*الأهالى: ظهور أعلام «داعش» وسط مظاهرات الإخوان.. والمتطرفون يسيطرون على المساجد *الزعفرانى: الإخوانى القطبى رفاعى سرور نشر فكرًا تكفيريًا بالمنطقة فى منتصف السبعينيات
من المطرية إلى شارعى الهرم وفيصل مرورًا بمثلث الموت ناهيا وكرداسة والمجادلة.. هناك يصنع الإرهاب رجاله.. مناطق تشتعل مع كل دعوة إخوانية بأحداث شغب.. أبطالها شباب غسلت الجماعة عقولهم وحولتها إلى عقول عامرة بالإرهاب ومحاولات هدم الدولة.. فى هذه المناطق وغيرها الكثير استطاع الإخوان السيطرة على قطاع عريض من الشباب وتحريكهم نحو استهداف أمن المواطنين المسالمين وتهديد السلم العام والحرب على الشرطة.. «الصباح» فى هذه السطور ترصد أهم بؤر صناعة الإرهاب فى القاهرة الكبرى وتبحث عن كيفية تسخير الأبرياء فى الحرب على الدولة. فى رحلتها داخل مصر، كانت المطرية إحدى المحطات المهمة للسيدة مريم العذراء، وحين غادرتها، تركت لسكان المنطقة بركات العائلة المقدسة، فى صورة شجرة احتمت بها مع وليدها، الذى كان «يكلم الناس فى المهد»، لكن فروع الشجرة ذبلت، وماتت جذورها، ماتت، فما كان من الكنيسة التى أقيمت بالقرب من المكان، وتحمل اسم العذراء، إلا أن سارعت بوضع هيكل جديد لشجرة، حتى تضمن تدفق الزوار، والتبرعات، لكن الأشجار المزيفة لا تجلب البركات، وربما تجلب اللعنات. حين اشتعل الغضب فى ميدان المطرية، قررت الحكومة أن تبحث عن شجرة مزيفة تعينها على إعادة البركة إلى المنطقة، فأعلنت على لسان وزير تموينها، خالد حنفى، أنها سترسل كميات كبيرة من السلع الغذائية لتباع لسكان المنطقة بأسعار مخفضة، ما يعنى الاعتراف ضمنيا بأنها تحولت إلى منطقة منكوبة، رغم أن الحكومة لم تعترف بأنها سبب هذه النكبة، بعدما تركت المنطقة وسكانها بعيدا عن عيون الدولة، فسقطوا بسهولة فى فخ تيارات لا ترحم، وأفكار لا تعرف سوى العنف باسم الدين. ويبدو أن أحدًا لم يتعلم الدرس بعد، لأن ما يجرى فى المطرية هو صورة مكررة لما جرى فى «كرداسة»، ومرشح للتكرار فى كل منطقة عشوائية أخرى، لا تجد من ينميها أو يستغلها. كانت المطرية منطقة نائية، لكنها أصبحت فى قلب العشوائية.. كانت قطعة من أرض طيبة، ومباركة أحيانا، ومقدسة غالبا، لكن رياح التغيير جعلت شريط «التروماى» يشطرها إلى نصفين، واختفى «التروماى»، لكن ظلت شوارعها مقسمة ببقية قضبانه الحديدية، المغروسة فى قلب المنطقة، وتطوع مترو الأنفاق باستكمال الدور نفسه، وما بين التروماى والمترو لم تجد المنطقة وسكانها من يعالج جراح التغيير الذى لحق بها، فتحولت بمرور الوقت إلى موطن للمتطرفين، وساحة للساخطين على الحكومة. المطرية كانت من أشهر المناطق الأثرية فى مختلف العصور، هى (أون) فى زمن الفراعنة، وتعنى «مدينة الشمس»، وهى «هليوبوليس» فى عهد الرومان، كما تضم عددا من الآثار الشهيرة، أبرزها مسلة سنوسرت الأول، وعمود مرنبتاح، وبقايا معابد الرعامسة، وشجرة مريم، وقصر الأمير يوسف كمال، أحد أجمل قصور أسرة محمد على، وصاحبه هو مؤسس مدرسة الفنون الجميلة فى عام 1905، وصممه مهندس القصور الملكية الشهير