ما بين محاولات الفيلسوف الإغريقي أرخيتاس والأندلسي عباس بن فرناس، وحتى الأخوين الأمريكيين أورفيل وويلبور رايت، توارث البشر حلم الطيران ومناطحة الطيور في سمائها الواسعة والنظر للأرض من الأعلى. لكن هناك بعض البشر الذين استطاعوا الطيران وأرجلهم ثابتة على الأرض، بل وداعب السحاب هاماتهم، ومنهم الطفل إبراهيم محمد محيسن، إبن قرية العدلية في مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، والذي رأى في المحنة منحة وأستطاع أن يحول الألم إلى أمل يحمله بين الطيور. بجسد نحيل وعيون يملأها التحدي وشفاه تبتسم على الدوام، أستطاع إبراهيم أو "هيما" كما ينادى بين عائلته وأقرانه، أن يتخطى الحادثة التي ألمت به وهو في سن الخامسة، عندما صرخ الإهمال معلنا عن حاجته لمزيد من الضحايا، فترك موظف بشركة الكهرباء باب كشك الكهرباء مفتوح، ذلك الكشك الذي يقع بجوار منزل إبراهيم ، فلبت الكرة نداء الإهمال ودخلت إلى الكشك، فما كان من إبراهيم إلا أن ذهب إليه محاولا إستعادة الكرة، فتعرض للصعق الكهربائي، مما أفقده ذراعيه. يروي "حسين الخيال" خال إبراهيم ل"الصباح" ملابسات ما حدث قائلا: "إبراهيم له من الأخوة البنين ثلاث، ومن البنات إثنتين، ومنذ الثالثة من عمره ظهر عليه عشقه لكرة القدم الذي ورثه عنه وظهر أيضا في عدد من أبناء العائلة. ويضيف: بعد الحادث توجهت العائلة على الفور إلى المستشفى فظل "هيما" بين غرف العمليات لمدة وصلت لأربعة أشهر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبعد التعافي بحمد الله حرص أبويه على تعليمه، إلا أن العديد من المدارس رفضت قيده حتى مر موعد التسجيل بالمرحلة الابتدائية، وفي العام التالي وبمساعدة بعض الأقارب سُجل إبراهيم بمدرسة بقرية قريبة من العدلية، لكن بعد أن خسر سنة دراسية، ولكن اليأس لم يتسلل إلى أبويه ونقلاه إلى إبنهما الذي تدرب على الكتابة بقدمه اليمنى، حتى ظهرت مفاجأة أخرى وهي إستطاعته الرسم باستخدام قدمه، بعد ان قضى ساعات طوال في التدريب على ذلك. واستكمل: إبراهيم لديه من عزة النفس والخجل الكثير، فلا يطلب أو يقبل مساعدة من أحد غير والدته، بالإضافة إلى والده الذي أجبرته إصابته في عينه وفقدان البصر بها على الخروج مبكرا على المعاش، ورغم ضيق الحال إلا إن ميراث العائلة من عزة النفس يوزع على الأرض فيملأها. أما إبراهيم فقال ل"الصباح": "بدأت الاهتمام بالكرة وانا في عمر السادسة، كنت أتوجه لملعب قرية العدلية، وهناك تابعني الكابتن سيد والكابتن هاني، فإهتما بي، وكنت ألعب في مركز الدفاع وقتها إلا أنني كنت أؤدي بشكل أفضل في مركز المهاجم، فوظفاني في هذا المركز الذي ألعب به منذ ذلك الوقت، وحتى الآن، وأثقلا بي مهارة اللعب بالرأس، ثم عرفني الكابتن سيد على كابتن محمد أبو شوشة مدربي الحالي، الذي نقلني معه إلى فريق كفر أيوب، ثم إلى مركز شباب السعدات وبعدها إلى مركز شباب بني عمارة. وأضاف: في تلك الأثناء أهتممت أيضا بتعلم الرسم، فأستطعت رسم العديد من الرسومات لأشكال كرتونية، وفي حصة الرسم أتلقى الإشادة من الجميع وبعضهم يقول أنني سأصبح رسام كبير في المستقبل. واستكمل: أحب محمد صلاح كثيرا وأتمنى أن أصبح مثله في يوم ما، فهو فخر العرب وأنا أحب أن يقال لي أنني فخر الشرقية، وكنت أنتظر أن تفوز مصر بكأس الأمم الأفريقية الأخيرة لكن الأزمة كانت في الدفاع، ومع ذلك أشكر كابتن محمد الشناوي حارس مرمى مصر، الذي أظهر مستوى رائع وكبير جعلنا جميعا نشجعه.