تعتبر الأردن واحدة من الدول العربية التي اتجهت نحو التطبيع السلمي مع الاحتلال الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن أنها أول دولة عربية وجهت سلاحها نحو المقاومة الفلسطينية بدلا من أن تقف بجانبها تدافع عن قضية العرب الأولى وهي القضية الفلسطينية. أيلول الأسود أحداث "أيلول الأسود" كما عرفها الكثير من الفلسطينيين يشار بها إلى حرب بدأت في شهر سبتمبر من عام 1970، بعد عامين من المناوشات والصراعات والتراشق المتبادل بين النظام الأردني حينذاك بقيادة حسين بن طلال، وفصائل المقاومة الفلسطينية، وبدأ التوتر بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية بعد "معركة الكرامة" عام 1968، حيث كان هناك أكثر من 500 اشتباك عنيف وقع بين الفصائل وقوات الأمن الأردنية، ما بين منتصف عام 1968 ونهاية عام 1969. كانت منظمة التحرير الفلسطينية تهاجم العدو الصهيوني انطلاقًا من الأراضي الأردنية، وكانوا يطلقون الأعيرة النارية من أسلحتهم البدائية باتجاه مناطق انتشار الاحتلال، مما أدى إلى رد عنيف من الجانب الصهيوني بالطائرات والصواريخ على المدن الأردنية، وهو ما دفع النظام الحاكم في ذلك الوقت إلى اعتبار تصرفات المجموعات الفلسطينية تهديدًا للحكم الهاشمي ولأمن وسلم المملكة، وهنا أعلنت الأردن حالة الطوارئ، وتحرك الجيش بناءً على تعليمات الملك حسين بن طلال، ومستشاريه العسكريين، لوضع نهاية لوجود الفصائل الفلسطينية في الأردن. تقرر في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية في عمان، ضرورة توجيه ضربة استئصالية ضخمة وبقوات متفوقة إلى كل المنظمات الفلسطينية داخل المدن الأردنية, وبدا أن الطريق وصل إلى نقطة اللاعودة، حيث وصلت الفوضى والتسيب التي سببها أعضاء المنظمات الفلسطينية إلى مستوى يفوق تحمل النظام السياسي في الأردن، على حد تبرير قياداته الحاكمة في ذلك الوقت. كان الملك حسين، يرغب بتوجيه ضربة عسكرية محدودة، تحصر النشاط العسكري للفصائل الفلسطينية داخل المخيمات وتعيد هيبة الدولة, بينما كانت المؤسسة العسكرية تعد لتوجية الضربة الاستئصالية القاضية مستغلة التفوق العسكري لديها، فيما كانت الفصائل الفلسطينية مطمئنة لدعم بعض الدول العربية لها، حيث كانت العلاقات بين الملك حسين، والرئيس الراحل جمال عبد الناصر متوترة، وهو الأمر الذي أعطى تطمينات لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها بأن هناك دعمًا ما يمنع القوات الأردنية من مواجهتها، إلى جانب تطمينات أخرى من النظام السورى والنظام العراقي. حشد الجيش الأردني آلاف العربات المصفحة والمجنزرات، وتحرك الآلاف من الجنود حول عمان والزرقاء، وخططت القوات المسلحة الأردنية للضربة العسكرية وأطلقت عليها اسم خطة "جوهر"، بحيث يتم الهجوم بشكل متزامن في كل من عمان والزرقاء وإربد في الوقت نفسه وبخطة عسكرية معدة سلفا. وبالفعل بدأت الدبابات والمجنزرات الأردنية بالقصف المدفعي العنيف على مواقع المنظمات الفلسطينية، وبدأت المجنزرات باقتحام مخيم الوحدات ومخيم البقعة ومخيم سوف في عمان، ومخيم الزرقاء واجتياح فرق المشاة لشوارع مدن الزرقاء وعمان وإربد