من أكثر ما يعجبنى فى أشعار أمير الشعراء: «أحمد شوقى» (1868 1932)، هى تلك القصائد التى كتبها للأطفال، ربما من موقع تأثره بالشاعر الفرنسى لافونتين الذى أتيح له أن يطلع اطلاعا وافيا على أعماله خاصة فى الفترة التى عاش فيها أمير الشعراء فى فرنسا (1890 1893)، وربما أيضا امتدادا متطورا لكليلة ودمنة التى ترجمها عبدالله بن المقفع من السنسكريتية إلى العربية فى القرن الثامن الميلادى،.. وقصائد شوقى للأطفال تتخذ غالبا شكل حكاية طريفة ذات دلالة بالغة العمق، أبطالها من الطيور والحيوانات.. القصائد فى حقيقة الأمر، ليست مكتوبة للأطفال وحدهم ولكنها مكتوبة للكبار أولا.. بل إنها فى الواقع مكتوبة عنهم ولهم!، أو على الأقل مكتوبة عن نماذج معينة منهم هم فى الحقيقة أبطالها الحقيقيون! من أجمل تلك القصائد، ومن أشهرها أيضا قصيدة: «برز الثعلب يوما»، التى أقدم فيما يأتى نصها الكامل لقراء الفجر الذين أظن أن بعضهم لم تتح له قراءة القصيدة كاملة من قبل رغم أنها واحدة من القصائد التى كثر الاستشهاد بها فى مناسبات معينة فى السنوات الأخيرة بوجه خاص، ولا أظن أن قارئ الفجر سوف يعجز عن مقارنة بطل القصيدة بالكثيرين من ممثلى نماذج بشرية معينة ازدحمت بهم حياتنا المعاصرة فى كل مكان تقريبا، المحزن حقا فى الأمر أن بعض السذج قد صدقوهم قبل أن يكتشفوا أنهم ليسوا دعاة تقوى ولكنهم مجرد باحثين عن فرائس، وأن الضحايا قد أوقعهم حظهم العاثر فى براثنهم لكى يكونوا فريسة لهم. برز الثعلب يوما.. فى ثياب الواعظينا فمشى فى الأرض يهدى.ويسب الماكرينا ويقول الحمد لله.إله العالمينا ياعباد الله توبوا.. فهو كهف التائبينا وازهدوا فى الطير، إن العيش عيش الزاهدينا واطلبوا الديك يؤذن.. لصلاة الصبح فينا فأتى الديك رسول..من إمام الناسكينا عرض الأمر عليه.. وهو يرجو أن يلينا فأجاب الديك عذرا.. يا أضل المهتدينا بلغ الثعلب عنى، عن جدودى الصالحينا عن ذوى التيجان..ممن دخل البطن اللعينا أنهم قالوا، وخير..القول قول العارفينا مخطئ من ظن يوما..أن للثعلب دينا