عزيزنا الغالى «عمار»... أدخلت إلى دنيانا نغمة حلوة صعيدية الأصل مصرية الانتماء، واستطاعت ظروفك كلها أن تنطق بقدرة الله سبحانه وتعالى الذى جعلك قادرا على قهر ظلام عيونك بعدما أعطاك ووهبك الكثير، فأصبحت أيقونة النغم المصرى الأصيل، بل عميد موسيقاه وذاع صيتك فى الوطن العربى كله وأحبك الناس جميعا، وعرفوا أنك أحد أشهر ظرفاء هذا العصر، وكان لكل منهم معك قصة ونكتة، ولابد أنك تذكر دعابتك التى اطلقتها علىَّ بعدما توليت أنا رئاسة إذاعة الشرق الأوسط وكنت أحاور ضيوف الإفطار على الهواء ثم اقرأ نشرة الأخبار التى تتخلل تلك الفترة، وتذكر ما قلته وقتها ضاحكا: «نادية ياخويا حترفع الآذان بالمرة» وعندما عاتبتك ضاحكة ومستغربة قفشتك قلت لي: «أصلك كومانده يانادية ياختى.. ربنا يديكى الصحة»، كنت وربما أنك آخر ظرفاء هذا العصر، فلم يعد بيننا أو لم يعد هناك وقت للظروف والظرفاء ولعلك أخذت معك آخر أيام الزمن والأمان الجميل.. والآن.. وبعد هذه السطور بقى شيئان مهمان: الشىء الأول: هى تلك الكلمات التى لم أستطع نسيانها عندما جلست على الهواء وأمام شاشات التليفزيون أثناء ثورة 25 يناير وبعثت بكلماتك وتوسلاتك إلى الرئيس السابق حسنى مبارك حتى يمنع اراقة الدماء ويستجيب إلى الشعب والثوار، ولن أنسى ما بدأت به كلامك: «أنا عمار ياريس.. أنا عارف إنك بتحبنى.. علشان خاطرى.. كذا وكذا وكذا...» وأكملت رجاءتك وتوسلاتك خوفا على مصرنا جميعا وأظننا نحتاج إلى توسلات من جديد من أجل أيامنا هذه ومنعا -أيضا- لإراقة الدماء لعلك تبعث بها إلى مسئولينا اليوم ولا أدرى كيف يكون ذلك، ولكن قدرة الله قادرة ولا أحسبك إلا أنك تشعر بنا وبما نحن فيه وما نحتاج إليه.. وليس هذا على الله بمستحيل.. فمصر التى أصبحت «مصرين» لا مصر واحدة تحتاج إلى خطاب إلهى يجمعها ويقدر على هذا من جديد..
وأخيرا وليس آخرا.. هناك شيء آخر استبقيته عزيزنا الغالى «عمار» لأحكيه لك فى رسالتى عن برنامج (زيارة لمكتبة فلان) وعن زيارتى لمكتبتك التى قمت بها إليك منذ سنوات طويلة، وحكيت فيها عن «عمار» قاهر الظلام الذى يقرأ وقرأ وتثقف بطريقة بريل أو «الخواجة بريل» على حد قولك وعن الأدب الإنجليزى وشعراء الانجليزى الأشهر ثم كتب عن «الخيال العلمى» وغيرها مما حكيت لى وللمستمعين عنها عندما كنت ازورك يومها.. وغير ذلك كثير قلته لنا آنذاك، لقد أعدت إذاعة هذه الزيارة التاريخية ولابد أنك استمعت إليها فى عالمك الهادئ، فلا أظن أنك منفصل عنا وأنت هناك، فعندما كنت بيننا على هذه الأرض، لن أنسى صورتك وأنت تحادثنا ووجهك إلى السماء «ناظرا» ومستوحيا ما تقول أو على الأصح ما تعزف، ولا أظنك إلا موصولاً بنا كما كنت، المهم أنك كنت خلقا طيبا من مخلوقات الله.. حاضرا وغائبا يرحمك الله ويرحمنا جميعا.. إيها العزيز الغالى «عمار الشريعى».