لتنقيتها من المسلحين، ووقعت معارك ضارية فيها. بعد أسابيع من الاشتباك وخسائر فصائل المقاومة نتيجة تفوق الجيش الأردنى، تدخّل الجيش السورى بكتيبتين عسكريتين ولكنهما تكبّدتا خسائر فادحة تحت الضغوط التي أتت عليهما من قبل الأردن وإسرائيل والولايات المتحدة، بينما لم تتدخل العراق التى كانت قد منحت وعودًا للمقاومة بدعمها، وأعلنت أنها لن تكون طرفًا فى هذه المشكلة، لتسفر العمليات عن هزيمة فصائل المقاومة وأسر أكثر من 1000 من عناصرها مع قتل المئات، قبل أن يتمّ عقد اجتماع فى القاهرة قبل وفاة الزعيم جمال عبد الناصر بأيام، والاتفاق على خروج المقاومة من الأردن والتوجّه إلى الأراضى اللبنانية. معاهدة "وادي عربة" منذ ذلك الوقت بدا أن خيار النظام الأردني هو المهادنة ومنع تصويب البندقية نحو الكيان الصهيوني، وهو ما دفعه لتوقيع معاهدة سلام مع العدو الإسرائيلي في وادي عربة 26 أكتوبر عام 1994، وطبعت هذه المعاهدة العلاقات بين البلدين وتناولت النزاعات الحدودية بينهما، وفي الوقت الذي استقبل فيه الرأي العام الإسرائيلي هذه المعاهدة بشكل إيجابي، استقبلت فصائل المقاومة الخبر بشكل سلبي، فيما تجاهلته سوريا، خاصة وأن هذا الاتفاق جعل الحدود الإسرائيلية الأردنية مفتوحة لمرور السياح والبضائع والعمال بين البلدين. صفحة جديدة المعاهدة بين الأردن وإسرائيل كانت بداية عصر جديد من العلاقات السلمية بين الدولتين، والتي أدت لسلام وتعاون بين البلدين في مجالات عديدة منها الاقتصادية, الأكاديمية, والزراعية, لكن هذه العلاقات لم تخلُ من التوتر الناتج عن الموقف الشعبي الأردني المعارض للتطبيع مع إسرائيل. مرت العلاقات الأردنية الإسرائيلية بعدة مراحل كانت أقواها بين عامي 1994- 1996، حيث تميزت وقتها بكثرة اللقاءات والاتصالات الثنائية وزخم الاتفاقات والبروتوكولات المبرمة، وفي الفترة بين 1996 –1999، شهدت العلاقات بعض التوتر، نتيجة صعود الليكود للحكم في إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو، وتصعيد الانتهاكات الصهيونية وبناء المستوطنات واقتحامات القدس. بعد فشل مفاوضات الوضع النهائي، واندلاع انتفاضة الأقصى، أعلن الأردن وقف إجراءات تعيين سفير أردني جديد لدى إسرائيل، كما قلص الكيان الصهيوني عدد الدبلوماسيين في سفاراته لدى الأردن، ثم جاءت العمليتان العسكريتان اللتين قامت بهما إسرائيل في الأراضي الفلسطينية وهما "الرصاص المصبوب" على قطاع غزة, وعملية "السور الواقي" عام 2002 التي أعادت إسرائيل خلالها احتلال مدن الضفة الغربية, وتدمير مقار السلطة الفلسطينية, وخرق معاهدة السلام في أكثر من مجال. الحراك الشعبي الأردني الرافض للتطبيع, أتي كخط أحمر لا تستطيع السلطة الأردنية تخطيه، حيث رفضت قوى المعارضة من أحزاب ونقابات التطبيع مع إسرائيل، وفرضت مقاطعة شاملة على الكيان الصهيوني سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، لكن النظام الحاكم دائما ما يتجه إلى خلاف ذلك ويسعى جاهدا إلى تعزيز علاقاته مع العدو الصهيوني. اتفاقية الغاز في منتصف شهر يوليو 2014، وقعت شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة الأردنية خطاب