إهتمت الصحف الإسرائيلية فور الإعلان عن وفاة الدكتور أسامة الباز ,يوم الجمعة الماضية ,بنشر تغطية شاملة عن حياة الرجل الذى وصفوه بالخبير بالسياسة الإسرائيلية أكثر من الإسرائيلين أنفسهم على الرغم أنه قد سافر إلى إسرائيل من قبل مرات قليلة وبصعوبة بالغة ,إلا أن خبر وفاته أصاب عدد كبير من الديبلوماسيين والوزراء السابقين بالحزن الشديد وعلقوا على ذلك أنه بوفاة الباز ,إنتهى عهد الأصدقاء فى مصر بعد وفاة السفير المصرى الأسبق محمد بسيونى ومدير المخابرات الأسبق السيد عمر سليمان وأخيراً الدكتور أسامة الباز,ليتحول المجتمع المصرى بالتدريج إلى مجتمع أكثر عدوانية لإسرائيل العام تلو الاخر . وشهدت فترة التسعينات ذروة العلاقات بين أسامة الباز والمسئولين الإسرائيلين ,فجميع المسئولين ممن خدموا خلال تلك الفترة ,عرفوه عن قرب وربطتهم به علاقة صداقة ومن ضمنهم وزير العدل الأسبق "يوسى بيلين " الذى قال عنه فور علمه بخبر وفاته أنه كان شخصية فريدة من نوعها وكانت له طريقة خاصة فى التعامل وكان على دراية كبيرة بما يدور فى المنطقة بصورة مذهلة . كان المسئولون وأعضاء الكنيست يدركون أنهم إذا أرادوا نقل رسالة إلى مبارك فعليهم مقابلة أسامة الباز وأدرك الإسرائلييون مدى قوته وتأثيره على الرئيس الأسبق منذ أواخر ثمانينات القرن الماضى و حاول الرئيس الإسرائيلى الحالى شمعون بيريز إستغلال تأثير أسامة الباز على مبارك وإقناعه بتبنى مصر حملة لإسقاط حزب الليكود اليمينى المتشدد المنافس له فى إنتخابات الكنيست عام 1988مع تداول عبر وسائل الإعلام المصرية, أن إنتخاب الحزب سيمثل خطراً على مسيرة السلام . بدأت القصة عندما وصل الخلاف بين أسحاق شامير وشمعون بيريز خلال فترة النصف الثانى من الثمانينات إلى ذروته ذلك الخلاف الذى طال جميع القرارات التى كانت تصدرها الحكومه الإسرائيلية فى ذلك الوقت .وقتها كانت تحكم إسرائيل حكومة وحدة وطنية تقاسم مقاعدها بالتساوى كلا من حزبى العمل والليكود وخلال العامين الأولين رأس الحكومة شمعون بيريز ممثلا عن حزب العمل ووقتها شغل شامير منصب وزير الخارجية وفى العامين التاليين تبادلا المناصب وخلال تلك الفترة أتسمت العلاقة بينهما بالشك والاتهامات المتبادلة والعداء الشخصى. وعلى الجانب السياسى كان شامير يتبنى سياسة الوضع القائم مع الأستعداد للتفاوض الجزئى مع الفلسطينيين بشأن الحكم الذاتى, فى حين رأى بيريز ضرورة أنسحاب إسرائيل من بعض الأراضى المحتلة ونقلها الى السيادة الأردنية الفلسطينية المشتركة, وعلى الرغم من ذلك فشلت مساعى بيريز لإجبار شامير أو حتى إقناعه بالموافقه على رؤيته بشأن أنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى . ومن أبرز الخلافات التى كانت بين الأثنين هو الخلاف على قضية طابا حيث رأت مصر وقتها أن إسرائيل قد قامت بتحريك الشريط الحدودى وطالبت بإدخال تعديلات عليه ووقتها أراد شامير التوصل الى حل وسط مع الحكومه المصرية للأحتفاظ ببعض الكيلومترات بالقرب من إيلات ولكن قام بيريز هو مستشارية بالعمل من وراء شامير وأيدوا الرأى المصرى ولم يغفر شامير لبيريز هذا الموقف الذى ساهم فى اعطاء طابا بأكملها لمصر . وخلال هذةالفترة أندلعت الأنتفاضة الفلسطينية الاولى عام 1987 والتى عرفت بأنتفاضة الحجارة ومع إشتعال الأحداث قررت الحكومه الإسرائيلية برئاسه شامير طرد تسعه فلسطينيين الى لبنان بعد أن تم أتهامهم بالتحريض على أندلاع المظاهرات .