التصنيع الزراعي الوجه الآخر المكمل للزراعة والنهوض بها، فالتنسيق والتكامل بين سياسات الإنتاج والتصنيع والتصدير، وإيجاد علاقات تشابكية بين منشآت التصنيع الزراعي والفلاحين، يؤدي إلى رفع القيمة المضافة من الحاصلات الزراعية، ويقلل الفاقد منها ويسهم في زيادة عرض المنتجات الزراعية على مدى السنة، ويسهم في زيادة دخل المزارعين، وتطوير أساليب الزراعة، ومن ثم فإن النهوض بالتصنيع الزراعي يكون له أثر إيجابي على تشجيع الاستثمار الزراعي واستصلاح أراضٍ جديدة. لا يمكن إغفال المخلفات الناتجة عن التصنيع الغذائي، التي يمكن أن تكون مصدرًا لتوليد طاقة حيوية "البيوجاز" التي تعد إحدى الوسائل للتغلب على أزمة الطاقة وتتصاعد حدتها، يومًا تلو الآخر، لإدارة تلك المصانع دون الحاجة إلى الوقود الاحفوري الذي يعد أحد الملوثات البيئية التي تؤدي إلى زيادة الاحتباس الحراري. قال الدكتور علي إبراهيم، خبير التنمية الزراعية: تصنيع المنتجات الزراعية يعد قيمة مضافة للدخل القومي، مما يزيد من قيمتها الاقتصادية والحفاظ على سعر المحاصيل من التبذبات السعرية المفاجئة، ويحقق ربحًا للمزارعين، فضلًا عن الحفاظ على مستوى قيمة المنتج وجودته، مؤكدًا أن هذا الأمر يتطلب تنسيقًا مسبقًا عن طريق توافر بعض البيانات عن المساحات المنزرعة بالمحاصيل المختلفة ومدى احتياج السوق لها، والمستهلك منها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، إلَّا أن الواقع صادم، حيث إن نسبة ما يتم تصنيعه من المحاصيل ضعيف جدًّا؛ خاصة من الموالح الذي يقدر كامل انتاجه ب4.5 مليون طن سنويًّا، ما يتم تصديره طازجًا لا يزيد عن 25% فقط من إجمالي الإنتاج، وبها الرقم الضئيل تحتل المرتبة الأولى في تصدير الفاكهة، ولا يتجاوز نسبة ما يتم تصنيعه من الموالح 2% وما يتبقى يتم دفعه في الأسواق للاستهلاك المحلي، مما يخفض من سعره، ويزيد من نسبة الفاقد من المحصول دون الاستفادة منه لتبلغ 15%. أوضح خبير التنمية الزراعية أنه يجب ألَّا تقل نسبة التصنيع في أي محصول من المحاصيل الزراعية عن 30% من إجمالي الكميات المنتجة، حتى تستحوذ المنتجات الزراعية على أكثر من 25% من الدخل القومي بدلًا من 14%، لقيام بعض الصناعات الأخرى على مخلفات التصنيع الزراعي؛ مثل إنتاج البيوجاز كمصدر للطاقة الحيوية، لتشغيل الوحدات عليها، مشيرًا إلى أنه لابد من استحداث طرق جديدة في التصنيع الزراعي وتجفيف معظم محاصيل الفاكهة، بدلًا من استيرادها بملايين الجنيهات في شهر رمضان مثل الياميش، فيجب تجفيف التين والمشمش والخوخ... آلخ. فالحقيقة التصنيع الزراعي في مصر متخلف جدًّا رغم أن المحاصيل الزراعية المصرية عندما تصنع تكون جودتها عالية، وتصل في معظم الأحوال لأعلى من مثيلاتها في العالم كله. فيما قال أحمد غريب، المهندس الزراعي وأحد العاملين بمجال التصنيع الزراعي: يجب صب اهتمام أكبر لعملية تصنيع لتلك المحاصيل؛ وذلك لاستعادة مصر مكانتها دوليًّا في مجال الزراعة، خاصة مع تزايد الطلب العالمي عليها؛ لجودتها وقدرتها التنافسية، حيث استحوذت مصر على جزء من الأسواق التي تهيمن عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة في محاصيل "البصل الثوم الكرات"، مشيرًا إلى أن دخول القطاع الخاص في ذلك النشاط أثرى الإنتاج الزراعي من مراحل الإنتاج المختلفة وحتى تصديره، فأصحاب تلك المشاريع يتعاقدون مع المزارعين، خاصة الصغار منهم؛ لشراء منتجهم، لافتًا إلى أنهم بذلك ينتهجون سياسة الزراعة التعاقدية، التي تطالب بها الكيانات الممثلة للفلاحين، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يمدونهم ببعض المكن الزراعية دون مقابل لخفض تكاليف الإنتاج. وأشار غريب إلى أن تصنيع الحاصلات الزراعية يمنح قيمة مضافة للإنتاج الزراعي، ويحافظ على توازن أسعاره في الأسواق المحلية، بجانب تأكد المزارع أنه سيستطيع بيع كامل محصوله بأسعار توفر له نسبة ربح جيدة، مما يشجعه على الاستمرار في عملية الزراعة، التي أصبح مشكوكًا في استمرارها، في ظل ما يحدث من تغيرات مفاجئة بأسواق المحاصيل، خاصة الاستراتيجية منها، مما ساهم بشكل كبير في تخلي الكثير من الفلاحين عن أرضهم، وعزوفهم عن زراعة المحاصيل الاقتصادية، لافتًا إلى أن التصنيع الزراعي غير قاصر فقط على إنتاج محاصيل مصنعة، بل هو أيضًا مشروع متكامل يستطيع أن ينتج الطاقة اللازمة لتشغيل المصنع من المخلفات الناتجة من عملية التصنيع، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتم استخلاص زيوت طيارة أيضًا من ناتج عمليات تجفيف المحصول كالثوم والبصل، وهو من أنواع الزيوت مرتفعة الثمن لتعدد استخدماتها. وأضاف أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن السائل الناتج من عملية استخراج غاز البيوجاز يعد من الأسمدة السائلة التي تساهم في تقليل الفجوة من الأسمدة الكيماوية، لافتًا إلى أن الجزء الصلب المتبقي من عملية التصنيع لا يتم التخلص منه، بل يستخدم في صناعة "الكمبوست" لارتفاع نسبة العناصر الغائية التي يحتاجها النبات أثناء نموه، مؤكدًا أن التصنيع الزراعي قادر على إحداث طفرة في عالم الزراعة المصرية، وله اثر بيئي ومجتمعي جيد، لمساهمته في حل جزء من مشكلة البطالة، والتلوث الناتج عن التخلص من المخلفات الزراعية بطريقة عشوائية وغير مجدية اقنصاديًّا.