نوايا مع شركة نوبل إنرجي الأمريكية، كممثل عن تحالف من الشركات الإسرائيلية هي ديليك، أفنير، راشيو، لتزويد الشركة بالغاز من حقل ليفيتان المشاطئ لسواحل حيفا المحتلة، تمتلك نوبل إنرجي 39% منه، بينما تمتلك الشركات الإسرائيلية حصة الأغلبية بنسبة 61%. مجموعات مقاومة التطبيع الشعبية الأردنية رفضت هذا الاتفاق واعتبرته تأسيسا لحالة غير مسبوقة من التبعية الإقليمية لإسرائيل، واختراقا تطبيعيا خطيرا يُفرض على المواطنين فرضًا وغصبًا عن إرادتهم، محولا إياهم إلى مُمولين مباشرين لمشاريع إسرائيل الاستيطانية وجرائمه وعملياته العسكرية العدوانية وتسليح جيشه وحروبه المستقبلية ضد الأراضي الفلسطينية. الأردن والمقاومة يؤمن الأردن بضرورة استمرار الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بالتفاوض بهدف الوصول إلى اتفاق عادل ودائم يفضي إلى إنهاء الاحتلال، كما يؤمن الأردن بضرورة قيام الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه يرفض ضمنيًا المقاومة الفلسطينية المسلحة، وهو ما ظهر جليًا في زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، إلى الأردن مؤخرًا. عرض مشعل، ضماناته لعلاقة آمنة مع الأردن وتشمل الحفاظ على أمن الأردن والتزاماته السياسية وقوانينه مستقبلًا، والتركيز على أن حماس ضد الوطن البديل وسيناريو التوطين، مع الإشارة إلى أن من يفشل خيار المفاوضات هو الجانب الإسرائيلي، وردًا على ذلك ركز الملك الأردني على أن المفاوضات هي الخيار الوحيد الذي يدعمه لاستعادة الحقوق الفلسطينية، وهو ما يقصد به الملك ضمنيًا أن عمان لا تدعم خيارات المقاومة المسلحة. يعد هذا اللقاء هو الثالث بين الملك عبد الله الثاني، ومشعل، خلال أقل من عام، بعد أن نجحت وساطة من ولي العهد القطري تميم بن حمد آل ثان، في إعادة العلاقة بين الأردن وحماس، بعد قطيعة بدأت منذ بداية عهد الملك عبد الله، عام 1999، وإغلاق مكاتب الحركة في عمان، وإبعاد قادتها وعلى رأسهم مشعل. وعلى صعيد متصل؛ شنت قوات الأمن الأردنية حملة اعتقالات مطلع العام الجاري شملت 23 من المهندسين وموظفي النقابات المهنية والأسرى المحررين وطلبة جامعيين، فيما أفرج عن 11 منهم بعد شهرين من التحقيقات، حيث أكد المفرج عنهم أن التحقيقات معهم تركزت حول نشاطات دعم المقاومة الفلسطينية وعلاقتهم بعدد من الأسرى في سجون الاحتلال ممن تم القبض عليهم من قبل سلطات الاحتلال، بتهمة تشكيل خلية تابعة للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. ووجه أمن الدولة للمعتقلين تهم الالتحاق بجماعات مسلحة على خلفية اتهامات للمعتقلين بالدخول إلى غزة عبر أنفاق سيناء والالتحاق بدورات عسكرية وأمنية من قِبَل جماعات مسلحة، واتهامات لعدد من المعتقلين بالتدريب على السلاح داخل بعض الشقق بالعاصمة عمّان، وكيفية استخدام وصناعة المتفجرات وتهريب مواد متفجرة إلى الضفة الغربية، وأصدرت محكمة أمن الدولة حكمًا بسجن 9 أشخاص بأحكام تتفاوت من سنة إلى 15 سنة، وفي هذا الشأن أكدت صحيفة معاريف الصهيونية، أن مخابرات الكيان الصهيوني قدمت مساعدتها لأجهزة الأمن في الأردن فيما يتعلق بحملة الاعتقالات هذه.