أطفال يهرولون داخل فصولهم للجلوس على مقاعدهم استعدادًا لبدء يومهم الدراسي، في ظل أجواء غير عادية تمر خلالها الدولة بفترة حرب، اعتادوا على أصوات الطائرات لكنهم لم يتوقعوا أن تكون أصوات طائرات الفانتوم الأمريكية التي اعتلت فوق سطح مدرستهم، تستهدف براءتهم وطفولتهم بارتكاب مجزرة في حق الإنسانية والتي سميت ب«بحر البقر». وتمر اليوم الذكرى ال 48 لمجزرة بحر البقر، التي لم ينساها الشعب المصري بشكل عام وأهالي مركز الحسينية بمحافظة الشرقية بشكل خاص، هذه الحادثة والتي أدت إلى مقتل 30 طفلًا وإصابة 50 آخرين وتدمير مبنى المدرسة الذي كان يتكون من طابق واحد وثلاثة فصول، والتي تعاطفت معها جميع شعوب العالم ووصفت إسرائيل بالوحشية فتناثرت دماء هؤلاء الأطفال على الكراريس ومازالت حتى الآن هذه الذكرى تؤرق قلوب المصريين كإحدى أبشع جرائم العدو الصهيوني بحق أبنائهم . تفاصيل الواقعة تتكون المدرسة من دور واحد وتضم ثلاثة فصول بالإضافة إلى غرفة المدير وعدد تلاميذها مائة وثلاثون طفلا أعمارهم تتراوح من ستة أعوام إلى اثني عشر عاماً ، ومن حسن الحظ أن هذا اليوم كان عدد الحضور 86 تلميذاً، و لقد حلقت 5 طائرات إسرائيلية من طراز إف-4 فانتوم الثانية على الطيران المنخفض، ثم قامت في تمام الساعة التاسعة وعشرين دقيقة من صباح يوم الأربعاء بقصف المدرسة بشكل مباشر بواسطة خمس قنابل (تزن 1000 رطل) وصاروخين، وأدى هذا لتدمير المبنى بالكامل. أعداد المصابين والوفيات أصدرت وزارة الداخلية المصرية بياناً تفصيلياً بالحادث وأعلنت أن عدد الوفيات 29 طفلا وقتها وبلغ عدد المصابين أكثر من 50 فيهم حالات خطيرة، وأصيب 11 شخصاً من العاملين بالمدرسة، وقامت الحكومة المصرية بعد الحادث بصرف تعويضات لأسر الضحايا بلغت 100 جنيه للشهيد و10 جنيهات للمصاب، وتم جمع بعض متعلقات الأطفال وما تبقى من ملفات، فضلاً عن بقايا لأجزاء من القنابل التي قصفت المدرسة، والتي تم وضعها جميعاً في متحف عبارة عن حجرة أو فصل من إجمالي 17 فصلا تضمها جدران مدرسة «بحر البقر الابتدائية» تعلو حجرة المتحف عبارة مكتوبة بخط اليد «متحف شهداء بحر البقر»، ثم تم نقل هذا الآثار إلى متحف الشرقية القومي الذي افتتح عام 1973 أحد الشهود عن الواقعة.. وقال أحد شهود هذه المجزرة ويدعى «أحمد الدميري»، والذي كان طالبا بالمدرسة وقت الحادث، يتذكر في كل يوم ما حدث له ولزملائه، ويستيقظ يوميا مفزوعا بسبب ما شاهده فيها، حيث فقد فيها أصدقائه، وخرج منها بعاهة مستديمة، ورفع «الدميري» قضية تعويض ضد الكيان الصهيونى؛ بسبب ما حدث له، ولكنها لا تزال في الأدراج، فمن نجا من تلك المذبحة يعانى من عاهات وأزمات نفسية وإهدار لحقوقه المادية والمعنوية. بيان الإذاعة المصرية قامت الإذاعة المصرية بقطع البث الإذاعي لتذيع بيان عاجل «أيها الأخوة المواطنون جاءنا البيان التالي .. أقدم العدو في تمام الساعة التاسعة و 20 دقيقة من صباح اليوم على جريمة جديدة تفوق حد التصور، عندما أغار بطائراته الفانتوم الأمريكية على مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بمحافظة الشرقية و سقط الأطفال بين سن السادسة و الثانية عشر تحت جحيم من النيران». رفضت مصر هذا الهجوم ونددته رسميا ووصفته بأنه معادي للإنسانية بهدف جعل مصر تخضع لوقف الهجمات التي تشنها خلال حرب الاستنزاف والموافقة على مباردة روجرز لوقف إطلاق النار. ردود فعل دولية بين الاستنكار والإدانة كان تعليق الخارجية الأمريكية بأنها «أنباء مفزعة»، مضيفة أن هذه الحادثة الأليمة تعتبر «عاقبة محزنة يؤسف لها من عواقب» وذلك لعدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إطلاق النار. وفي الاتحاد السوفيتي أدانت موسكو الحادث، وصفته ب «وعندما أرادت إسرائيل اختيار حق الرد فلم تعارك جيشاً بل ذهبت للانتقام من أطفال مدرسة بحر البقر»، ووصفته بأنه «رد عاجز». ولم يصدر بيان رسمي من الأممالمتحدة عن الحادث واكتفوا بوصف الخارجية الأمريكية بأن «الأمر كله متعلق بانتهاك وقف إطلاق النار». وفي أوروبا، أعلنت الحكومة البريطانية عن «أسفها الشديد للحادث»، وأعرب بابا الفاتيكان عن حزنه على الأطفال الأبرياء، وشهدت تركيا وقفة احتجاجية من الطلبة أمام القنصلية الإسرائيلية بإسطنبول. وفي يوغوسلافيا نددت جماعات السلام بالحادث وقامت بإرسال برقيات احتجاجية إلى الحكومة الإسرائيلية، بينما لم تعقب وسائل الإعلام في دول أوروبا الغربية على الواقعة واكتفت بنشر التصريحات المصرية والإسرائيلية حول الحادث. كما أثارت الأنباء سخطاً واسعاً في وسائل الإعلام، ونددت العديد من الدول العربية بالحادث البشع وأعربت على خالص مواساتها وتعازيها عن الحادث. الفن يوثق الحادث وعبر عنها الشاعر صلاح جاهين عندما قال « الدرس انتهى لموا الكراريس» وغنتها الفنانة شادية. ومنذ تلك اللحظة ظلت ذاكرة المجتمع المصري تجمع ذكريات حزينة على ما حدث لأطفال بحر البقر الأبرياء، وترجمت الأعمال الفنية هذه المشاعر، حيث سطرت السينما المصرية أفلاما خالدة عن هذه الحادثة منها فيلم «العمر لحظة»، الذي جسدت بطولته الفنانة ماجدة، كما كتب الشعراء والمؤلفون أغانٍ وقصائد جسدت الأحزان التي نتجت عن هذا الحادث. أغنية أخرى أداها كورال الأطفال، ولحنّها الموسيقار «بليغ حمدي»، وكانت ضمن الفيلم، وتقول كلماتها: محافظة الشرقية ومدرستي ومدرستي بحر البقر الابتدائية، كراستي، كراستي مكتوب عليها تاريخ اليوم مكتوب على الكراس اسمى سايل عليه عرقى ودمى من الجراح اللي بجسمي ومن شفايف بتنادي يا بلادي يا بلادي .. أنا بحبك يا بلادي.