حذر خبراء دوليون في مكافحة الإرهاب الدول الأوروبية من عواقب الافتقاد إلى إستراتيجية موحدة حاسمة لمواجهة جماعات "الإسلام السياسي" التي تنشر أفكار التطرف والانعزال في أوروبا. ووصف الخبراء تفشي أفكار التشدد والانفصال عن المجتمع بين خاصة بين الصبية والشباب المسلم في أوروبا بأنه "ظاهرة بالغة الخطورة لم يعد يمكن السكوت عليها". جاء التحذير في ندوة عقدت مساء أمس الأربعاء في بروكسل، عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي، لمناقشة "الأيدولوجية الدينية كقوة دافعة للتطرف." ونظم الندوة مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات، ومقره أبوظبي، و"المؤسسة الأوروبية للديمقراطية". وهذه أول ندوة من نوعها ينظمها مركز عربي في أوروبا، وجاءت في وقت لا تزال تحاول بلجيكا استيعاب صدمة العمليات الإرهابية المروعة العام الماضي. شارك في الندوة الدكتور أحمد الهاملي، مؤسس ورئيس مركز "تريندز"، والدكتور سعد العمراني، خبير مكافحة التطرف والإرهاب وكبير مفوضي شرطة بروكسل،، والدكتورة روبرتا بونازي، مؤسس ورئيس المؤسسة الأوروبية للديمقراطية، والدكتور ريتشارد بورتشل، مدير البحوث والتواصل في مركز "تريندز"، وأحمد خدام العجمي، الأمين العام لاتحاد السوريين في المهجر. وألقى المشاركون الضوء على أوضاع الأقليات المسلمة في أوروبا عموما ومخاطر انتشار الإسلام السياسي والجماعات المروجة له في الدول الأوروبية والشرق الأوسط. ولفتوا الانتباه إلى أن أفكار هذه الجماعات سوف تؤدي إلى تفجير وانقسام المجتمعات الأوروبية. وحذر المشاركون من "ضياع الوقت بينما لا تزال دول الاتحاد الأوروبي عاجزة عن التعامل مع ظاهرة انتشار جماعات الإسلام السياسي التي تؤدي أفكارها إلى تقسيم المجتمعات." وحذر الهاملي، وهو أيضا خبير في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، من أن تنظيم داعش "ليس سوى عرض لمرض تسييس الدين الذي تنتشر بقوة ليس فقط في دول الشرق الأوسط ولكن في أوروبا والعالم". وعبر عن اعتقاده بأن التنظيم الإرهابي "نتاج أفكار تستند إلى فهم مغلوط لنصوص دينية تروج له جماعات تستغل الدين لأهداف سياسية مصدرها ومظلتها هي جماعة الإخوان المسلمين." واستغرب عدم تحرك الدول الأوروبية بفعالية ووعي لمواجهة هذه الجماعات التي تهدف إلى الترويج لفكرة إقامة الدول الدينية استنادا إلى أفكار لا علاقة لها بالإسلام." وطرح خلال النقاش اقتراح بضرورة التفكير في التفاهم مع "جماعات الإسلام السياسي المعتدل اللاعنفية" التي يمكن أن تساعد في مواجهة الفكر المتطرف. غير أن الهاملي رفض التفريق هذه الجماعات وتلك التي تتبنى علنا أفكار متطرفة تؤدي إلى العنف. وقال "ما تسمى بجماعات الإسلام السياسي المعتدل تستغل الديمقراطية لإقامة دولة دينية وأهدافها هي نفس الأهداف النهائية للجماعات ذات الأيدولوجيات المتطرفة." وحذر من أن "نجاح" نشطاء الإخوان وغيرهم من دعاة الإسلام السياسي "في جذب تعاطف ودعم الحكومات الأوروبية بفضل كلامهم عن الديمقراطية والحريات". وفي رسالة إلى الحكومات الأوروبية، قال الهاملي "ديننا الإسلامي خُطف من قبل هذه الجماعات