بيان الدول الغربية المشترك أول أمس ورفض مجلس الأمن لطلب مصر بتسليح الجيش الليبي، والانتفاض القطري عن طريق الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ضد الضربة الجوية المصرية لداعش في ليبيا طرحوا عدد من علامات الاستفهام حول أفق المساعي المصرية تجاه الوضع الأمني في ليبيا الذي بات يهدد مصر بشكل مباشر، كذلك موقف حلفاء القاهرة وعلى رأسهم السعودية من هذه المساعي. ومدى ارتباط ذلك بالحرب على داعش المعلنة من قبل الولاياتالمتحدة وحلفاءها. بالدول الغربية (الولاياتالمتحدة، فرنسا، إيطاليا، أسبانيا، انجلترا) أوضحت في بيانها المشترك أن لا حل عسكري في ليبيا ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وأن توجه هذه الدول هو الحل السياسي. الأمر نفسه كان محصلة جلسة مجلس الأمن لمناقشة طلب مصر المقدم من خلال مجموعة الدول العربية في المجلس برفع حظر توريد الأسلحة للحكومة الليبية الشرعية المعترف بها دولياً. وحتى بعد خفض مصر لمطلبها الأساسي بالتدخل العسكري عقب بيان الدول الغربية وحصر مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن في رفع حظر السلاح فأن المطالب المصرية قوبلت بالرفض، سرعان ما تطور إلى هجوم وحصار للمساعي المصرية الرامية إلى مواجهة الإرهاب لخصه عبد اللطيف الزياني، أمين عام مجلس دول التعاون الخليجي –سرعان ما تم نفي انه بيان رسمي- في بيانه اليوم الذي تضمن رفض دول مجلس التعاون بما فيها السعودية للتوجه المصري، ذلك عقب تحفظ قطر على مشروع قرار لجامعة الدول العربية بجعل خطوات مصر العسكرية في ليبيا "متفهمه" من جانب دول الجامعة. مصر على لسان المتحدث بأسم وزارة خارجيتها، بدر عبد العاطي، اعتبرت أن المجتمع الدولي يكيل بمكيالين تجاه داعش، ففي حين يسمح بضربات جوية ضده في العراقوسوريا فأنه يعتبر أن التعاطي السياسي في ليبيا هو الحل حتى مع تواجد تهديد خطير متمثل في التنظيم لمصر ودول الجوار الليبي وقبلهم الشعب الليبي، الذي رأى الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديث مع راديو أوربا عشية انعقاد مجلس الأمن أنه تُرك رهينة لدى الجماعات التكفيرية والمتطرفة بعد الإطاحة بالقذافي، حيث أن الدول الأوربية لم تكمل مهمتها على حد قوله. لا دعم للخطوات المصرية في ليبيا..حتى من حلفاءها! مثلت ليبيا منذ 2013 ساحة صراع بين المحور الإخواني (قطر-تركيا) وبين محور الاعتدال (مصر-الإمارات-السعودية) حيث الأول الداعم للإخوان المسلمين والثاني الذي أرادت دوله وقتها القضاء على ما تبقى من نفوذ للجماعة في المنطقة بعد الثلاثين من يونيو، وما تبع ذلك في عدد من الأقطار العربية على رأسها ليبيا، فدعمت مصر والإمارات قوات اللواء خليفة حفتر، الذي استهدف بما أطلق عليه "عملية الكرامة" إلى انهاء حالة اللادولة في ليبيا منذ 2012 بداية من حل ونزع سلاح المليشيات هناك وإعادة تأسيس جيش وطني، يبتعد عن الأطر السياسية المتناحرة كانعكاس لصراع المحاور بالدرجة الأولى، حيث استفادت قطروتركيا من حالة الفراغ السياسي