أقر السيد عبد الفتاح السيسى في مداخلة هاتفية مع برنامج القاهرة اليوم، أن الدولة المصرية أو بقاياها كما وصفها؛ هي تداعيات مشاكل ممتدة لخمسين عام، أي منذ هزيمة يونيو عام 1967 وليس اليوم.. قد لا يعي الجنرال أن الهزيمة في تاريخ الأمم ليست بالضرورة هزيمة عسكرية فقط، وإنما قد تتسع لتصل لهزيمة اقتصادية وسياسية واجتماعية وإنسانية.. هزائم تصنع انتكاسات خطيرة داخل المجتمع. وأن لكل شيء أسباب ومُسببات، ومن الأسباب الرئيسية لهزيمة 67 أنها جاءت لكى تُثبت كم كانت ممارسات ديناصورات القمع الوحشي الذي مارسه نظام جمال عبد الناصر الديكتاتوري ضد معارضيه كانت بائسة وتعِسة.. وأن هذه الهزيمة لم تكن إلا حصاد سنوات من البطش والقتل واعتقال المعارضين.، ونتيجة طبيعية لتأميم الحياة السياسية وإهدار حقوق الإنسان، وإلقاء تلك الآلاف في المعتقلات، وإعدام العمال، وإلغاء الأحزاب، وترسيخ مبدأ القائد والأب المُلهم، الذي سيلقي بإسرائيل في مياه النيل، وجعل مصير البلاد والعباد مرهونة بمشيئة هذا الحاكم الفرد الذي لا تُصد كلمة له ولا تُرد.. وفور إعتلاء الجنرال عبد الناصر الحُكم بقوة السلاح أحاط نفسه برجال من أهله وعشيرته، منعدمي الكفاءة وليس بالمنافسين الأكفاء، وولاهم أهم المناصب التي تغدق عليهم الأموال، وتركهم يعيثون في الأرض فسادًا، يبطشون بهذا أو ذاك دون رقيب أو حسيب، للدرجة التي جعلتهم يقومون بقتل أي شخص يعارضهم أو يهدد مصالحهم أو يُصبح منافسًا لهم. ألم يخبرك أحد أن هزيمة 67 جاءت؛ لأنه تم ترسيخ البيروقراطية العسكرية المتضخمة الذات، والجهولة بأساليب العمل السياسى وممارساته، وأصبحت بمنأي وبمعزل عن الواقع السياسى الملتهب، وعانت بنية الهيكل المصري الفساد والاستبداد ووضع اقتصادي متردي، وترك أرزاق الشعب المصري مرهونة بنزوات ورغبات حفنة من العسكر. اتخذت شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، مثلما اتخذه عبد الناصر عقب هزيمة 67، وأطلقت أذرع دولتك البوليسية لتتحكم في كل شيء، وقمعت كل صوت معارض لك مثلما فعل. وسار إعلامك على نهج إعلام جوبلز، أحاطوك بهالة قدسية وأسطورية، وأصبحت "سيسى رع" كما وصفك كاتب في أحد لقاءاته التليفزيونية " إن المصريين يحبون إسم السيسى منذ ستة آلاف عام؛ لأن النهر المقدس عند الفراعنة كان إسمه سيسى رع". بررت الظلم والبطش ولم تردع داخليتك عندما اعتقلت الأبرياء، وقاموا بتعذيبهم في السجون والمعتقلات وتلفيق التهم لهم، بحجة الحرب على الإرهاب، كما كان يفعل عبد الناصر بحجة الحرب ضد الاستعمار. تحدثت باسم الشعب، وكل المظالم وقعت في عهدك على الشعب باسم الشعب، تم قتل الآلاف من الشعب تحت شعار الحياة للشعب، تم تعذيب واعتقال وانتهاك حرية الشعب تحت مسمى الحرية للشعب، وباسم حرية التعبير قصفت الأقلام وكُممت الأفواه وأُغلقت البرامج والقنوات، وباسم الأمن والإستقرار زادت نشاط أجهزة البطش والقمع، وباسم الثورة والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، قطع كل لسان واعتقل كل إنسان يتحدث عن تحقيق أهداف الثورة. وكما قال المشير محمد عبدالغني الجمسي وزير الحربية (الدفاع) المصري السابق : إن الرجل العسكري لا يصلح للعمل السياسي قط، وإن سبب هزيمتنا عام 1967 هو اشتغال وانشغال رجال الجيش بالألاعيب في ميدان السياسة؛ فلم يجدوا ما يقدمونه في ميدان المعركة. وإن كُنت تعتبر كلمات المشير الجمسي وجهة نظر، تحتمل الصواب أو الخطأ، دعني أُعيد على مسامعك كلمات رُبما قد تكون سمعتها أو رددتها في يوم من الأيام : "إن مهمة الجيش والقوات المسلحة المصرية هي الحفاظ على الحدود المصرية والأمن العام المصري من أى خطر خارجي يهدد البلاد، وأن مهمة محاربة الإرهاب ليست من إختصاص الجيش والقوات المسلحة المصرية، وإنما هي من إختصاص وزارة الداخلية، وأن وجود الجيش في الشارع المصري وتدخله في الشأن الداخلي للبلاد يعتبر أمر خطير".. هكذا حال الأنظمة الديكتاتورية على مر العصور، يقولون ما لا يفعلون، ولا يتعلمون من أخطاء أسلافهم، كارهون للعلم والقراءة والمعرفة، فقط يسيرون على درب الطغاة ليكرروا خطاياهم، حتى يزجوا بشعوبهم في نفس النفق المظلم، ويقمعون كل من يُريد أن يخرج منه، لتصبح تلك الشعوب حياتهم تعسة، بل حياتهم نفسها ليست ملكًا لهم، تُسلب خيراتهم ويُحكمون بالفقر والمعتقلات والتعذيب، وكأن هذه الشعوب عُميت عن مصالحها، تُسلب خيراتهم ويُطالب منهم أن يحمدوا الله عندما يُترك لهم الفُتات. أنظمة تُريد أن تخضع شعوبها لنير المستبد، بل تمجيده، حتى لو كان يفتقر الحد الأدنى من الموهبة، ولا يمتلك برنامج أو خطة سياسية ورؤية اقتصادية واضحة، أنظمة تريد أن يؤيدها الشعب حتى لو كان يحكمها بالفقر والمعتقلات والتعذيب، لكن هيهات فالشعوب التي ذاقت طعم الحرية، لن يستطيع أحد أن يكسر شوكتها مهما خُدعوا وسُكنوا بوهم الاستقرار، وتم تخويفهم بفزاعة الحرب على الإرهاب.