو وجهه، مؤكدا أنه لا توجد أى إصابات بالغة بمنطقة الفك والشفتين عدا كسر بأحد قواطع الفك العلوى من الجهة اليمنى، وبانتهاء الجلسة الخامسة تكون هيئة المحكمة استمعت إلى شهادة 18 شاهدا على مدار سير القضية فى الجلسات السابقة.
22 يناير كان هو موعد الجلسة السادسة، واستمعت فيها هيئة المحكمة إلى مرافعات النيابة العامة، والتى أكدت تخلى المتهمين عن أمانة أداء وظائفهم والتى تتمثل فى حماية حقوق الإنسان، كما استمعت إلى الادعاء بالحق المدنى الذى طالب بتعديل قيد ووصف التهمة من القبض على شخص بدون وجه حق، واستخدام القسوة والتعذيب البدنى إلى القتل العمد.
فى جلسة 22 أكتوبر 2011 التى تعتبر الجلسة الأولى والحادية عشرة فى ترتيب الجلسات، عقب صدور قرار حظر النشر فى القضية ناقشت هيئة المحكمة لجنة الخبراء من الطب الشرعى فى التقرير، وأجمعوا أن لفافة تم حشرها عنوة، فتأجلت القضية إلى جلسة 24 أكتوبر للمرافعة، ويوم 24 أكتوبر، ثم تم تأجيل الجلسة الثالثة عشرة لجلسة 26 أكتوبر لاستكمال المرافعات والنطق بالحكم.
وفى الجلسة الأخيرة 26 أكتوبر حكمت المحكمة بالسجن المشدد 7 سنوات على المتهمين، بينما تقدم المحامى الأول لنيابات استئناف الإسكندرية، بمذكرة طعن على الحكم، كما تقدمت أسرة المجنى عليه بمذكرة الطعن على الفساد فى الاستدلال والخطأ فى تطبيق القانون، وذكرت المذكرة أن المحكمة استندت فى حكمها إلى تقرير المعمل الكيميائى، الذى أثبت خلاف الحقيقة الثابتة بالأوراق أن المجنى عليه خالد سعيد كان متعاطيًا لمخدر الحشيش، بناء على عينة بول، فى حين أن الطبيب المُشرح الذى أرسل العينات للمعمل لتحليلها لم يرسل عينة بول وأرسل عينات من الدم والأحشاء فقط، وهو ما لم يتم إثباته عن طريق عينة الدم، وتم إثبات ذلك فى محضر جلسة 22 يناير 2011 إلا أن المحكمة لم تلتفت إليه.
سيناريو للتعذيب المتكرر فى الوطن العربى
«بوعزيزى» و«العمرى» و«بلال» مهدوا لثورات الربيع العربى فى سلخانات الشرطة
خالد سعيد، هو النسخة الأصلية لوقائع التعذيب المتكررة فى البلدان العربية استلهمتها تونس ب«بوعزيزى» ومصر ب«السيد بلال» والطفل السورى «حمزة»، ودونت ذاكرة الأمة العربية أسماءهم بأحرف من نور لتجذب اهتمام الشباب العربى فى قضايا الوطن العربى من مختلف الاتجاهات والتيارات والأعمار لتبدأ عهدا من النور.
«محمد بوعزيزى» بائع الخضار التونسى الشريك الرسمى لخالد سعيد، فى تفجير فتيل ثورات الربيع العربى، تعرض للضرب فى تونس، فتفجرت الثورة هناك.. قصص التعذيب، انتقلت إلى «سفاح العرب»، الرئيس السورى بشار الأسد، إذ يتعرض المئات للموت على يد قواته، ومن أشهرها للطفل السورى حمزة الخطيب صاحب ال13 عاما الذى تعرض للتعذيب لأسباب توضح مدى طغيان أنظمة فقدت شرعيتها.
وفى المغرب تعرض الشاب كمال العمرى لحلقة أخرى من مسلسل التعذيب فى الدول العربية، حيث توفى بعد التعدى عليه من قبل الأمن المغربى فى أثناء مشاركته فى مظاهرات العام الماضى للمطالبة بالإصلاحات السياسية.
ردود فعل السلطات العربية توحى بأن هناك أسلوبا ممنهجا لمواجهة الغضب الشعبى، إذ حولت السلطات المصرية وفاة خالد إلى اختناقه بعد بلعه لفافتى بانجو، رغم آثار التعذيب الواضحة، بينما نفت قوات الأمن المغربية تعرض ضحيتها كمال العمرى، للتعذيب وقالت إنه توفى بسبب إصابته ب«التهاب رئوى» فى أثناء مشاركته الاحتجاجية فى مدينة آسفى، جنوب الدار البيضاء.
أما الطفل السورى «حمزة»، فقد رفضت السلطات السورية إعلان سبب وفاته ونفت تعذيبه أو أنه قُتل بأيدى الأمن السورى، رغم إصابته بطلق نارى، بينما تكررت واقعة خالد سعيد مرة أخرى فى مصر، إذ توفى الشاب السلفى سيد بلال بعد تعذيبه على خلفية تحقيقات الشرطة معه حول أحداث تفجيرات كنيسة القديسين.. ذاكرة الأمة العربية لديها الكثير من الصفحات تدوِّن فيها أسماء ضحايا الظلم والتعذيب فى الوطن العربى من مشرقه إلى مغربه، ومن أقصى يساره إلى أقصى يمينه، متسائلة عن توقيت وقف حملات الإبادة والتعذيب لشباب العرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.