حسيني محمد عبده، شاب في الثلاثينات من عمره يقيم بمنطقة الكفور القبلية التابعة لحي أول طنطا بمحافظة الغربية، أصيب بانفصال في شبكية العين وفقد بصره وهو في العاشرة من عمره، لكنه لم ييأس، وواصل رحلة الحياة فحصل على الابتدائية والإعدادية ثم تعلم حرفة النقاشة رغم صعوبتها وأتقنها بكل مراحلها اعتمادا على حاستي اللمس والشم التي يفرق بهما بين الخامات المختلفة. قال حسيني ل"البديل": فقدت بصري وأنا في العاشرة من عمري بعد أن أصبت بانفصال فى شبكية العين وأصابنى اليأس والإحباط، لكن الله عوضني عن فقد هذه النعمة الكبيرة بنعمة أخرى ساعدتنى على تقبل الأمر والاستمرار في الحياة فقد زادت قوة حواسي الأخرى وخاصة حاسة ملامسة الأشياء والتعرف عليها بأصابعي وكذلك حاستي السمع والشم، فأصبحت أفرق بين أنواع المأكولات والمشروبات من رائحتها. وأضاف: التحقت بالمركز النموذجى لرعاية وتأهيل المكفوفين وحصلت على الابتدائية ثم الإعدادية، وبدأت داخل المركز في تعلم العديد من الحرف فعملت في تصنيع أدوات النظافة المختلفة مثل الجاروف والمكانس والمماسح الجلدية بأنواعها، وتعلمت بعض خطوات صناعة المصنوعات الجلدية من أحذية وأحزمة وشنط ومحافظ، وألممت ببعض خطوات تصنيع الأثاث المنزلي ثم تعلمت حرفة النقاشة بكل خطواتها وأنواعها مثل الطلاء بالبلاستيك أو بالزيت إلى جانب دهانات الأخشاب، ورغم دقة وصعوبة خطوات هذه المهنة الشاقة فقد وجدت نفسي فيها، وبمرور الوقت أصبحت أكثر خبرة وإتقانا لخبايا المهنة اعتمادا على حواسي الأخرى من لمس وشم وإدراك. حسيني أشار إلى أن تفوقه في النقاشة كان بمثابة تعويض له وتحد للإعاقة، وقال: أدين بالفضل للأسطى إسماعيل الذي علمني أسرار المهنة وكل خطواتها من صنفرة الحوائط وتجليخها لخلط المواد الابتدائية من المعجون بكل أنواعه سواء كان معجون زيت أو بلاستيك، وكذلك تبطين الحوائط والتعرف على العيوب التى قد تحدث فى هذه المرحلة بواسطة اللمس للتاكد من أنها أصبحت ملساء لتكون جاهزة لمرحلة الدهان، وكان الأسطى صبورا معي لدرجة كبيرة. في بداية مرحلة ممارسة المهنة كان حسيني، يشعر بالتوتر بعض الشيء، وقال: فى البداية كنت ألمس التردد في نبرات صوت أصحاب الشقق الذين بدأت معهم عندما يفاجأون بأننى كفيف، ولهذا كنت أتقاضى أجرا زهيدا جدا فى البداية مع أنى أستخدم أجود الخامات حتى تحل الثقة وأبذل كل ما في وسعي في كل الخطوات ولا أنتقل من خطوة إلى أخرى إلا بعد التأكد من انتهائها على خير وجه، وبمرور الوقت أثبت كفاءتى وأصبح لي زبائن كثيرون يطلبونني بالاسم ويقدمونني لأقاربهم وأصدقائهم، وعندما أكون مشغولا بعمل في إحدى الشقق ينتظروننى ويحددون معي الموعد الذي سأبدأ فيه طلاء شققهم، ولا أستطيع أن أصف مدى سعادتي بعد انتهائي من طلاء أي شقة وإعجاب أصحابها بعملى والثناء على جودة وإتقان ما قمت به من عمل. وتابع: مهنة النقاشة مهنة موسمية ولا يعيد أصحاب الشقق دهانها أو تجديدها إلا في أوقات متباعدة، وبالتالي فإن قلة الموارد تقف حائلا أمام كل من يمتهن هذه المهنة ولذلك أتمنى أن التحق بوظيفة حكومية ثابتة مناسبة لظروفي لأحصل على مرتب ثابت يمكننى من الزواج وتكوين أسرة، خاصة أن الشخص الكفيف بحاجة لزوجة تعينه على الحياة.