والانهيار الأمني في ليبيا بل وساهموا في تكريس هذه الحالة بهدف جعلها مخزن سلاح ونقطة تجمع المقاتلين الأجانب من جنوب المتوسط ومن ثم نقلهم إلى تركيا لدخول سورياوالعراق، وذلك حسبما ذكر المحقق الصحفي الشهير سيمور هيرش في تحقيق استقصائي له في إبريل الماضي. باستثناء الإمارات، أتى رد الفعل الاقليمي والدولي على الغارات المصرية التي استهدفت معسكرات داعش في مدينة درنة كان مخيباً للآمال المصرية، التي فيما يبدو اعتقدت أنه بما أن "داعش" مدرج طبقاً لقرار مجلس الأمن 2170 كتنظيم إرهابي يجرم دعمه طبقاً للبند السابع للأمم المتحدة فأن التوجه المصري الرامي لحل عسكري بمظلة دولية وإقليمية سيكون مرحب به في ظل ما هو معلن من جانب الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وكذلك حلفاءها الاقليميين أنهم في حلف يهدف إلى مواجهة "داعش". لكن بيان الدول الغربية الموحد وتصريحات أمين التعاون الخليجي، واعتراض قطر على مشروع مصر في الجامعة العربية ونهاية بما نتج عن جلسة مجلس الأمن في السياق ذاته أكد أن لا نية حالية لأي من الأطراف السابقة في عمل عسكري سواء محدود أو واسع النطاق أو تضمين محاربة "داعش" في ليبيا في أجندة التحالف الدولي ضده في العراقوسوريا. بالإضافة إلى ذلك أتت رؤية من الجزائر وتونس حول الوضع في ليبيا متلخصة في اجراءات حمائية ودفاعية تقتصر على اراضي الدولتين، ومع تحبيذ الحل السياسي. وتجدر الإشارة هنا إلى المساعي المصرية التي رمت إلى تقريب وجهات النظر بينها وبين الجزائر وإيجاد صيغة عمل مشتركة في ليبيا منذ تولي السيسي الرئاسة، ولكن وبعد شهور تبين أن الجزائر تتبع ما يمكن أن نطلق عليه سياسية "النأي بالنفس" عن الأوضاع في ليبيا، طالما أن حدودها مؤمنة وبعيدة عن التهديدات الإرهابية، وخاصة وأن الجزائر لها ترتيب أخر مع فرنسا في منطقة جنوب الصحراء الكبرى لمحاربة التنظيمات الإرهابية هناك وهو ما يعني أن فتح جبهة جديدة في ليبيا قد يكون سابق لأوانه خاصة مع عدم وضوح من ستكون له اليد العليا في تكتل اقليمي مع مصر خاص بليبيا، وعلى أي أساس سيكون قرار التحرك والمبادرة هناك. ضغط سعودي على مصر؟ قد يكون الأمر طبيعياً بالنسبة للولايات المتحدة، التي ترى أن لا حرب "مشروعه" سوى حروبها وتلك الأخرى التي تتحقق من ورائها مصالحها. وبالنسبة للدول الأوربية فأنها مازالت ترى نفسها وصية على دول جنوب المتوسط حتى بعد انتهاء مرحلة الاستعمار منذ عقود، وانشغال هذه الدول بترتيبات أمنية وعسكرية أهم في الشرق المتوسط وجنوب أوربا تقع على رأس أولويات هذه الدول التي لا ترى في فتح جبهة قتال جديدة ضد داعش في ليبيا أمراً مثمراً. وقبل كل ذلك المصلحة الاقتصادية والسياسية التي ستعود عليهم من حرب جديدة في ليبيا المقسمة منذ حلقت طائرات حلف الناتو وبعض الدول العربية فوقها قبل أربعة أعوام نظير وعود نفطية دسمة. أي وبشكل مختصر لا توجد مصلحة أميركية أو أوربية في عمل عسكري في ليبيا حتى ولو كان ضد "داعش" بشكل حصري. فيتبقى الأمر رهن الصراعات الاقليمية