التي تريد فرض تصوراتها للدين على الآخرين." وأبدى "اندهاشه" إلى أنه بعد كل العمليات الإرهابية الدامية وانتشار الأفكار المتطرفة في أوروبا " لا تزال تسمح الدول الأوروبية والغربية عمومًا بحرية الحركة والنشاط السياسي لجماعات، مثل الإخوان المسلمين تنتشر بسرعة في أوروبا دون التعامل مع خطرها." وعبر عن اعتقاده بأن الإخوان "وراء الحملة الحالية على (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب وتصوير أوامره بشأن الهجرة والسفر على أنها حرب على الإسلام". وقال إن ترامب "يفرق بين المسلمين والإسلاميين ذوي الأفكار المتطرفة التي تؤدي إلى الإرهاب." وصدم العمراني الحاضرين عندما قال، من واقع خبرته العملية والأمنية الطويلة إن ظاهرة تسييس الدين وانتشار الإيدولوجية المتطرفة "أكبر بكثير من المتصور، وأخطر من الاستمرار في السكوت عنها." يذكر أن العمراني هو أيضا مستشار المفوض العام للشرطة الاتحادية البلجيكية. غير أنه أكد أن يشارك في الندوة بصفته الشخصية وباحثا في هذا الملف لأكثر من عشرين سنة. واتفق العمراني مع الهاملي بشأن اختطاف الدين الإسلامي في أوروبا والعالم بما فيه حتى الدول المسلمة. وقال "الإسلام الصحيح خُطف ويجري الترويج لأفكار المتطرفين بمختلف الوسائل.. المال، وسائل التواصل الاجتماعي.. ووسائل الاتصال الحديثة في عصر الديجيتال ووسائل العنف." وتساءل: ما الذي يدفع ، مثلا، طبيبا فرنسيا مسلما ينتظره مستقبل باهر لأن يترك الحياة في فرنسا ليسافر إلى سوريا للانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية." وأجاب "إنها الأيدولوجية والأفكار التي تنتشر بسرعة." وانتقد إعطاء الأولوية للأساليب الأمنية في مواجهة الأيدولوجية الدينية المتطرفة وأفكار الانعزال استنادًا إلى الدين "والتي تسعى لخلق مجتمعها المواز المنفصل عن الدولة". وقال إن "هناك حاجة ماسة لمقاربة ثلاثية الأبعاد : الشرطة ، والتعامل مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة هيكلة المجال الديني (في إشارة إلى ضرورة مراجعة الأفكار الدينية الخاطئة عن الإسلام وإصلاح نهج التعامل مع الدين)". ونصح الحكومات الأوروبية بأن تعيد النظر في ترتيبت، والاهتمام بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للناس الذين يعيشون في أحياء ظروفها قاسية بسبب البطالة وقلة الخدمات". وأشار إلى غلى منطقة مولينبك التي شهدت العمليات الإرهابية العام الماضي. واعتبر أن الأوضاع فيها لا يمكن إلا أن تؤدي إلا إلى ما حدث. ورفض العمراني بشدة فكرة إفساح المجال لجماعات الإسلام السياسي غير العنيفة للظهور والحركة والنشاط السياسي وفتح قنوات حوار معها. وقال "قبل الحديث عن إفساح المجال لهم، يجب أن نسأل ونعرف أولا: ماذا يريدون." وأجاب: " إنهم يستغلون الديمقراطية لتحقيق هدف نهائي وهو إقامة مجتمعات موازية منفصلة عن الدولة." وأضاف قائلاً "إنهم يتحدثون بالفعل في المجال العام، في المقاهي مثلا، عن رفضهم لنظام الدولة والمجتمع الذي يعيشون فيه". وعبر العمراني عن خيبة أمله بسبب افتقاد الدول الأوروبية إلى إستراتيجية واضحة تقوم على التشخيص الدقيق والكامل