في غمرة الحياة، ونحن نلهث خلف الزمن، نغفل أن كل شيء إلى زوال.. يمضي الإنسان كما يمضي النهار إلى الليل، ويتبدل المجد كما تتبدل الفصول، ويغيب كل شيء كما يغيب ضوء الشمس خلف الأفق، لا المال يبقى، ولا الألقاب تخلد أصحابها، ولا الرتب تمنح صاحبها حق البقاء في ذاكرة الدنيا! وحدها المبادئ هي ما يصنع الإنسان، وحدها القيم هي ما تحفر اسمه في سجل الخلود. قناة الظفرة تستضيف مؤمن الجندي في "مساء الإمارات" الليلة مؤمن الجندي يكتب: الهروب العظيم لكن، كم من قامة سامقة، وكم من رجل كانت له بصمة في زمنه، انطوت صفحته وكأن لم يكن يومًا؟ كم من عقل مستنير، كم من يد امتدت لتبني، وكم من قلب خفق بحب الأرض والناس، دفن معهم النسيان، وكأن الزمن لم يشهدهم؟ أين أولئك الذين صنعوا لنا المجد ثم ألقيناهم في ظلمات التجاهل؟ العجيب أننا لا نتذكر هؤلاء إلا حين يغيبون، يوم أن يأتينا الخبر الصادم بأنهم رحلوا، فنغرق في لحظات قصيرة من الحزن المصطنع، نكتب عنهم كلمات رثاء جوفاء، ثم ندفنهم وندفن معهم كل شيء! نغلق عليهم أبواب النسيان كما أغلقنا عليهم تراب القبور، وكأن ذكراهم كانت عابرة، وكأن ما قدموه لم يكن جديرًا بالبقاء. اليوم تحل ذكرى وفاة محمد حسن حلمي زامورا، الرجل الذي لا يختلف اثنان على كونه أفضل رئيس في تاريخ نادي الزمالك، بل أحد القامات الرياضية.. لم يكن مجرد إداري أو رئيس نادٍ، بل كان رمزًا للقيادة الحكيمة والأخلاق الرياضية الرفيعة، رجلًا حمل الزمالك في قلبه قبل أن يحمله منصب الرئيس، وساهم في بناء مجده وترسيخ هويته. وهنا ألهمتني الذكرى أن أكتب إليك عن الذكرى بعد فوات الآوان التي حولناها إلى ذكرى منسية للجميع! وهنا أتحدث بشكل عام ليس خاص، ولكن كم منا يتذكر اليوم اسم ممن مروا على هذا البلد؟ كم مرة نُحيي ذكرى رموزنا، ليس فقط بكلمات الرثاء، بل بتقدير حقيقي لما قدموه؟ إننا في زمن تُصنع فيه الأساطير على عجل وتُنسى بسرعة، بينما من صنعوا التاريخ الحقيقي يُطوى ذكرهم في صفحات النسيان. في النهاية، إن هذه القامات، في كل المجالات، ليست مجرد أسماء طواها الزمن، بل هي منارات مضيئة وخرائط طريق من قيم الزمن الجميل، قيم نفتقدها في زمن الشاشة السريعة، في جيل لا يرى في التراث إلا صورة باهتة لا تتماشى مع إيقاع العصر، إن تراثنا الإنساني لا يُختزل في مبانٍ قديمة أو قصص مكتوبة، بل في شخصيات ألهمت وأثرت وصنعت الفرق. اليوم الكل منشغل بمنصات تعجّ بالضجيج، منصات نحمل عليها التوافه وننسى عليها العظماء.. أي زمن هذا الذي يقدس الثرثرة وينسى القامات؟ أي زمن هذا الذي يمر فيه العظماء كأنهم لم يكونوا؟ لا بد أن نعيد إحياء هذا الإرث، أن ننفض الغبار عن سيرة من سبقونا، أن نقدم لهم ما يستحقونه من تقدير، لا بعد موتهم فحسب، بل وهم أحياء بيننا، كي لا يتحول النسيان إلى مقبرة ثانية لمن يستحقون الخلود. للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا