عندما تنظر إلى شريط الثورات المصرية وترى كيف يثور المصريون على أنظمة حكم البلاد ،عندما تسمع هتافهم فى كل مسيرة تخرج لتطالب بالتغيير ،تعلم جيداً كيف بالهتاف تتوحد قلوب المصريين على مطلب للتغيير ،فالمصريين لم يوصفوا بالعمى السياسى طوال تاريخهم ،بل أشارت موجات التغيير فى المجتمع المصرى الى معدن المواطن واتساع فكره ووعيه ،وأكدت لنا أن الفلاح هو نفسه الثائر على الفساد ،والبطل الذى يحمى الثورة ،والسياسى الذى يحلل الثورة . هتاف المصريين على مر التاريخ كان أقوى سلاح سلمى له من القوة والتأثير ما لا يملكه الرصاص ،كل كلمة فى الهتاف لايمكن أن تحذف أو تستبدل كالبيت فى الشعر ،فعندما نبحث عن كلمة "هتاف "فى القاموس الوسيط..نجد معناها "الصوت العالى يرفع تمجيداً أو استنكاراً" "يارب يا متجلى..اهالك دولة العثمانلى " كان هتاف المصريين لاسقاط الدولة العثمانية بعد نشر الفتن الطائفية والدخول فى حروب كثيرة اهدرت طاقة الشعب المصرى ،وسوء الحكم العثمانى الذى أساء لواجهة الإسلام والمسلمين فى أوروبا ،لدرجة وصلت لحد التطاول على الحاكم العثمانى ،ووصفه برجل أوروبا المريض . وفى العصر المملوكى ،أشار الكاتب والإعلامى عمر بطيشه فى مقال له نشر فى الوفد ،حينما أرهق البرديسى المصريين بالضرائب هتفوا المصريون"يابرديسى يابرديسى إيش راح تاخد من تفليسى "..وحينما فوجئوا بمدفعية الفرنسيس على الجانب الآخر من النيل وهى تقصفهم بالقنابل هتفوا"ياخفى الألطاف نجنا مما نخاف"...وحينما اتشد عليهم قوى الاحتلال الانجليزى هتفوا"ياعزيز ياعزيز ..كبة تاخد الانجليز"...والكبة هى الوباء الحاد حتى الموت. وتجلى في هذه الهتافات الروح المصرية الفنية الثورية والتزام السجع لسهولة الحفظ والترديد.. وهو تقليد مصري قد لا تلتزمه شعوب اخرى في هتافاتها، وأقرب مثل: ذلك الشعب التونسي الذي هتف في ثورته «الشعب يريد اسقاط النظام» بلا سجع، وقد نقلنا هذا الهتاف عن تونس اعلانا لبدء التمرد على القوالب القديمة في لحظة انفجار الثورة.. وأعود الى السياق التاريخي وأصل الى ثورة 1919 العظيمة بقيادة الزعيم سعد زغلول حيث هتف الثوار: «يحيا الوفد ولو فيها رفد».. كما هتفوا «يحيا سعد».. وفي أحداث ثورة الطلاب عام 1935 وما تلاها هتف الشباب المصري «الاستقلال التام والموت الزؤام» وفي الأربعينيات حينما أثارت انجلترا مشكلة السودان هتف المتظاهرون «مصر والسودان لنا.. وانجلترا لو أقلنا»! وهى هتافات التزمت الوزن والقافية بل والفصحى، ولكن بخفة دم تميز بها المصريون على مدى التاريخ. وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 طغت شخصية الزعيم جمال عبد الناصر بكاريزمته المشهورة وشعبيته الطاغية على الثورة التي تم اختزالها في شخص الزعيم المحبوب، فهتف المصريون «مكتوب على قلوبنا.. عبد الناصر حبيبنا».. وحينما حدثت هزيمة 5 يونيو 1967 هتف الملايين «بالروح بالدم هنكمل المشوار» وهو الهتاف المشهور الذي حوروه فيما بعد الى «بالروح بالدم نفديك يا جمال» تعبيراً عن رفض الهزيمة، وبعد انتصار اكتوبر العظيم بقيادة السادات تحول الهتاف الى «بالروح بالدم نفديك يا سادات»، ولكن في عهد الرئيس السابق مبارك بدأ النشاز يتسلل الى هتافات المصريين حينما أصبح الهتاف «بالروح بالدم نفديك يا مبارك» فهو مفتعل ومكسور الوزن والسجع.. وهذا الكسر في الوزن كان يعكس كسراً في الوجدان الوطني المصري. وحينما قامت ثورة 25 يناير 2011 المجيدة تبنت كما قلت الهتاف التونسي «الشعب يريد اسقاط النظام» تلاه هتاف «الجيش والشعب ايد واحدة» وهو نثر غير مسجوع، ثم تلاه «ارفع رأسك فوق أنت مصري» ثم تفتق ذهن الثوار عن الهتاف الجامع المانع «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» وفيه بلاغة شعبية وعودة الى السجع بعد تبلور ثورة يناير، كما أن الميدان لم يكتف بهذه الهتافات والشعارات، وانما كان مسرحاً تبارى فيه الشعب الفنان في ارتجال لافتات رائعة وأشعار وأزجال وأغان واسكتشات نقدية لاذعة.. وكلها قطع من الإبداع الشعبي ارجو أن يكون قد تم تسجيلها حفاظا على ذاكرة مصر. ولم يكتف الهتاف على النظام فقط ،ولكن تطرق الى مخاطبة زوجات الحكام ،فثوار التحرير عندما خرجوا فى 25 يناير لم يكن مطالبهم الأصلى إسقاط رأس الحية حسنى مبارك ولكن ،بحثوا عن مخاطبة سوزان ثابت زوجته وقالوا فى الهتاف "ياسوزان قولى للبيه ..كليو اللحمة ب100 جنيه" و"ياسوزان ياسوزان ..الإعدام فى الميدان". أما حكم العسكر فقد نال نصيب وفير من الهتافات المضادة لحكمه ،فسوء إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقب تسلمه السلطة التنفيذية للبلاد من يد مبارك يوم 28 يناير،وقعت اكثر العشرات من الأزمات والحوادث والأشتباكات فى عهد العسكر المستمر حتى الآن،فبداية من أحداث ماسبيرو ودهس المتظاهرين ،ثم محمد محمود وفقع العيون ،وسحل مجلس الوزراء ،وقتل الأولتراس ببورسعيد وأزمة البترول والسولار والبنزين اليومية والانفلات الأمنى،وحتى الآن يهتف المتظاهرون "يسقط حكم العسكر".."يامشير قول لعنان لسه الثورة فى الميدان "..ولنستمع لهتافات جديدة فى كل مليونية بداية من اليوم "عزل الفلول"،لتنطلق موجة جديدة للثورة عليها ثلاث قواد ،ابو الفتوح وخالد على وحمدين صباحى ،لنرى ماستقدمه لنا ثورة الميدان من هتافات ونضعها فى رصدنا التاريخى .