أنطونيو لاشياك، ثم تحول إلى متحف عقب ثورة 23 يوليو 1952. ورغم وقوعها قرب أطراف القاهرة، إلا أن المطرية كانت من أبرز المناطق المشاركة فى ثورة 25 يناير، وكما كانت إحدى أقرب نقاط التجمع لأنصار الإخوان عقب الثورة الشعبية على حكمهم فى 30 يونيو 2013، ووقتها لم ينتبه أحد إلى المغزى من اختيار الجماعة لتلك المنطقة تحديدًا، حتى جاءت الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، وتصدرت المنطقة المشهد، بعدما تفجرت فيها موجة من العنف والغضب، من الميدان الذى يحمل اسمها، فأسرعت الحكومة وأجهزتها الأمنية إلى إطفاء نار الفتنة المشتعلة. 20 دقيقة فقط داخل إحدى عربات الخط الأول لمترو الأنفاق، كافية لنقلك من وسط القاهرة، إلى حى المطرية، الذى يبلغ مساحته 13 كيلومترا مربعا، ويسكنه ما يقرب من مليونى مواطن، ورغم قصر المسافة بين وسط القاهرة والمطرية، إلا أن تلك الدقائق العشرين تنقلك من عالم إلى آخر، من عبارات التأييد لقوات الجيش والشرطة المنتشرة فى قلب العاصمة، إلى العديد من العبارات المناهضة للنظام، والتى تغطى قلب المطرية. داخل الشوارع الضيقة، كان الخوف والقلق يكسو ملامح الوجوه المعلقة فى نوافذ البنايات القديمة والمتهالكة، ورائحة الحرائق تنتشر على جوانب الطرقات، والمحال مغلقة، والشوارع خالية إلا من مدرعات الجيش والشرطة، بعد مواجهات طويلة بين أنصار جماعة الإخوان الإرهابية، وقوات الأمن، أسفر عن سقوط العديد من القتلى والمصابين، بالإضافة إلى إصابة الأهالى المسالمين بحالة من الذعر. أرجع الرجل الخمسينى، حسين مصطفى، اختيار الإرهابيين لمنطقة المطرية، حتى تكون نقطة انطلاق للعديد من فعالياتهم إلى أنها تضم العديد من البؤر العشوائية، التى تتسم بضيق الحوارى، بالإضافة إلى سكن أعداد كبيرة من أبناء التيارات الإسلامية فيها، مشيرا إلى أن حى المطرية يحيط به عدد كبير من العزب المبعثرة، وأهمها العقاد، وحمادة، والليمون، والريس، وجميعها تعانى من ارتفاع معدلات البطالة والجهل بين الشباب. وأكد أن «المساجد الخاضعة لسيطرة الإخوان والسلفيين فى المنطقة، هى توحيد المعسكر، وتوحيد عزوز، وميدان المسلة، والغليط، وجميعها تحولت إلى بؤر لخروج مظاهرات الإخوان فى كل جمعة، والتى يرفعون خلالها شارات رابعة، وأعلام داعش»، موضحا أن «كل ما حدث فى الفترة الماضية، كان المتسببون فيه أشخاص غرباء عن المنطقة، لأن كل الأهالى يعرفون بعضهم جيدًا». وعلى بعد أمتار من نهاية شارع «الترولى» المتجه إلى ميدان المسلة، التقينا الشاب مينا جورج، قرب كنيسة الرشاح، كما يحب الأهالى تسميتها، وأكد لنا الشاب العشرينى، أن «الإرهاب فى المطرية لم يفرق بين مسلم ومسيحى»، موضحًا أنه شاب مسالم، ولا علاقة له بالسياسة، إلا أن طلقات نارية اخترقت أبواب جراج منزله، وألحقت أضرارًا بالغة بسيارته. أما صلاح محمد، أحد أصحاب المنازل فى شارع الحرية، التى شهدت الأحداث الدامية بين الإخوان والأمن، فقال «شوفنا يومين كأننا فى حرب 73»، مضيفا أنه كان يرى مجموعات ملثمة من الشباب تجوب المنطقة ليلاً من حين