معاناة 40 ألف نسمة، رسمها طريق يضم 12 عزبة، أبطالها من البسطاء، أطفالاً تسربوا من مدارسهم، وأمهات تحملت مخاض الميلاد وقسوته دون وجود طبيب ولا مسعف، وكبار سن تعالى صوت أنينهم من المرض حتى سمعهم كل قاصٍ ودانٍ.. قرية "خارج شرباص" قصة تعنت مسئول رفض القيام بدوره، فتحمل قسوة قراره أربعون ألف نسمة.
"خارج شرباص" إحدى القرى التي تتبع مركز ومدينة فارسكور بمحافظة دمياط، وتضم 12 عزبة، يعاني سكانها من قرار اللواء أركان حرب محمد عبد اللطيف منصور محافظ دمياط الحالى بسحب معدات وآلات رصف الطريق بعد الشروع في العمل، ونقلها لمكان آخر لسبب لا يعلمه أبناء القري المعذبين، وهذا الطريق ليس طريق فحسب، بل هو روح ستبعث الحياة فى كافة الخدمات التى يمكن أن يحتاجها الإنسان العادى فى حياته اليومية.
أم محمد المغبون "موظفة"، قالت إنه يتحول الطريق "الطينى" المؤدى من العزب إلى القرى المجاورة لنا، ومدينة فارسكور، بل والمحافظة بالكامل، فى فصل الشتاء إلى وحل، وسراب نخشى الغوص بداخله بمجرد أن تطأه أقداما، وهو ما يمنعنا وأطفالنا من الخروج من المنازل خشية التعثر والسقوط في ترعة الصرف الصحي، أو مصرف ري الأراضى الزراعية على جانبى الطريق، وخاصة أنه لا توجد أى وسائل مواصلات خاصة بهذا الطريق، مضيفا أنه يضطرنا لاستئجار سيارة خاصة، أو توك توك لنتمكن من الذهاب إلى أعمالنا، أو توصيل أطفالنا إلى مدارسهم.
وأكدت فاطمة عبد اللطيف خليل سالم "رائدة ريفية"، أنه ليس لدينا أي مرافق أو خدمات تعيننا على الحياة، فلا يوجد وحدة صحية، ولا مدارس لأي مرحلة من المراحل التعليمية، ولا محل بقالة، ولا منفذ للتموين، أو حتى مخبز.
ورغم كوني رائدة ريفية إلا أنى لم أتمكن من القيام بدورى وعملى فى العزب لصعوبة السير على الطريق.
وأشار محمد وهبة بلبول، أن الأخطر من المعاناة هو تسرب أطفالنا من التعليم لبعد المسافة بين العزب، وبين القرى المجاورة مثل "البراشية، والناصرية، وشرباص، وكرم ورزوق، والأربعين" والتى يذهبون إليها لتلقى تعليمهم، وخاصة الفتيات، حيث نضطر إلى منعهم من الذهاب للمدارس فى سن المرحلة الإعدادية خشية تعرضهم للإختطاف أو الإعتداء عليهم من قبل الخارجين عن القانون، لعدم وجود أى وسائل مواصلات من وإلى خارج شرباص.
وهاجم محمد خليل سالم، محافظ دمياط، قائلا: "مشكلتنا الأساسية تكمن فى الطريق، الذى رفض المحافظة سفلتته، دون وجود أى سبب واضح، رغم أن عرض الطريق 8 متر.. وتم سحب المعدات التي بدأت فى الإستعداد لرصف الطريق ونقلها إلى طريق "عزبة التلامذة" الذى لا يتجاوز عرضه 6 أمتار".
ولم يخلو الأمر من عدم وجود طريق ممهد فحسب، حيث يقول عوض محمد العباسى، إن الأمر لم يقف إلى حد السرقة فقط، حيث تم حرق حظيرة المواشى الخاصة بى، ونفوق جميع المواشى بداخلها محترقة وعددها 5 رؤوس، وقمت بتحرير المحضر رقم 22405 جنح مركز شرطة فارسكور لسنة 2012، بتاريخ 20 أكتوبر، ولم تتمكن الحماية المدنية من الوصول إلى العزبة عقب تحول جميع محتويات الحظيرة إلى رماد، لعدم وجود طريق ممهد، أو وسيلة مواصلات إلى العزب.
وقال عبد الخالق أحمد بعيلة، إنه حينما تكون أي سيدة فى حالة وضع نضطر لإستئجار سيارة خاصة لنقلها إلى مستشفى فارسكور المركزى، ويستغل السائقون ظروف الطريق ووعورته، ويطالبون بمبلغ من 50 جنية إلى 100 جنية حتى يقبلوا الدخول إلى العزبة، ونفس الأمر فى حالة مرض أى طفل صغير أو رجل أو سيدة من كبار السن.
وأكدت على كلماته، فاطمة شلبى، "سيدة مسنة"، بقولها: "أنا مريضة بالسكر والضغط، وحينما أصاب بالغيبوبة لا يجد أبناء العزبة وسيلة لنقلى للطبيب أو المستشفى، وقد إضطروا لحملى على أكتافهم فى يوم من أيام الشتاء حتى توصيلى للمستشفى".
أما عن نقل الأموات إلى مقابرهم، قال إبراهيم وهبه بلبولة، "ندفن موتانا بمقابر قريتى كرم ورزوق، والناصرية، وأحياناً نضطر أن نقوم بإحضار جرار زراعى لمساواة الطريق أمام مسيرة الجنازة، حتى نتمكن من الوصول بها إلى المدفن"، مضيفًا أن الحياة هنا أصبحت بائسة، وتعيسة.