«تنسى كأنك لم تكن» عبارة افتتح بها الشاعر الفلسطيني الراحل «محمود درويش» احدى قصائده ليقول إن النسيان يغيب الجميع بعد الموت، لكن حال درويش لم يكن كما قال في كلماته، فبعد سبع سنوات على رحيله لا يزال درويش حيا في حضرة الغياب. اختار درويش طريق المقاومة والنضال بالكلمة، وبقدر ما ساهم هذا الطريق في تعزيز قدراته الإبداعية، بقدر ما جعله عرضة للممارسات القمعية الإسرائيلية، فقد اعتقل لعدة مرات وفرضت عليه الإقامة الجبرية دون أن يلجم الصهاينة صوته ولا كلماته. استطاع أن يفتح بوابة الشعر الغنائي على السرد الحكائي، بعد أن انساحت المسافات بين كل من الدرامي والغنائي والسردي، وبعد أن أخذت الأجناس الأدبية تقتبس من بعضها بعضًا تقنيات عديدة، فتشكلت له قصائد ذات بنى تركيبية تمزج بين الذاتي والموضوعي، فكان أحد أبرز الشعراء الفلسطينيين والعرب، عرف كأحد أدباء المقاومة والتحمت قصائده بالقضية الفلسطينية حتى سماه البعض بشاعر« الجرح الفلسطيني»، له ما يزيد على 30 ديوانا من الشعر والنثر بالإضافة إلى ثمانية كتب، ترجم شعره إلى عدة لغات.
المولد والنشأة محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة أبناء وثلاث بنات، ولد عام 1941 في قرية «البروة» قرية فلسطينية مدمرة، تقام مكانها اليوم قرية «احيهود »، وفي عام 1948 لجأ إلى لبنان وهو في السابعة من عمره وبقي هناك عام واحد، عاد بعدها متسللا إلى فلسطين وبقى في قرية دير الأسد (شمال بلدة مجد كروم في الجليل) لفترة قصيرة استقر بعدها في قرية الجديدة «شمال غرب قريته الأم -البروة».
تعليمه أكمل تعليمه الابتدائي بعد عودته من لبنان في مدرسة دير الأسد متخفيا، فقد كان يخشى أن يتعرض للنفي من جديد إذا كشف أمر تسلله، وعاش تلك الفترة محروما من الجنسية، أما تعليمه الثانوي فتلقاه في قرية كفر ياسيف «2 كم شمالي الجديدة».
الوظائف والمسئوليات انضم «محمود درويش» إلى الحزب الشيوعي في إسرائيل، وبعد انهائه تعليمه الثانوي، كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في الجرائد مثل «الاتحاد» والمجلات مثل «الجديد» التي أصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها، وكلاهما تابعتان للحزب الشيوعي ، كما اشترك في تحرير جريدة «الفجر». دوره السياسي لم يسلم من مضايقات الاحتلال، حيث اعتقل أكثر من مرّة منذ العام 1961 بتهم تتعلق بأقواله ونشاطاته السياسية، حتى عام 1972 حيث نزح الى مصر وانتقل بعدها الى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجا على اتفاق أوسلو.
مناصبه شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرر في مجلة «الكرمل»، واقام في باريس قبل عودته إلى وطنه حيث أنه دخل إلى إسرائيل بتصريح لزيارة أمه، وفي فترة وجوده هناك قدم بعض اعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء في وطنه، وقد سمح له بذلك. المؤلفات بدأ كتابة الشعر في المرحلة الابتدائية وعرف كأحد أدباء المقاومة، ول «درويش» ما يزيد على ثلاثين ديوانا من الشعر والنثر بالإضافة إلى ثمانية كتب، وقد ترجم شعره إلى عدة لغات، وأثارت قصيدته عابرون في كلام عابر جدلا داخل الكنيست. نشر آخر قصائده بعنوان «أنت منذ الآن غيرك» يوم 17 يونيو 2007، وقد انتقد فيها التقاتل الفلسطيني ومن دواوينه عصافير بلا أجنحة، أوراق الزيتون، أصدقائي لا تموتوا، عاشق من فلسطين، العصافير تموت في الجليل، مديح الظل العالي، حالة حصار.
قبل وفاته بأشهر كرّم درويش بإطلاق اسمه على أهم ميادين مدينة رام الله، وقال حينها ليس من المألوف أن يكرم الأحياء، فالموتى لا يحضرون حفل تأبينهم، وما استمعت إليه اليوم هو أفضل تأبين أود أن أسمعه فيما بعد.
وفاته توفي «درويش» في 9 أغسطس2008 بالولايات المتحدة إثر خضوعه لعملية جراحية للقلب بمركز تكساس الطبي في هيوستن، ودفن في 13 أغسطس بمدينة رام الله في قصر رام الله الثقافي.