لمواجهة ظاهرة الثأر.. محافظ المنيا و«مجمع البحوث الإسلامية» يبحثان تفعيل مبادرة «من أحياها»    محافظ الجيزة يعقد أولى اجتماعات اللجنة التيسيرية لتطوير منطقة الكيت كات    72 شهيدا فلسطينيا بنيران الاحتلال في قطاع غزة منذ فجر اليوم    ريال مدريد يعلن نقل مبابى للمستشفى بعد التعادل مع الهلال السعودى    قبل لقاء اليوم| تعرف على القيمة السوقية للأهلي وبالميراس.. انفوجراف    مدرب إنتر ميامي يعلن موقف ميسي من مواجهة بورتو    «الداخلية» تكشف تفاصيل احتجاز أجنبي بسبب الخلاف على الاتجار في الدولار    وزير الثقافة ومحافظ القليوبية يتفقدان أعمال تطوير قصر ثقافة بنها.. صور    قيادات تموين الأقصر يقودون حملات للتفتيش على أسطوانات البوتاجاز.. صور    بحضور نائب وزير المالية.. الموازنة التشاركية في جلسة حوارية ببني سويف    شيخ الأزهر: الأزهر يولي طلاب باكستان عناية خاصة لنشر المنهج الوسطي    بنسبة 96,5%، الوادي الجديد تتصدر المحافظات بمبادرة سحب الأدوية منتهية الصلاحية من الأسواق    نوفاك: ارتفاع حجم التبادل التجاري بين السعودية وروسيا بنحو 62%    المبعوث الأمريكي لسوريا يحذر حزب الله من دخول الصراع بين إسرائيل وإيران    وزير خارجية إيران: قواتنا دمرت مقرا للقيادة والاستخبارات الإسرائيلية    أول رد من التجار على إعلان الحكومة اجتماع "لجنة ضبط الأسواق" اليوم    إزالة 4 مزارع سمكية مخالفة على أملاك الدولة شمال سهل الحسينية ببورسعيد    الذكاء الاصطناعي يتوقع تأثير موجة الطقس السيئ على لقاء الأهلي وبالميراس.. وكيفية التعامل معه    ليفربول يستهدف صفقة دفاعية في الصيف    آخر تعديلات قانون الإيجار القديم.. تحرير العقود بعد 7 سنوات.. 250 جنيها أجرة موحدة لمدة 3 شهور.. لجان لتحديد القيمة الجديدة بزيادة 15% سنويًّا.. وهذه ضوابط الحصول على وحدات سكنية من الدولة    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب تجارة العملة    انهيار حفار متوقف عن العمل بخليج السويس.. والوزارة: لا علاقة له بشركات القطاع    وزير الرى: طرح عقود تكريك نهاية ترعة السويس أول يوليو    تفاصيل حفل وائل جسار فى موازين بقيادة المايسترو عادل عايش    حين تنقشع الحرب، هبة الأغا تنقل صورة معاناة غزة لصالون إبداع المرأة المصرية    مينا مسعود ضيف معكم منى الشاذلي..اليوم    ملك أحمد زاهر تطمئن الجمهور على حالتها الصحية: "بقيت أحسن"    زواج منة شلبي بالذكاء الاصطناعي منها.. نجمات تصدرن التريند بسبب شائعات الارتباط والزواج    وراثي أو مكتسب- دليلك لعلاج فقر الدم    نائب رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الوطني للسياحة الصحية    فوائد الكركديه البارد، مشروب سحري مدر طبيعي للبول ويخفض الوزن    غدا قصور الثقافة تطلق قافلة ببرج العرب لدعم الموهوبين    إسرائيل تقر باستمرار قدرة إيران على إطلاق الصواريخ    وفاة معلمة بالفيوم أثناء أعمال تصحيح أوراق امتحانات الدبلومات التجارية    السجن المشدد 15 عاما لعاطل يروج المخدرات في الإسكندرية: 500 طربة حشيش في حقيبتين    محافظ القاهرة: أعلى قيمة لساعة انتظار السيارات 10 جنيهات    الصحة": نستهدف المشاركة في مبادرة الاتحاد الأفريقي لتوفير 60% من احتياجات القارة من اللقاحات البشرية مُصنعة محليًا بحلول عام 2040    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الأهلي وبالميراس    موعد التقديم وسن القبول في رياض الأطفال وأولى ابتدائي بالأزهر 2025    إسرائيل: قصفنا مفاعل آراك ومواقع نووية في بوشهر وأصفهان ونطنز    هل هناك مؤشرات إشعاعية علي مصر؟.. رئيس الرقابة النووية يجيب    مسابقة لتعيين أكثر من 4 آلاف معلم مساعد مادة الدراسات الاجتماعية    الرقابة النووية: نرصد الإشعاع عالميا ومصر على اتصال دائم بالوكالة الذرية    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكمًا قضائيًا خلال حملات أمنية بأسوان ودمياط    ننشر نتائج الطلبة المصريين بالخارج من مرحلة الابتدائي وحتى تانية ثانوي    «منخفض الهند الموسمي» | ظاهرة جوية تلهب ثلاث قارات وتؤثر على المناخ    رئيس الوزراء: الخميس 26 يونيو إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية والخميس 3 يوليو إجازة بمناسبة ذكري ثورة 30 يونيو    هل يؤثر مرض السكري على الجنين في بطن الأم؟ تفاصيل صادمة    محمد الشناوي: نحلم بالفوز أمام بالميراس وتصدي ميسي لحظة فارقة.. والظروف الآن في صالحنا    الرزق ليس ما تملك..بل ما نجاك الله من فقده    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    خارجية أمريكا: نطالب جميع موظفى السفارة فى تل أبيب وأفراد عائلاتهم بتوخى الحذر    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    ريبييرو: مواجهة بالميراس صعبة.. وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق الفوز    كوريا الشمالية عن الهجمات الإسرائيلية على إيران: تصرف غير قانوني.. وجريمة ضد الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب:«من النهضة إلى الحداثة» للدكتور عبد الإله بلقزيز

يعد المفكر المغربي الدكتور عبد الإله بلقزيز؛أستاذ الفلسفة بكلية الآداب،والعلوم الإنسانية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء،من أبرز المفكرين المغاربة الذين قدموا قراءات متميزة في خطاب الحداثة الفكرية في الوطن العربي،حيث عرف بقراءاته النافذة،ورؤاه الشاملة،ودراساته النقدية والتحليلية المستفيضة.
وفي كتابه:«من النهضة إلى الحداثة»الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت يرصد لحظة جديدة من خطاب الحداثة في الوطن العربي،تنطلق مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين،ويتوقف ملياً مع أهم أسئلتها الفكرية، ويتطرق إلى مجموعة من المسائل،والمساهمات التي تعتبر في جملة المواد الأكثر تمثيلاً لخطاب الحداثة منذ خمسينيات القرن العشرين،كما يقدم رؤى تحليلية و نقدية عن مجموعة من النصوص التي تعكس أفكار ممثليها،ويؤكد على ضرورة قراءة الحداثة في الفكر العربي بعيداً عن فكرة المضاهاة،والقياس بناءً على مثال سابق،ويلح على التسليم بأن ماهيتها كحداثة ناجمة عن نظرتها الحديثة،وذلك بمعزل عن مطابقتها،أو عدم مطابقتها للنظرة الأصل،كما يؤكد على الابتعاد عن فكرة النموذج الأوحد الذي يتأسس على تجاهل سياقات التطور التاريخي،وقانون التراكم في الفكر.
يقول المؤلف عن المفكرين،الذين رصد أطروحاتهم،وأفكارهم:«لا أحسب أحداً يجادل في قيمة أولئك الذين تناول الكتاب أطروحاتهم بالدرس،لكن الأهم من الأسماء-على أهمية كل واحد منهم- المسائل الفكرية التي طرقوها وقدَّموا رؤاهم فيها،فهي في مقام الأمّهات من مسائل الفكر العربي المعاصر»،كما يقرر في مقدمة الكتاب أن الحداثة الفكرية العربية ناجمة عن اتصال فكري عربي لم ينقطع بمصادر الفكر الغربي منذ قرن،ونصف القرن تخلله جميع أنواع الصلة من التقليد،والاقتباس،والاستلهام،والتأويل،والحوار،والنقد، وفي الوقت عينه نشأت للإجابة عن أسئلة خاصة بالمجتمع العربي،والثقافة العربية،ويذكر أن خطاب الحداثة في الفكر العربي المعاصر مرَّ من لحظتين فكريتين،وإشكاليتين امتدت الأولى حتى منتصف القرن العشرين،كان فيها نهضوياً،أي أنه كان خطاباً في النهضة،والثانية بدأت منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي،وكان فيها حداثياً،أي خطاباً في الحداثة،وقد فكّر الحداثيون النهضويون في مسائل التمدُّن،والحرية،والدستور،والعقل،كما تداولوا إشكاليات الأصالة والمعاصرة،والقديم والحديث،والأنا والآخر،ولم يشكلوا قطيعة مع مسائل النهضويين،وإنما قاموا باستعادتها من جديد،ولاسيما بعد الهزيمة،وصعود خطاب الأصالة،كما طرقوا موضوعات،لم يطرقها السابقون لهم كونها لم تفرض نفسها عليهم.
