نوع من التغريد خارج السرب أن يصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاباً يحمل عنوان: (الطريق إلى سينما 25 يناير) للكاتب والناقد السينمائى محمد بدر الدين، الذى ظل لسنوات طويلة فى خندق المعارضة الأصيلة لسياسات السادات ومبارك ومرسى، ولا يبدو راضياً حتى عن السياسات الحالية!. ربما ليس على سبيل المصادفة أن يكون للكاتب نفسه هذا العام كتاباً آخر تصنيفه سياسى، بعنوان: (تجديد الفكر الناصرى – نهج جمال عبد الناصر وجمهورية 25 يناير)، ربما هو التوثيق أو التثبيت للحظة وقيمة "25 يناير" فى وقت تتحرك فيه جحافل "إعلامية" مدفوعة بميزانيات مفتوحة فى محاولة لوأد أثرها ومعناها إلى الأبد. جاء "تقديم" الكتاب موضوعنا فى هذا العرض، للناقد السينمائى القدير سمير فريد؛ ليشهد للكاتب صدقه فيما يطرحه من منطلق توجهه الناصرى والذى يختلف مع ليبرالية فريد نفسه، وهى ليبرالية لم تتناقض مع اعتزازه بجمال عبد الناصر ولا تخلو من انتقادات لتجربته. يميز الكاتب فى بابه الأول بين مصطلح (سينما الثورة) ويتعلق بالأفلام السينمائية التى تتناول موضوعات ثورية ونضالية، ومصطلح (ثورة السينما) الذى يتعلق بالثورة السينمائية التى تأتى تالية للثورة الشعبية / السياسية حين تتألق، وتشهد تجديداً، وتتدفق إبداعات سينمائية فى الصورة والمضمون بصرف النظر عن موضوعها. فى ضوء هذا التمييز يقسم بدر الدين أفلام (السينما والثورة) إلى مجموعات ثلاث (أولاها) سينما عن مصر ما بين الثورتين (1919 – 1952)، والتى أنتج معظمها وأهمها خلال مرحلة ثورة يوليو (1952 – 1970). والمجموعة الثانية هى السينما عن ثورة يوليو، والثالثة هى سينما ما بعد يوليو وحتى قيام ثورة 25 يناير 2011. فى الباب الثانى يؤكد بدر الدين على نضج وتألق السينما التسجيلية فى تناول قضايا (25 يناير) فى مقابل سطوع أقل للأفلام الروائية المحدودة التى تعرضت للثورة. يعرض الكاتب لمجموعة من الأفلام التسجيلية المتميزة التى طالما أجادت ولم تنل دائماً حظ الأفلام الروائية، من هذه الأفلام (فليشهد العالم) لسعد نديم عن حرب السويس فى 1956 ومدينة بورسعيد تحديداً وعرض ملامح العدوان عليها ومآثر صمود أهلها، ومنها مجموعة عن حرب 1973 مثل (جيوش الشمس) لشادى عبد السلام و(أبطال من مصر) لأحمد راشد. أما عن (25 يناير – 30 يونيو) فيتناول محمد بدر الدين بالتفصيل أفلام (اسمى ميدان التحرير) لعلى الجهينى، عن الطفل محمد سعيد الذى ولد فى (14 أكتوبر 1981) فعاش "مملكة مبارك لمدة ثلاثة عقود كاملة" حتى اللحظة التاريخية: (شعب واحد ومطلب وحيد: ارحل يا مبارك). وفيلم (جمعة الرحيل) لمنى العراقى وهو "الفيلم الأخاذ عن الثورة" على حد تعبير الكاتب، والذى يوثق أحداث الثورة بسلاسة بدءاًً من عودة المخرجة إلى القاهرة مع أولى التظاهرات، التى أخذت فى التطور حتى صارت "مليونيات غضب شعبى" ومجتمع كامل "معجزة" فى ميدان التحرير. ويشير الكاتب أيضاً إلى فيلم (18 يوم) المكون من 10 أفلام قصيرة لعشرة مخرجين، والفيلم التسجيلى الطويل (التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسى) المكون من ثلاثة أقسام من إخراج عمرو سلامة وتامر عزت وآيتن أمين. ويتطرق الكتاب فى بابيه الأخيرين إلى تجارب للسينما الروائية عن الثورة بفصول في النقد التطبيقى، فنجد لمحاته جديدة جادة، وتناوله عميقاً لهذه التجارب؛ بدءاً من فيلم (بعد الموقعة) ليسرى نصر الله، والذى عاب عليه السذاجة الدرامية والسطحية فى تناول قضية الثورة، وهنا يقارن الكاتب بين أن يكون موقف صناع الفيلم (مع) الثورة كما في "بعد الموقعة"، أو يكونوا شركاء (فيها) كصناع فيلم (الشتا اللى فات) مخرجه إبراهيم البطوط وأبطاله وبينهم فرح يوسف وعمرو