لا تزال إشكالية التراث في الأدب العربي المعاصر قائمة، وعلى إثر هذا يصدر سنويًا الكثير من الكتب النقدية التي تناقش تلك الإشكالية، مؤخرًا صدر حديثًا عن الدار العربية للعلوم (ناشرون) كتاب جديد بعنوان «إشكالية التراث في الفكر العربي المعاصر»، للكاتب الأردني زهير توفيق. يقول المؤلف في هذا الكتاب إن إشكالية التراث تنطوي على طبيعية العلاقة بين الماضي والحاضر، أو الحداثة والتراث، فهل التراث امتداد زمني؛ أو استمرارية تلقائية من السابق إلى اللاحق، أم تقدم نوعي طبيعي (طفرة تاريخية) تمت على أساس النقد والقطيعة بين السابق واللاحق الذي تم تجاوزه الآن، هذه التساؤلات وغيرها يطرحها الكاتب الأردني زهير توفيق ويجعل منها مجالًا للنقاش والتحليل والتفسير في هذا الكتاب، ويفعل ذلك من خلال هدف رئيسي وهو عرض نظريات المفكرين العرب المعاصرين واستراتيجياتهم الخطابية في التراث ونقدها، بغض النظر عن حمولته الفكرية والأخلاقية، ومضامنية الإيديولوجية – التي تردنا إلى خطابات الهوية والأصالة-، أو البحث فيه عن نظرية تفسيرية في الفكر العربي المعاصر، بما يتجاوز السؤال التقليدي: ماذا نأخذ وماذا نترك من التراث؟ وهو السؤال التابع للتساؤل الإشكالي: كيف نقرأ التراث ونتمثله؟! يعبر التساؤل الأول عن رؤية إيديولوجية بامتياز، أما السؤال الثاني فسؤال في صلب الإشكالية المعرفية للتراث ويتعلق بطبيعية المناهج والقراءات وشبكة المفاهيم، واستراتيجيات القراءة وأدواتها الأصلية والدخيلة عند هذا المفكر أو ذاك، لاستقراء النص أو مقاربته خلافًا لمقاربة الآخرين، وكما يرى مؤلف الكتاب فقد تباينت طبيعية هذه القراءات ومستوياتها ومقدار اهتمام المفكرين العرب بالتراث، فمنهم من اعتبره قضية مركزية أولية يجب مواجهتها وحلها شرطًا للانتقال لما بعدها، فأفرد لها بحثًا مطولًا في سياق مشروعه الفكري العام، ومن هؤلاء: الطيب التيزيني وفهي جدعان وطه عبد الرحمن وغيرهم. ومنهم من عالجهم في سياق بحثه بوصفه مشكلة من مشكلات الفكر العربي المعاصر كمحمد أركون وعبد الله العروي وبرهان غليون. وفي هذا الإطار قدم المؤلف عرضًا لوجهات نظر كل مفكر على حدة، من خلال تلخيص مشروعه وتحليل مضمون أفكاره وكشف دوافعه الإيديولوجية، وعوائقه المعرفية المحركة لإنتاج هذا الفهم أو ذاك، ولهذه الغاية أيضًا تضمنت مادة الكتاب ثلاثة فصول رئيسية جاءت تحت العناوين الآتية: الفصل الأول: الاتجاهات الماركسية وتضم: مهدي عامل، حسين مروة، الطيب تيزيني، هشام غضيب، سلامة كيلة، غالي شكري، عبد الله العروي. الفصل الثاني: الاتجاهات العروبية والإسلامية وتضم: طه عبد الرحمن، محمد عمارة، عبد الله النديم، وحسن حنفي. الفصل الثالث: العقلانية النقدية وتضم: فهمي جدعان، محمد عابد الجابري، محمد أركون، نصر حامد أبو زيد، وبرهان غليون.