ويشير الباحث إلى أن هناك أربع سمات تتسم بها الموجة الثالثة من موجات الحداثة في الفكر العربي المعاصر منذ بدايتها في خمسينيات القرن العشرين:
أولاها أن مفكريها كانوا أكثر اتصالاً بمصادر الفكر الغربي،وتيارات الحداثة،كونهم تخصصوا أكثر من السابقين،الذين ألموا بموضوعات شتى،وتعددت اهتماماتهم،إضافة إلى أن الجيل الحداثي الجديد معظم رموزه تلقوا تكوينهم في حقبة الثورة المعرفية الجديدة التي شهدتها الثقافة الإنسانية منذ سنوات الثلاثينيات،وتأثروا بها،وانتموا انتماءً صريحاً إلى بعض مدارسها.
وثانيتها غلبة منزع أكاديمي في التأليف،و نقص في منسوب التبشيرية في التفكير،وذلك مقارنة بجيلي الحداثة السابقين،ولاسيما الجيل الثاني منهما.
وثالثتها العلاقة النقدية بالمرجعين الثقافيين:التراثي والغربي،حيث تميز جيل الحداثة الثالث بسعة اطلاعه على المصدرين،إضافة إلى أنه كان نقدياً تجاه المعرفة الغربية،وتجاه التراث كذلك.
ورابعتها تتصل بالسمة السابقة،وهي التركيبية،فالمؤلف يرى أن نزعة تركيبية نمت في خطاب الحداثة لدى الجيل الثالث من المفكرين،ويصفها بأنها«كناية عن نظرة إلى مسائل المعرفة والفكر التاريخي والسياسة والاجتماع تستدخل حقائق الميراث الثقافي والديني،وما تفرضه من تأثيرات في تشكيل رؤى الحاضر،وعلاقاته في رؤية حداثية تنشد التقدم،وتبني له فكراً بعيداً عن فكرة النموذج الجاهز».
بيئة الخطاب
يكشف الدكتور عبد الإله بلقزيز في القسم الأول من الكتاب أن الفكر العربي بتياراته المختلفة منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر ظل يدور حول إشكالية كبرى عامة هي إشكالية التقدم،وجميع الأسئلة الفرعية فيها تعبر عن هاجس التقدم،ويشير إلى أن الخطابات الثلاثة(الإصلاح،والنهضة،والحداثة)هي لحظات فكرية متعاقبة،ومتزامنة،وهي تعبيرات متنوعة تندرج ضمن إشكالية واحدة جامعة هي إشكالية التقدم،وتحت تأثير معطيات الثورة الوطنية، والثورة الفكرية في سنوات الخمسينيات،والستينيات ظهرت أسئلة فكرية جديدة،ومع جيل الثورة ولدت فكرة التحرر الوطني في أوجهها المختلفة:السياسية،والاقتصادية،والاجتماعية،والثقافية،وتولدت معها إشكاليات جديدة من بينها التحرر السياسي من الاستعمار،والسعي إلى الاستقلال،وكذلك التحرر الاقتصادي من التبعية للأجنبي،وتحقيق استقلال اقتصادي، والسعي إلى التنمية المستقلة،والتحرر الاجتماعي، والثقافي،والتخلص من التبعية الفكرية،وأدواتها،وذلك من أجل بناء الثقافة الوطنية،والثقافة القومية،وهكذا بدأ التحول،والانتقال من فكرة الحرية إلى فكرة التحرر لدى جيل الحداثيين الجديد،وقد آذن هذا الانتقال بالخروج من مرحلة التفكير انطلاقاً من مفهوم الفرد إلى مرحلة التفكير انطلاقاً من مفهوم الأمة،والشعب،والمجتمع،كما أدى إلى وقوع تحول كبير في مضمون إشكالية التقدم،وفي رهانات تحقيق أهداف المجتمع العربي،وقد تجلى هذا التحول في انتقال خطاب الجيل الجديد،جيل ما بعد الحرب من إشكالية النهضة إلى إشكالية الثورة،ومن مفهوم النهضة إلى مفهوم الحداثة.