وعارض مجلس الامن هذا القرار بشدة كما عارضته بعض الأصوات الإسرائيلية التى تزعمها بيريز ومستشاروه الذين حاولوا أقناع الأمريكيين بالتدخل لتشكيل مبادرة الدولية وهو ماكان سيعارضه شامير وهو ما أدركه بيريز جيدا فقد كان الهدف من هذا الأقتراح هو إيقاع شامير فى الفخ حتى يبدو وكأنه الرافض للسلام لذا لا ينبغى ترك سلطه البلاد فى حوزته خصوصا مع اقتراب موعد الأنتخابات الإسرائيلية . ووقتها أيقن بيريز هو وأعوانه ان الطريقة الوحيدة لإسقاط شامير هى الأتصال بمصر وتجنيدها وأقناع الأمريكيين بعرض مبادرة سياسية لكى يرفضها شامير فقد كان من المقرر فى أواخر عام 1988 أن تعقد الأنتخابات الإسرائيلية وأراد بيريز أن يوضح للناخب الإسرائيلى من يريد السلام ومن الذى يرفضه . وكشفت الوثائق التى تم نشرها قبل فترة أنه فى يوم 22 يناير 1988 التقى سرا كلا من أسامه الباز مستشار مبارك مع مدير وزارة الخارجية الإسرائيلية "أبراهام تامير" و دون "تامير" فى تقريره أمام بيريز ملخص اللقاء وجاء كالتالى"أن الدافع المشترك بيننا وبينهم هو أن أنتصار حزب المعراخ"الذى كان عبارة عن أئتلاف بين حزب العمل وحزب العمال المتحدين " على حزب الليكود هو شرط لتقدم السلام ولكن مع حكومة الليكود لن يكون هناك سلام فالتنازلات الأقليمية التى من الممكن أن يقدمها هذا الحزب ستكون مثل أن يتنازل الأتحاد السوفيييتى عن الشيوعية لذلك يجب الأعداد لإنتصار المعراخ ووضع الليكود فى موقف المدافع . وجاء الأقتراح المصرى خلال الجلسه كالتالى :عقد لقاءات اولية بين وزراء خارجية كلا من مصر والأردن وإسرائيل لبحث مبادىء أقامة مؤتمر دولى ومناقشة نشاطاته المستقبلية التى تشمل عقد لقاءات اضافية بغرض بدء المفاوضات من خلال هذا المؤتمر ودراسة امكانية توجيه الدعوه للخمس أعضاء الدائمين فى مجلس الأمن للعمل كمراقبين وتوجيه دعوة مشابهه للسكرتير العام للأمم المتحدة ومن الممكن توجيه الدعوه لكلا من سوريا ولبنان وأن يعلن جميع وزراء الخارجية قبل سفرهم لحضور اللقاء أنهم يباركون المبادرة المصرية من اجل تمهيد الطريق لأقامة مؤتمر دولى من أجل التفاوض المباشر بين الطرفين كما شمل الأقتراح المصرى مشاركة بيريز فى هذا اللقاء حيث أتفق كلا من أسامه الباز وإبراهام تامير على أن مشاركة بيريز فى اللقاء ستعطيه "شو"كبير وتحسن من صورته أمام الرأى العام الإسرائيلى . وأستعرض أبراهام تامير المبررات التى أستخدمها لأقناع أسامة الباز حيث قال له خلال اللقاء "أن أستمرار الجمود السياسى حتى موعد الأنتخابات سيمثل تربه خصبة ومرتعا لليمين المتطرف الذى سيردد أنه قد نجح فى منع شمعون بيريز من بيع أرض إسرائيل وقال له أيضا"عليكم أن تستبعدوا من مخيلتكم أمكانية التعامل مع حكومه الليكود وخصوصا فى مسألة إيجاد حل لأزمة قطاع غزة والضفه الغربية " وأكد تامير للباز"أن بيريز هو الزعيم الذى يلقى قبولاً لدى الجميع ولا يوجد أحد مثله فهو يقاتل من أجل البدء فى التفاوض ويجب مساعدته بقوة حتى ولو عن طريق الدعاية له التى ستكون بمثابه الدعامة الأساسية لأقامة المؤتمر الدولى المفتوح غير أنه ليس من الممكن أقامه هذا المؤتمر قبل أن نربح الأنتخابات ففى الوقت الحالى ستكون نتائج الأنتخابات فى إسرائيل هى الحاسمة والمحددة لمسيرة السلام وأذا لم ينجح المعراخ فلن تكون هناك مسيرة سلام أو حتى مؤتمر دولى ". واشار "تامير" فى تقريره أن الباز أكد له أنه سيفعل المستحيل لتهيئة الأجواء التى تتيح نجاح