** ثورة "25" يناير.. أعادت للذاكرة بطولة الشعب المصري عبر التاريخ.. بكل ما تحتويه وتهدف إليه.. ففي مصر تلقي الدعوة الإسلامية علي يد الفاتحين العرب آذاناً صاغية وقلوباً صادقة وإذا كان المصريون يدخلون في دين "الله" أفواجاً ويلفظون اللغة الرومانية وتسري في أوصالهم دماء اللغة العربية.. فتكون لهم لساناً مبيناً كما كان الإسلام لهم هادياً ومرشداً.. ومنذ ذلك الزمن ومصر بالذات تتفاعل مع أحداث المنطقة العربية وتتصدي لقيادة مسئولية الدفاع عن الكيان العربي.. ويخوض شعبها كفاحاً لا هوادة فيه ضد قوي الشر والعدوان.. فقبل أن ينزل ظلام الغزو العثماني علي المنطقة بأسرها كان شعب مصر قد تحمل ببسالة مسئوليات حاسمة لصالح كل المنطقة العربية.. فهو الذي صد أول موجات الاستعمار الأوروبي التي جاءت متسترة وراء ادعاءات بالملة.. ثم تأتي موجات التتار متلاحقة متعاقبة تنشر الخراب والدمار أينما حلت وتقذف بنتاج العقل الإنساني في مياه دجلة والفرات ثم تقضي علي الخليفة العباسي في بغداد.. وتصل في زحفها المبيد إلي تخوم مصر وهنا تتقدم جيوش مصر لتدفع هذا الطاعون عن بلاد المنطقة فتقضي علي جيوش التتار في "عين جالوت" ثم تتعقبهم إلي ما وراء بلاد العراق لترتكز راية العروبة من جديد خفاقة علي بلاد المنطقة.. الغزو العثماني وهزيمة المماليك في الريدانية جعل العلماء والتجار يقاومون هذا الغزو تارة باللسان وأخري بالتمرد والعصيان وكان الأزهر يقود هذا الكفاح ويغذيه بأفكاره وآرائه. وحين جاءت الحملة الفرنسية إلي مصر.. يقف الشعب البطل من الحملة موقفاً شجاعاً فرفض الاستبداد وقاوم طغيان نابليون فكانت الحملة الفرنسية تقاوم أينما حلت في المدن والقري وفي كل مكان وبلغ كفاح الشعب ذروته في القاهرة وإن كان ثمة فضل لجلاء الفرنسيين عن مصر فهو البطل الذي أثبت للفرنسيين في كل مناسبة أنه لا يرضي بالذل ولا يقبل الضيم ولن يرضي بحكم الأجنبي الغاصب. ويستمر نضال الشعب ضد المماليك والعثمانيين بعد رحيل الحملة الفرنسية حتي إذا لاح له في "محمد علي" الميل إلي المصريين والتحبب إليهم يجبر الباب العالي علي تعيين محمد علي والياً علي مصر ولئن كان محمد علي قد خان الزعامة الشعبية فإن خلفاءه قد فتحوا الباب علي مصراعيه للتدخل الأجنبي فعمت النكسة البلاد وكاد اليأس يصل إلي القلوب ولكن الشعب الذي لا يهزم تثور فيه دماء العزة والنضال ضد خلفاء محمد علي وحلفائهم المستعمرين فكانت ثورة "عرابي" هي قمة رد الفعل الثوري ضد النكسة. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.