تحت عنوان:«نقد المعرفة:التراث والغرب»يذكر المؤلف أن فكرة الحداثة،وبعد أن ملكت حقل المعرفة،والثقافة،وعرفت انتشاراً واسع النطاق في مختلف المؤسسات في سنوات الخمسينيات و الستينيات سرعان ما تبددت في الربع الأخير من القرن العشرين،والعقد الأول من القرن الحالي،وقد أخلت المجال لفكرة الأصالة،كما يذكر أن تجدد سؤال التراث في الفكر العربي لا يعني سوى أن الثورة والحداثة لم تقدما حلاً لمشكلة العلاقة بالماضي،لأنهما لم تجيبا عن أسئلة معاصرة،لو أجيب عنها بشكل صحيح وتاريخي،لما تم الالتجاء مرة أخرى إلى المنظومة التراثية،ويرى الدكتور بلقزيز أن الهدف الفكري الذي ظل واحداً على امتداد أربعين عاماً،وإن تنوعت وسائل تحصيله إشكالياً،ومنهجياً هو:نقد التراث،من حيث إنه سلطة مرجعية في الفكر والمجتمع،ونقد العقل الذي أنتج تلك السلطة في الماضي،ويعيد إنتاجها في الحاضر.
وبخصوص نقد الفكر الغربي رأى المؤلف أنه كان نقداً إيديولوجياً في معظم الأحيان،ولم يركز اهتمامه بالمعرفي في هذا الفكر،أما المرحلة الثانية من النقد التي بدأت مع الجيل الجديد،جيل الثورة والهزيمة فهي تختلف عن الأولى ،إذ أنها موجة نقد فكري،وفلسفي عميق لمنظومات الفكر الغربي،ومن قاموا بها هم مفكرون عارفون بهذا الفكر،ومطلعون على مصادره،كما أنها موجة نقد معرفي قام به مثقفون لم تعد أفكارهم على مسافة كبيرة من الليبرالية بعد أن ظهر أنها محطة في تاريخ الفكر والمجتمع لا يمكن تجاوزها.
ويذهب الدكتور عبد الإله بلقزيز إلى أن ذلك النقد يمكن رده إلى ثلاث لحظات نقدية كان موضوعها الإجمالي هو الفكر الغربي،فقد انصرف في لحظته الأولى إلى الليبرالية في الفكر الغربي من منظور تاريخي جدلي،وتركز في اللحظة الثانية على العقل الغربي،ومضمونه الفلسفي،وآليات التفكير فيه،وموجهاته،وبذلك فقد كان نقداً للحداثة من داخل الحداثة نفسها،أما في اللحظة الثالثة فقد تناول المعرفة الغربية بالإسلام(الاستشراق)،وتزامن مع تزايد الاهتمام بتحليل ونقد المعرفة التراثية.
الدولة الوطنية والحداثة السياسية:التراكم والإخفاق
عالج المؤلف في القسم الثاني من الكتاب جملة من القضايا تتصل بمنطق الدولة الوطنية،والنهضة،والثورة،والعلمانية،وغيرها،وقدم مناقشات متميزة،ويرجع الدكتور عبد الإله بلقزيز اهتمامه بموضوع الدولة الوطنية إلى ثلاثة أسباب رئيسة:
أولها يرجع إلى أن سؤال الدولة كان سؤالاً رئيساً في وعي مثقفي الحداثة العرب المعاصرين،وقد تجلى في الكثير مما كتبوه،وظهر في مؤلفاتهم،وهذه ليست خاصية ينفرد بها مثقفو الحداثة،بل ظهرت مع من سبقهم من مفكري القرن التاسع عشر.
وثانيها يعود للصلة الموضوعية بين التفكير في ظواهر مختلفة للحداثة،والتفكير في الدولة الوطنية على اعتبار أنها البؤرة التي تتجمع فيها تلك الظواهر،أو تتقاطع.
والسبب الثالث يرجع إلى أن الدولة تشكّل رهاناً رئيساً لإنجاز الحداثة،وتحديث المجتمع.
