كنت قد كتبت هذا المقال فى المكان نفسه يوم 24/1/2011، أى قبل ثورة 25 يناير بيوم واحد، أخاطب به البرلمان آنذاك، واليوم أُهدِيه إلى برلمان ما بعد الثورة، أما السبب فهو الإحباط الذى انتابنى إثر إصرار النواب على الاستئثار بنصف عدد الهيئة التأسيسية للدستور، ومنحهم أنفسهم ميزة ليست من حقهم، وكنت أظن أنهم باعتبارهم يمثلون سلطة من سلطات الدولة فسوف ينأون عن وضع أنفسهم موضع الخصم والحكم، وهو موضع فيه من شبهة الفساد ما لا نقبله لهم، وكنت أعتقد أنهم يقدرون تصرفاتهم لا بآثارها العاجلة فى المصالح الحاضرة المؤقتة، بل بنتائجها البعيدة الخالدة من حيث كونها تقاليد يُهتدى بها ويُحتذى عليها.. وإليكم ما كتبته وقتها: «لا شك أن الفساد هو أخطر الآفات التى تعانيها المجتمعات المعاصرة، وتتفاوت نسبة الفساد وأنواعه من دولة إلى دولة، وانتشار الفساد، أياً كان نوعه، يتسبب فى الإضرار بالحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وينعكس سلباً على جميع المناحى المعيشية. والفساد السياسى يُعرف بأنه الإخلال العَمْدِى بقواعد وقوانين الحياة السياسية التى كفلها الدستور لمجتمع ما، وبالمواثيق والمعايير والاتفاقات الدولية، التى سبق أن أقرتها مؤسساته الوطنية، وعلى كل حال للفساد ألوان وأنواع: فمنه الأخلاقى والمالى والاقتصادى والاجتماعى، ومن مظاهره الرِشوة والمحسوبية والمحاباة والوساطة واستغلال النفوذ والتربح، ومن نتائجه الإضرار بالمال العام، سواء بغرض الكسب، أو لعدم الكفاءة أو الإهمال. وللفساد تعريفات كثيرة تختلف باختلاف الرؤى، فهناك تعريف من منظور قانونى، وهناك تعريف من منظور اجتماعى، وهناك تعريف من منظور حكومى، وعلى العموم فإن أسهل تعريف هو أن الفساد هو ما يقرر الرأى العام لمجتمع ما أنه فساد، طبقاً لثوابته الأخلاقية، وموروثاته الثقافية والاجتماعية. ومكافحة الفساد هى الشغل الشاغل لكثير من البلاد، والنجاح فى مكافحته يعتمد، بقدر كبير، على مدى نضج المجتمع المدنى ونشاط منظماته، وحرية الإعلام، وتعدد الأحزاب وسخونة المنافسة بينها، وإعلاء الشفافية والديمقراطية، فكل ذلك يساعد على كشف الفساد بأنواعه، سواء كان حكومياً أو مجتمعياً أو سياسياً، ويُمكن الرأى العام من اتخاذ مواقف قِبَلُه، أياً كانت صفته ونوعه.. وعلى هذا الأساس، واستناداً إلى هذا التعريف، فإن البرلمان يصير هو المؤسسة الأَوْلَى بالتصدى لمكافحة الفساد، من حيث مسؤولية نوابه فى التعبير عن نظرة الرأى العام للأمور التى يعتبرها من أمور الفساد، فلا جدال فى أن نواب «السلطة التشريعية» هم الأقرب والأصدق فى التعبير عن رأى الناس.. أو هكذا يُفترَض أن يكونوا، ولأنهم يتمتعون بحقوق «الولاية العامة» فى تمثيل مصالح المجتمع كافة، ولهم حق «الولاية الدستورية» رِقابياً على السلطة التنفيذية، وحق «الولاية التشريعية» نيابةً عن المجتمع، والتى تمتد إلى وضع القوانين التى تعمل السلطة القضائية فى أُطُرِها، بالإضافة إلى حقهم فى «الولاية السياسية» على الدولة، والتى تتعلق برفض أو إقرار السياسات العامة للحكومة - ليس فقط من ناحية أسلوب تنفيذها إنما أيضاً فى فلسفتها ومضمونها - بما يحقق مصالح المجتمع ويتفق مع إرادته، وبناء عليه – وهذه عبارة كان يستخدمها دائماً الدكتور فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب السابق، لحث النائب، الذى يُسهب فى الحديث، على الاختصار - فإن البرلمان هو أكثر المؤسسات مُكنَة فى محاربة الفساد، فالولاية المعقودة له بحكم الدستور تمنحه القدرة، أما الرغبة والإرادة فهما مسؤولية النواب». نقلاً عن المصري اليوم