المعراخ فى الأنتخابات بأى طريقة وأشار تامير أنه أذا لم يفعل المصريين ذلك سيؤدى الأمر إلى حالة من الجمود السياسى وربما يفوز الليكود فى الأنتخابات وحينئذ ستحل الكارثه على الإسرائليين والمصريين على السواء وأضاف أن المصريين قد قرروا مساعدة بيريز من هذا التوقيت وحتى شهر أبريل عن طريق تقديم لإسرائيل بعض المقترحات العملية لتحريك الوضع . وفى نهاية شهر يناير سافر مبارك فى زيارة رسمية لواشنطن وكان متواجدا وقتها مستشار بيريز الخاص"نمرود نوفيك", وكاتم أسراره "ستيف كوهين"وهو يهودى كندى ومحاضر فى شئون الشرق الأوسط . ومن خلال التقرير السرى للغاية الذى كتبه نوفيك بعد لقائين مع أسامة الباز أتضح أن الدائرة على شامير قد بدأت تضيق بشكل كبير . وحاول نوفيك وكوهين أقناع الباز خلال لقائهما به بعدم تأجيل المبادرة الأمريكية التى تقضى بعقد لقاء دولى يقود الى المفاوضات بين اسرائيل والدول العربية واكدوا له ان اى رد سلبى من جانب مبارك او الملك حسين سيضع شامير فى موقف ايجابى وستضع الطرف العربى فى وضعية الرافض للسلام وليس شامير . وقال أسامه الباز لهما أنه خلال اللقاء الذى تم بين مبارك وريجان ووزير الخارجية شوليتس قال لهم مبارك بوضوح أنه يرى فى إسرائيل شريكا وحيدا للسلام وأن بيريز هو الشريك المناسب والأوحد لتحقيق السلام. فلقد أستوعب مبارك الامر سريعا وأدرك أن عليه المساهمه فى أخفاء منظمة التحرير الفلسطينية عن الساحه خلال المرحلة القريبة قبل الأنتخابات الإسرائيلية . وتقول صحيفة يديعوت أحرونوت أنه من خلال الأطلاع على الوثائق السرية التى تخص كلا من بيريز ومبارك من الممكن الخروج بأستنتاج أن تلك الحملة قد أتت بثمارها حيث قامت الأدارة الأمريكية فى ربيع عام 1988 بالخطوة الأولى حيث ضغط الأمريكيين على شامير بضرورة السعى لأتفاق مرحلى فى الضفه الغربية وقطاع غزة وأستجاب شامير للضغط الأمريكى و "لكن"بشرط أن يكون أعضاء الوفد الفلسطينى المفاوض من الشخصيات المعروفه والمقبولة فى إسرائيل والا يضم الوفد الفلسطينى أحد من افراد منظمة التحرير الفلسطينية فى تونس . وفى المقابل أستمرت الأتصالات بين مكتبى بيريز ومبارك حيث سافر نمرود نوفيك الى روما لمقابلة اسامة الباز فى فندق جراند وقال لة الباز نصا"سنواصل العمل حتى نثبت للناخب الإسرائيلى أن حزب المعراخ هو الشريك الوحيد للسلام وأضاف "أن مبارك مستعد أن يظهر فى التلفزيون المصرى ويقول ذلك أذا كان ذلك فى مصلحتكم "وأشار التقرير أن الباز قد أقترح على نوفيك أستمرار فتح قنوات الحوار المباشروالسرى بينهما وقال له "لا أحبذ أن نتحادث هاتفيا فالأمن لدينا ولديكم ينصت الينا ولا ينبغى أن يحيطوا علما بما نخطط له . الأ أن الرياح قد أتت بما لا تشتهى السفن حيث قام أحد الفلسطينيين يوم 30 أكتوبر 1988 أى قبل يوم واحد من أنتخابات الكنيست بالقاء زجاجه حارقة على أحد الأوتيبيسات العامه و راح ضحيه هذا الحادث خمسة أشخاص أم وثلاثة من أبنائها وجندى حاول أنقاذهم من الحريق الذى أشتعل فى ألأوتوبيس . وفى اليوم التالى حصل الليكود على 40 مقعدا مقابل 39 للمعراخ لتتحدد نتيجة الأنتخابات مرة اخرى على أيدى أحد الفلسطينيين . وفى اليوم التالى فوجىء اعضاء الحكومة الجديدة باختفاء جميع الوثائق التى كانت موجودة واتضح ان بيريز ورفاقه قد قاموا بأزالة جميع الوثائق التى كانت محفوظه على أجهزة الكمبيوتر الى أن تم الكشف عنها عبر صفحات هذا العدد من الصحيفة العبرية .