في مناقشته لمنطق الدولة الوطنية ذكر بأن الدكتور أنور عبد الملك لعله يكون الأول في جيل الثورة الذي دشن التفكير مجدداً في مسألة الدولة الوطنية من ضمن تفكير أشمل في مسألة النهضة،وقد رأى أنه كان في المكان المناسب الذي يسمح له بإثارة المسألتين من جديد:مصر،وفي الزمن المناسب الذي يحمل على تلك الإثارة، وهو زمن الثورة،وقد انطلق في معظم ما كتب من حالة مصر،ولكن استنتاجاته –كما يرى المؤلف-قابلة للانطباق على مجمل الوطن العربي،ليس لأنه يجد طريقة في كتاباته يربط بين وضع،ووضع البلدان العربية فحسب،وإنما نظراً لتشابه الحالة المدروسة مع حالة البلاد العربية عامة،ولوجود السؤال النهضوي نفسه في جوف الفكر العربي.
توقف المؤلف ملياً مع رؤية علي أومليل للدولة الوطنية،وذلك على نحو ما تمثلها الإصلاحيون الإسلاميون في القرن التاسع عشر،و الإحيائيون الإسلاميون في القرن العشرين،فقد اهتم علي أومليل اهتماماً كبيراً بالبحث في سؤال الدولة الوطنية في الوعي الإصلاحي الإسلامي،وأثار جملة من الأسئلة في منتهى الأهمية عن كيفية تولده؟وتساءل عن الشروط التي نشأ فيها؟ وكيف تمثل الإصلاحيون تلك الدولة؟وما مفهومها في وعيهم؟ وغيرها من المساءلات العميقة التي ناقشها بعمق،وموضوعية.
وينظر الباحث إلى الرؤى المقدمة من قبل علي أومليل في سعيه لبيان سياقات التفاعل بين وعي الإصلاحية العربية،والأفكار الليبرالية الحديثة الوافدة في ركاب الدولة الوطنية الحديثة بأنها شديدة الموضوعية،حيث إن علي أومليل-كما يرى المؤلف-كان شديد الحرص،والتأكيد على الحاجة إلى أخذ ظرفية التلقي،والاستقبال في حسبان التحليل،وذلك لفهم الأسباب التي حملت الإصلاحية على نوع محدد من الإدراك لمنظومة المفاهيم الحديثة،وللدولة الوطنية فيها على نحو خاص،كما أن احترازاته العلمية المشروعة التي تهدف لتقديم قراءة موضوعية تتسم بالإنصاف لم تمنعه من بيان الآثار الفادحة التي نتجت عن ذلك النوع من التأويل الإصلاحي للأفكار،والمفاهيم الحديثة على صعيد تشكيل فكرة إصلاحية حديثة غير انتقائية،فالدكتور علي أومليل في قراءته لفكرة الدولة الوطنية يدعو إلى تحري الانتباه الأقصى في قراءة مفردات هذا الوعي ومفارقاتها،وإلى وجوب إرجاعها إلى شروطها التاريخية التي تشكلت فيها.
خطاب الحداثة
في القسم الثالث من الكتاب،وتحت عنوان:«الدولة والإصلاح:مطالعات نقدية»رأى الدكتور بلقزيز أن المفكر عبد الله العروي خطا خطوة غير مسبوقة في مناقشاته لإشكالية الدولة،والتنظير لها،وقد شغل بمسألة الدولة منذ ولوجه عالم الكتابة،وعني بالكثير من القضايا المتعلقة بإصلاحها،واقترن الهاجس الإصلاحي عنده بنقد نظامها السياسي،وطريقة أدائها،ويعلق على جهود الدكتور عبد الله العروي في هذا الشأن بقوله:«لا نعلم نصاً نظرياً رصيناً في إشكالية الدولة في نطاق الفكر العربي المعاصر أكثر عمقاً ورصانة من كتاب العروي«مفهوم الدولة»،كتب كثيرون نصوصاً عميقة في تحليل الدولة في البلاد العربية المعاصرة-وغالباً من موقع علم الاجتماع السياسي-مثل تلك التي كتبها خلدون حسن النقيب،ووضاح شرارة،ومحمد جابر الأنصاري،وبرهان غليون،وبعضهم من موقع علم السياسة مثل غسان سلامة،أو من موقع الأنثروبولوجيا السياسية،وعلم الاقتصاد مثل جورج قرم...،غير أن كتاب العروي يظل الأكثر استيفاءً لمعنى النص التنظيري».