للظاهرة الخطيرة." وقال "المطلوب هو استراتيجية على مستوى الاتحاد الأوروبي وليس على مستوى كل دولة على حدة لمواجهة أيدولوجية التطرف وتسييس الدين". غير أنه عبر عن تشاؤمه إزاء إمكانية تحقيق هذا الهدف. وقال " المشكلة هى أنه من الصعب أن يجمع أكثر من 20 دولة على استراتيجية واحدة." واتفقت الدكتورة بونازي مع الهاملي والعمراني في أن ظاهرة التطرف والإيدولوجية الدينية "ليست قضية تهم الأوروبيين الآن فقط بل والعالم العربي أيضا". وطالبت، بونازي التي أدارت الندوة، الخبراء والمراكز البحثية بمواصل العمل على تقديم المشورة والنصح لتحصين المجتمع من الانجذاب نحو جماعات مثل داعش". ورفضت مطالبات البعض في أوروبا بضرورة إفساح المجال لما يسمى بالجماعات المتشددة غير العنيفة. وتساءلت "هل يمكن السماح لجماعات نازية غير عنيفة بحرية الحركة والنشاط في بلجيكا بحجة أنها غير عنيفة". وردت قائلة "أظن أن الإجابة معروفة". من جانبه، أقر الدكتور بورتشل بصعوبة علاج ظاهرة الأفكار المتطرفة. غير أنه عبر عن اعتقاده بأنه "مهما تكن الأسلحة التي في أيدي الجيوش، لا يمكنها مقاومة الأيدولوجيات الدينية المتطرفة". وحذر من تجاهل أهمية الدين بالنسبة للناس عموما. غير أنه طالب بضرورة إخضاع الأفكار الدينية للتمحيص والنقاش كي يمكن إقناع معتنقيها بخطئها. وقال "يجب أن يسأل هؤلاء الذين يتحدثون عن دولة الخلافة أو الدولة الدينية: ما هي تصوراتهم عن حل مشكلات الصحة والتعلم والمواصلات وغيرها." ونصح بالعمل على "معرفة ماذا يدور في عقول الناس .. وتفهم حديثهم عن الظلم والسياسات الخارجية التي يرونها خاطئة في منطقة مثل الشرق الأوسط، ومناقشتهم فيه." غير أنه وجه اللوم أيضا إلى السياسيين الذين يعلنون رفضهم لتسييس الدين وهم يستخدمون الدين دائما في نشاطهم السياسي. واتفق المشاركون في الندوة على "خطر " انتشار جماعات الإسلام السياسي بين تجمعات اللاجئين في أوروبا". ودافع العجمي بقوة عن اللاجئين وقال إنه من الظلم تحميلهم مسئولية انتشار أفكار التشددة والعنف في أوروبا. وقال "اللاجئون ليسوا المشكلة.. المشكلة في طريقة التعامل معهم". واتهم الدول الأوروبي " بالسذاجة والكسل " في التعامل مع هذه الظاهرة. وحذر من أن جماعات الإسلام السياسي " تعلم جيدا احتياجات اللاجئين والمهاجرين المادية والمعنوية والإنسانية وتتعامل معها بفعالية." وشكا من أنه" كلما تحدثنا مع الحكومات الأوروبية قالوا لنا: ليس لدينا الوقت، والمال والقدرة على التعامل مع كل احتياجات اللاجئين والمهاجرين." وأضاف "أن المهاجرين يقعون بذلك فريسة في أيدى جماعات التطرف والإسلام السياسي". وقال إن الجماعات "تستغل عدم فهم المهاجرين وخاصة الأطفال والشباب منهم لطبيعة الدول التي هُجروا إليها رغما عنهم ، ولا لنظام الحكم والحياة فيها، فيعملون على خلق مجتمعات موازية يعيش فيها هؤلاء معزولين عن المجتمعات الأوروبية." وأشار إلى أن هناك مثلا "10 آلاف طفل مسلم في فيينا يذهبون إلى مساجد يسيطر عليها متشددون." وتساءل "ماذا يمكن أن نتوقع من هؤلاء وهم يربون على أفكار متطرفة تدعو إلى العزلة عن المجتمع الذي يعيشون فيه".