شغلت المياه الجوفية اهتمام كثير من الخبراء والمتخصصين بعد إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى، البدء فى استصلاح مليون فدان كمرحلة أولى من المشروع القومى لاستصلاح 4 ملايين فدان خلال الفترة المقبلة؛ لاعتماد 90 % من هذه الأراضي على المياه الجوفية في الري. ويبلغ عدد الآبار الجوفية بمصر 77 ألف، يتم استخدامها فى سد العجز المائى أثناء فترات أقصى الاحتياجات أو خلال سنوات العجز المائى فى إيراد نهر النيل، ولذلك يتم عمل مسح شامل للآبار سواء المستغلة فى الرى أو الشرب أو الصناعة؛ لتقدير الكميات المستغلة من الخزان الجوفى، ومراقبة التغير فى مناسيب المياه الجوفية ودرجة الملوحة، لذا يعتبر استغلال المياه الجوفية فى دلتا نهر النيل بمنزلة استغلال غير مباشر لمياه نهر النيل والترع الرئيسية والفرعية. يقول الدكتور حسام مغازي، وزير الموارد المائية والري، إن الآبار الجوفية تتوزع فى عدة مناطق مثل الفرافرة القديمة والجديدة، والتي تتوافر بها المياه الجوفية على أعماق تصل لنحو ألف متر، ومن ثم فإن تكلفة حفر هذه الآبار تكون مرتفعة تصل إلى 2 مليون جنيه، لكن المياه تتدفق منها بتصرفات عالية دون الحاجة لمصدر طاقة لرفعها، وعلى الجانب الآخر، هناك مناطق مثل توشكى والمغرة وغرب المنيا وشرق العوينات، توجد فيها المياه على أعماق صغيرة "300 متر". ولفت إلى أنه نتيجة النقص الذى تعانيه مصر فى مصادر الطاقة، لابد من الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والمتوفرة مثل الطاقة الشمسية؛ لأنها تعتبر طاقة نظيفة غير ملوثة للبيئة، مما يعطيها قيمة اقتصادية مضافة، مضيفا: «بالرغم من تكلفتها العالية فى تشغيل الآبار بالطاقة الشمسية، فإن لها مردودا اقتصاديا على المدى القصير، ومردودا بيئيا على المدى البعيد، كما أنه يتم استعاضة تكاليف التشغيل والصيانة مقارنة باستهلاك الديزل والسولار، وتتميز هذه الطاقة بانخفاض تكلفة العمالة المطلوبة للتشغيل والصيانة، وضمان استدامة المخزون الجوفى وعدم حدوث نضوب نتيجة السحب الجائر باستخدام الطاقة التقليدية». وأوضح الوزير أن هناك اعتقادا سائدا بأن الاعتماد على المياه الجوفية فى ظل ارتفاع تكلفتها، يعد نوعن من الترف، إلا أنه في ظل محدودية إيراد نهر النيل والزيادة المطردة فى عدد السكان والاعتداء المستمر على الدلتا، يعد ضرورة ملحة، بجانب أهميتها لخلق مجتمعات عمرانية حديثة للخروج من الوادى الضيق الذى لا تزيد مساحته على 5%، إلى رحابة الصحراء التى تغطى أكثر من 95% من مساحة مصر، وهذه المجتمعات لن تكون زراعية فقط، بل صناعية وسياحية أيضاً مثلما حدث فى مناطق عديدة كانت صحراء وأصبحت من أجمل المدن حاليا. وأشار "مغازي" إلى أن وزارة الموارد المائية والرى، أجرت دراسات عديدة لتحديد الأماكن الواعدة بالمخزون الجوفى؛ لتبدأ بها المرحلة الأولى من برنامج استصلاح وزراعة مليون فدان للتأكد من توافر المياه الجوفية بما يضمن استدامة تلك المشروعات الزراعية، مع وضع الضوابط الصارمة لاستخدامها مثل الاعتماد على نظم الرى الحديثة، وعدم زراعة المحاصيل الشرهة للمياه، وتركيب العدادات "لعدم الاستخدام المفرط ومحاسبة المخالفين"، وإصدار التشريعات القانونية للحماية من الاستنزاف والتلوث، وهو ما تقوم به الوزارة حاليا من وضع تشريع جديد لحماية المياه الجوفية وضوابط استخدامها وتقنين أوضاع الآبار، حيث إن مخزون المياه الجوفية هو رصيد للأجيال القادمة. من جانبه، قال الدكتور مغاوري شحاتة، رئيس الجمعية العربية للمياه الجوفية، إنه يجب الأخذ في الاعتبار عدة نقاط عند وضع مخططات التنمية على المياه الجوفية، ومنها أن يتم الالتزام بمواصفات تصميم الآبار مثل العمق، وطول المصافى، ومعدل السحب الآمن، وعدد ساعات التشغيل، والمسافات البينية بين الآبار، وانخفاض معدل تغذية للخزان الجوفى من مياه الأمطار والسيول، واتصال الخزان السطحى بمياه البحر المالحة، مشددا على ضرورة حماية الخزان الجوفى السطحى من مصادر التلوث المحتملة، كالتصميم غير الآمن للمدافن الصحية استخدام المواد الكيماوية والمبيدات فى الزراعة والمساحات الخضراء وعدم التخلص الآمن من المخلفات السائلة. وأكد "شحاتة" على ضرورة التعامل مع المياه الجوفية بفكر ومنهجية تختلف عن التعامل مع المياه السطحية، حيث إن طبيعة وجودها تكون داخل الفراغات الصغيرة أو التشققات فى باطن الأرض، وأن سوء إدارة الآبار الجوفية قد يؤدى لتدهور نوعية تلك المياه على مر الزمن، وهذا النوع من التدهور يأتى نتيجة مصادر تلوث طبيعية أو مصادر بشرية مثل الكيماويات المستخدمة فى الزراعة ومخلفات الصرف الصحى والصناعى ومخلفات محطات تحلية المياه. وطالب رئيس الجمعية العربية للمياه الجوفية بضرورة التطبيق الحازم لقانون رقم 12 لسنة 1984م ولائحته التنفيذية والمنظمة لاستغلال مصادر المياه الجوفية وحمايتها من التلوث، وتوجيه الإرشاد الزراعي للتركيز على أسس ومعدلات استخدام المخصبات الزراعية والمبيدات بهدف إقلال المتسرب منها إلى الخزانات الجوفية، وعدم السماح بحقن الملوثات الصناعية والآدمية في الخزان الجوفي، مع مراقبة خزانات البترول الأرضية وضمان سلامتها من الشروخ لمنع تسرب المواد البترولية إلى المياه الجوفية.