وفي مناقشته لمعنى الحداثة ذكر أنه يتردد في معظم صفحات مقالات ودراسات ياسين الحافظ التي كتبها منذ النصف الثاني من الستينيات،وقد عرض بالتعريف لمعنى الحداثة،وما يرتبط بها من مفاهيم في مستهل كتابه«التجربة التاريخية الفيتنامية»ضمن مسرد مفاهيمي تطرق فيه لجملة من التعريفات تدور خمسة منها في فضاء مفهوم الحداثة،وقد رأى أنها نمط حضارة مميز يتناقض مع التقليد،فالتقليد ينجذب نحو الماضي،في حين أن الحداثة تنزع نحو المستقبل، وتظهر في شتى الميادين:الدولة الحديثة،والتقنيات الحديثة،والآداب والفنون الحديثة،والأفكار الحديثة.
ويعرِّف ياسين الحافظ الليبرالية بأنها منظومة الأفكار،والقيم التي تكونت في الغرب في القرنين السابع عشر،والثامن عشر،وحاربت بها الطبقة البرجوازية الفتية الأفكار،والأنظمة،والقيم،والمؤسسات الوسطية-الإقطاعية،وما تميز به ياسين الحافظ أنه يشدد أكثر على النظر إلى محتواها الثوري،أي على اعتبار أنها ثورة على منطق العصور الوسطى،وعلى نظمها ومؤسساتها،أكثر من تشديده على جوانب الطفرة الفكرية فيها.
أما التاريخانية فهي تلك النظرة التي تتمسك بمبدأ خضوع التطور الإنساني للمجتمعات،والبنى،والأفكار لمنطق التاريخ،أي لمنطق الانتقال الموضوعي من مرحلة إلى مرحلة تتولد عنها،ولا تخرج من عدم،فهي النزعة التاريخية التي أطلق عليها العروي اسم التاريخانية.
ويرتبط بهذه المفاهيم الثلاثة مفهوم العقلانية،وهي في صورتها الحديثة،ووفقاً لتعريف الحافظ فلسفة الأنوار،أو هي الليبرالية على الصعيد المعرفي،وقد بدأت كرؤية جديدة للعالم في ضوء نتائج الاكتشافات العلمية.
ويتعلق المفهوم الخامس بمسألة العلاقة بين الدولة والدين،ويشير الدكتور عبد الإله بلقزيز إلى أن الجامع بين هذه المفاهيم هو المفهوم الشامل للحداثة،بحيث تبدو تجليات مفاهيمية له،أو تشكيلات فرعية منه.
وفي الفصل الأخير من هذا القسم الذي جاء تحت عنوان:«في الدفاع عن الحداثة ونقدها»عالج المؤلف الكثير من المسائل المتعلقة بمعنى الحداثة،وصورتها في الوعي العربي،والحداثة الأوروبية وديناميتها الداخلية،وإخفاق التحديث السياسي.
وتوقف مع رؤى المفكر هشام جعيط،وتحليلاته المتميزة،حيث يرى أن هشام جعيط واحد من المفكرين العرب المعاصرين القلائل الذين يمثلون جيلاً فكرياً نهضوياً جديداً،وتمثل أعمالهم لحظة فكرية نوعية جديدة في مشروع النهضة الثقافية العربية،وهي اللحظة النهضوية الثالثة في الفكر العربي المعاصر،وأوضح رؤية جعيط للحداثة ،إذ يرى أنها ليست حقيقة زمنية دياكرونية تراكمية وكمية في المغامرة الإنسانية،بل إنها ثورة في تطور تلك المغامرة،وتحول حاسم في مسارها،وفي منطقها لم يكن له نظير في الحدة،والأهمية منذ آلاف السنين،وهي ليست فقط مسألة بروز،ونمو وازدهار حضارة جديدة أخرى سيطرت على غيرها من الحضارات،بل هي عبارة عن تحول عميق في تطور الإنسانية،فهي قطيعة مع ماضٍ حضاري حكمه منطق التراكم،والتطور داخل البنية التاريخية-الثقافية عينها،وإنشاء لنظام من التراكم،والتطور جديد.
العنوان:
الأستاذ/محمد سيف الإسلام بوفلاقة
ص ب:76 A ( وادي القبة) -عنابةالجزائر
Èالمحمول: 775858028 (213)00
الناسوخ (الفاكس) : 35 15 54 38 (213)00
البريد الإلكتروني : [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.