بين مصر وحلفاءها من جهة وقطروتركيا من جهة أخرى. وفيما يتعلق بالنقطة السابقة، نلاحظ أن المساعي المصرية لحل عسكري في ليبيا دُعمت من جانب الإمارات فقط، حيث الغارة المشتركة على مواقع قرب مطار طرابلس ومصراته في اغسطس الماضي. وقتها التزمت السعودية دعم الخطوة المصرية الإماراتية المشتركة ولكن مع التشديد على أن الأمر لا يعنيها بذاتها ولكن يعني حليفتها مصر ويهدف في النهاية إلى الضغط على قطر بشكل أو بأخر للقبول بالمصالحة الخليجية بشروط السعودية. أما الأن تحركت السعودية ضد المصلحة المصرية وأبرز مثل على ذلك حتى الأن هو بيان أمين عام التعاون الخليجي والذي إذا وضع بجانب صمت "سلبي" من جانب السعودية تجاه الضربة الجوية المصرية الأخيرة، بالإضافة لمؤشرات تصالح السعودية مع جماعة الإخوان والدول الداعمة لها وخروج مباحثات ذلك إلى العلن، وظهور مؤشرات لخلافات بين السيسي وسلمان -حيث بنى الأول تحالفه مع السعودية على استمرار جناح الملك عبدالله ونجله ورئيس ديوانه الملكي في الحكم ولكن سرعان ما أطيح بهم خارج المنظومة الحاكمة الجديدة في السعودية- نجد أن الرياض قد اتجهت لجعل ليبيا ورقة ضغط على النظام المصري ودافع تقارب مع الإخوان، ويرتهن ذلك ببراجماتية مفادها دعم مصر للسعودية في اليمن مقابله دعم السعودية لمصر في ليبيا، وتقارب مع الإخوان ومحورهم في ليبيا نظير تقريب وجهات نظر الرياض وأنقرة فيما يتعلق بالصراع مع طهران. وهو ما يفسر الاتجاه المصري الظاهر إعلامياً خلال اليومين الماضيين تجاه الأزمة اليمنية، حيث التعاطي مع الحوثيين كونهم مكون أساسي في اليمن، وحوار صحيفة المصري اليوم مع محمد على الحوثي-يعتبره البعض الحاكم الفعلي لليمن- الذي تحدث فيه بإيجابية عن مصر وأهميتها لليمن. بالإضافة للمؤشر السابق جاءت تصريحات المندوب الروسي الدائم لدى الأممالمتحدة، فيتالي تشوركين، أمس لوكالة الأنباء الروسية حول الضربة المصرية لداعش في ليبيا، لتفتح أفق جديد حول امكانية تغير البوصلة السياسية المصرية حسب اتجاه مصلحتها السياسية لا المصلحة السعودية، حيث جاء في تصريحات تشوركين أن "مصر دولة تربطها علاقات صداقة مع روسيا (..) لا تستبعد امكانية مشاركة بلاده في تحالف دولي ضد الإرهابيين في ليبيا، بما في ذلك تأمين حصار بحري لمنع وصول الأسلحة إلى المتطرفين". الخلاصةّ، إذا عزمت مصر في استمرار توجهها الحالي تجاه التهديد على حدودها الغربية ودعم الحكومة الليبية الشرعية وجيشها ومحاربة تنظيم داعش فأن ذلك سيتطلب مظلة إقليمية ودولية اتضح خلال الأيام الأخيرة أن حلفاء القاهرة –باستثناء الإمارات- لن يوفروها بل واتجه أهم حليف وهو النظام السعودي إلى التلاقي مع خصوم القاهرة، الدوحة وأنقرة، على أكثر من محور. وهو ما يعني أن على القاهرة إيجاد بدائل اخرى قد تتطلب تغيير في سياسياتها على المستوى الاستراتيجي لا التكتيكي، ناهيك عن تخلي تام لأجندة حرب الولاياتالمتحدة المزعومة ضد "داعش" واللجوء إلى أجندة أخرى تهدف إلى القضاء على التنظيم الإرهابي لا تحجيمه.