استوقفتني كثيرا الدراسة التي أجراها أخيرا د. كمال مغيث حول هتافات الثورة المصرية التي يعكف حاليا علي إعدادها في كتاب ينشر قريبا, كما أكد لي. والدراسة لا تؤصل فقط لهتافات ثورة25 يناير2011, بل تعود إلي أصولها التاريخية القديمة, سواء تلك الهتافات الموجهة ضد العثمانيين, أو الهتافات الموجهة ضد الإنجليز والفرنسيين. حقب تاريخية مختلفة تسجلها تلك العبارات البسيطة التي انطلقت من حناجر الشعب المصري إبان فترات وحقب ومحطات عديدة توقف لديها التاريخ. ويمكننا أن نرصد هنا مجريات الأحداث السياسية عبر هذه الهتافات, بل يمكننا كذلك أن نتتبع إبداعا جماعيا شعبيا انطلق بشكل عفوي مواكبا للحدث السياسي العظيم, ويمكننا علي صعيد آخر وهو الأهم في رأيي أن نلمس نبض الشعب المصري الأصيل الذي كان حاضرا وبقوة في هذه المناسبات التاريخية المختلفة, فتلك الهتافات التي صرخ بها لم تكن سوي وسيلة( نضال) و( احتجاج) تلقائية, بل( أداة جماهيرية) جمعت بين طوائفه وجماعاته المختلفة. ويؤكد د. كمال مغيث في دراسته التي أفردتها الزميلة( أخبار الأدب) في عددها الأخير أن وراء هذه الهتافات منتجين ومؤلفين( يلتقطون) الكلمات و( يصوغون) العبارات,( ناهلين) مفرداتها من قاموس الشعب, من أدواته اللفظية إذا جاز لنا التعبير ومن أشهر منتجي الهتافات في مصرنا الحديثة المهندس كمال خليل أحد رموز اليسار المصري, والمحاسب كمال أبوعيطة أحد رموز الناصرية, والباحث الاجتماعي الراحل محمد حاكم, كما ورد في سطور الدر اسة. ويسجل الشعب المصري قصة كفاحه ضد الأعداء.. ضد الطغيان والظلم.. عبر هتافات ترددت عاليا في سماء الوطن علي مدي عصور وحقب متعاقبة. كل معركة وطنية لها شعاراتها الخاصة وهتافاتها وأغانيها التي تسهم معها في شحذ الهمم وتجميع صفوف جموع الشعب. من العصر العثماني إلي الاحتلال البريطاني, ومن حقبة جمال عبدالناصر إلي السادات وصولا إلي عصر مبارك حتي ثورة يناير المجيدة. شعارات عديدة تسجلها الدراسة هنا, وتوثق معها تاريخ بلادنا من منظور خاص جدا. ويتبدي عبر الهتافات كفاح الطلبة ونضال العمال, وهناك كذلك القضايا الاجتماعية وقضايا الحرية ومعارك عديدة عاشتها مصر خلال سنوات طويلة. وهذه بعض منها: يارب يا متجلي.. اهلك لنا العثمانلي ياعزيز يا عزيز.. كبة تاخد الانجليز الاستقلال التام.. أو الموت الزؤام عاش الطلبة مع العمال بالروح بالدم.. نفديك يا جمال يا جمال سير سير.. احنا جنودك للتحرير هما بياكلوا حمام وفراخ.. واحنا الفول دوخنا وداخ عيش حرية عدالة اجتماعية مش حانمشي.. هو يمشي ارحل ارحل ياخسيس.. دم المصري مش رخيص لا دينية ولا طائفية.. عاوزينها دولة مدنية العديد والعديد من الهتافات التي لا تتسع المساحة لتسجيلها.. بقي أن نشير هنا, إلي أن هذا التراث الشفهي يستحق منا الالتفات والدراسة والتوثيق, فهو يحكي تاريخ أمتنا ويسجل كفاحها ومعاركها التي خاضتها بلغة شعبية خاصة تؤصل معها نضالها عبر الزمن..