واكد، وصناع فيلم (بعد الطوفان) إخراج حازم متولي وبطولة حنان مطاوع. والزاوية التى يحاول الكاتب أن يثبتها هنا: فيما يتعلق بموضوعات الثورة فإن من شارك فيها من الفنانين يصبح أداؤه أكثر حيوية وصدقاً ممن أكتفى بمشاهدتها. يلتفت الكاتب ويعيد مشاهدة مجموعة من الأفلام التى أعتبرها على الطريق إلى 25 يناير، ومنها.. فيلم (عودة الابن الضال) لصلاح جاهين ويوسف شاهين، والاشارات التى تبدو وكأنها توقعات، ويتذكر منها تصدى الممثل على الشريف على حصانه لجموع المتظاهرين الناشدين لأغنية (الشارع لنا) مهدداً لهم: "كله يخش الشق.. مفيش هأ ومفيش مأ..!!" وكأنها نبوءة ما عن الثورة وعن أحد حلقاتها كموقعة الجمل. ثم (طيور الظلام) لوحيد حامد وشريف عرفة، والصراع على مصر بين ما أسماه بدر الدين "رجعية تحكم وتنهب باسم الوطن والوطنية" و"تصاعد قوى اليمين الدينى". يكرم الكاتب فى سطوره الفيلم الحدث (ليلة سقوط بغداد) لمحمد أمين، وهو المظلوم الذى تم حرمانه من مختلف الجوائز لأنه وفقاً للكاتب "فيلم خارج سرب أنماط وتوجهات المؤسسة الرسمية بكل معنى الكلمة!"؛ ولكنه لم يحرم على الأقل من جائزة (جمعية نقاد السينما المصريين) فى 2005 والتى شارك فى تحكيمها بدر الدين نفسه. المفارقة التى يذكرها الكاتب هنا هى أن نفس الجهة قد منحت جائزة أحسن فيلم أجنبى لنفس العام لفيلم (باب الشمس) إخراج يسرى نصر الله، وهو أجنبى لأن جهة إنتاجه غير مصرية مع إن مخرجه مصرى..!. وفى الطريق إلى حدث الثورة.. يتناول الكاتب بالتحليل ويقدم تقييماً إيجابياً لأفلام (قص ولزق) لهالة خليل، و(عمارة يعقوبيان) مروان حامد. ثم يفرد فصولاً لأفلام (هى فوضى) ليوسف شاهين وخالد يوسف، و(حين ميسرة) و(دكان شحاتة) وهما لخالد يوسف أيضاً، و(عين شمس) لإبراهيم البطوط، و(بنتين من مصر) لمحمد أمين، و(الفاجومى) لعصام الشماع. يتطرق الكتاب ضمن ما يتناول، إلى ظاهرة "الكرنكة" نسبة إلى فيلم (الكرنك) لممدوح الليثى وعلى بدرخان، وهى السينما المحسوبة على ما أسماه الكاتب ب "الثورة المضادة" لحكم السادات، ويتطرق فى حين آخر إلى تناول أفلام سينمائية عبرت عن "نهايات الحكام" فى أكثر من مرحلة تاريخية. وينهى محمد بدر الدين كتابه ب (خاتمة إلى فنانى الثورة) فيتحدث فيها عن "معيار جديد فى النظر إلى النجوم: موقفهم من الثورة" ويذكر مجموعة من أسماء شاركت فى الثورة من الفنانين والمبدعين، ورسالته هنا: "على الفنانين، الذين تقدموا ضمن الجماهير الثائرة، وزحفوا معها يوم الزحف العظيم وفجر الثورة، مسئولية أن يقيموا اليوم كياناتهم الخاصة المستقلة، وفق تصورات جديدة تليق باللحظة الجديدة". من الملاحظات ربما على الكتاب: فرد مساحة كبيرة لعرض ونقد أفلام بالمقارنة بأخرى، وأحياناً يقصد الكاتب التكريم بذكر بعض الأفلام التى لا ترتبط لا ب 25 يناير أو الطريق إليها، كما فى تخصيص فصل لفيلم لا يتعلق بثورة يناير؛ لا بحدثها ولا بأسبابها حتى من بعيد وهو (رسائل البحر) لداوود عبد لسيد؛ ربما لشعور منه فقط بأنه يستحق الإشارة والتكريم. ولا يعيب الكتاب وضوح أيديولوجية كاتبه فى إختياراته وتحليلاته وانتقاداته وهو أمر مشار إليه في تقديم سمير فريد ويؤكده الكاتب بلا تحايل طوال الوقت. ربما ستختلف كثيراً مع الكاتب لو تعاملت معه وفقاً لأيدولوجية مختلفة، خصوصاً لو كنت "أيديولوجياً أصيلاً"؛ لأن بدر الدين ناصرى أصيل، وستتحقق لك أقصى حالات الاستمتاع بالكتاب لو كنت ناصرياً وثورياً مثله، لأنه كاتب مجدد ولا يعزف على لحن أسلافه، بل يؤصل لما هو جديد من خلال توجهاته. يبقى (الطريق إلى سينما 25 يناير) لمحمد بدر الدين كتاباً له أهميته فى مكتبة النقد السينمائي المصري عامة وفى مكتبة (25 / 30) بشكل خاص.