لآخر، وفى أحيان كثيرة كانوا يستقلون دراجات نارية، ويحطمون لمبات الإنارة فى المنطقة بالكامل، حتى لا يراهم أحد، وحينما اشتبكوا مع الأمن خلعوا أعمدة الإنارة، واستخدموها مع صناديق القمامة فى إقامة سواتر، مؤكدا أنهم اختاروا المطرية بالذات لأنها تمتد إلى المرج والطريق الصحراوى، ما يجعل حصارهم فيها أصعب، وفرارهم أسهل. وقال قيادى جهادى سابق، تائب عن الفكر التكفيرى، ويسكن فى منطقة عين شمس القريبة، إن «حى المطرية والألف مسكن بهما مجموعات تعتنق الفكر السلفى الجهادى، حاولوا استغلال ما حدث بعد 30 يونيو، وعزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، وحماس شباب الإخوان، فى تحويل منطقة شرق القاهرة إلى ولاية إسلامية، لكن الأمن الوطنى والمخابرات اكتشفوا مخططهم، وقاموا بتصفيتهم». وأضاف أن «ما يحدث الآن من أعمال إرهابية فى أحياء المطرية وعين شمس والألف مسكن، يعيد التاريخ من جديد، حيث كانت أولى الصدامات بين الجماعات الإسلامية مع الدولة فى المنطقة نفسها منذ سنوات طويلة، فكان الصدام الأول بين الطرفين فى أغسطس 1988، عقب تكوين خلية إرهابية من مجموعة من المفرج عنهم فى قضايا سابقة، أشهرهم حازم الحسينى، وأكرم هريدى، وبركات هريدى، ومحمد عبد الرءوف نوفل، وإسماعيل رفاعى، وجميعهم كانوا يتبنون أفكار مؤسس الجماعة الإسلامية، الشيخ عمر عبدالرحمن، ووقتها كانوا يسمون الشرطة والجيش بجنود فرعون وهامان». وأشار إلى أن جماعة الجهاد فرضت الجزية على أقباط المنطقة فى عام 1990، وألقوا عبوة ناسفة على كنيسة العذراء فى شارع أحمد عصمت بمنطقة جسر السويس، ما أثار الذعر بين أقباط المنطقة وقتها، وفى تلك الفترة وزع «مسجد آدم» أموالا على المحتاجين المسلمين، قيل بعدها إنها حصيلة تبرعات، بينما قال آخرون إنها «حصيلة جزية دفعها الأقباط». ومن جانبه، قال خالد الزعفرانى، القيادى الإخوانى المنشق، إن منطقة شرق القاهرة تضم أعدادًا كبيرة من منتهج الفكر القطبى الإخوانى لأسباب تاريخية لا تزال قائمة، أهمها أن القيادى الإخوانى القطبى رفاعى سرور كان مسيطرا على المنطقة، وله أتباع بها فى منتصف السبعينيات، كما نشر الفكر التفكيرى الملوث، وكذلك الإخوان المتواجدون حاليًا يجنح معظمهم إلى السلفية الجهادية، لأن معظم مناطق شرق القاهرة فقيرة وعشوائية، وهو ما جعلها مطمعًا لهم ولمشايخهم، بعدما تركها الرئيس الأسبق حسنى مبارك دون أى خدمات. ومن جهتها، رصدت الأجهزة الأمنية 5 أماكن كانت عناصر التنظيمات الإرهابية يجتمعون فيها، منها 3 مساجد فى القاهرة، اثنان منهم فى منطقة المطرية، والثالث فى الألف مسكن، بالإضافة إلى تلقيهم دروسًا فى منزلين، أحدهما فى المطرية، والثانى فى محافظة بنى سويف، مشيرة إلى أن مسجد رفاعى سرور تحول إلى مقر لاجتماعات أعضاء تلك التنظيمات، يؤدون فيها الصلاة، ثم ينتظرون رحيل المصلين، فيغلقون باب المسجد، ويجتمعون لتلقى الدروس الفكرية والدينية، واللافت أن محمد الظواهرى، شقيق زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى، كان يحضر إلى المسجد أسبوعيًا.