حريم السلطان ، نور ، سنوات الضياع ، سحر الأسمر،كلها أسماء لأعمال درامية قدمت في السنوات الأخيرة مدبلجة للهجات تتسيدها السورية وتأتي بعدها الخليجية في بعض الأعمال … فهل هذا النوع من الدبلجة أفاد العمل أم أضره وهل أرضى متلقيه أم فقط استسلم له لجمال المواضيع ؟ الحقيقة أن قيمة الفن تكمن في تعبيره عن نفسه وعن بيئته الصانعة ..قصة ونصا وفكرا وصناعة وإبداعا ، مما يجعل التعرض للعملية الفنية في هذه الحالة نوعا من التعاطي أيضا مع بيئتها الخاصة وثقافتها المميزة ، ويثري تنوع هذا التعرض الحالة الفكرية والإبداعية ويخرجنا من القالب النمطي فيهما ، فهو أمر محبذ خاصة لو جذب الجمهور العادي فتنفتح الشعوب على ثقافات بعضها وتنمو الذائقة الفنية ، ومما عرف كأمر مساعد في ذلك وفي هذا التعاطي " عملية الدوبلاج " وهي تعني تحويل العمل من لغة للغة بشكل صوتي فإن كان عملا فنيا يكون ذلك من خلال ممثلين يطابقون حركاة الشفاه والوقفات وطول الجمل ، وقد كان هذا الأمر معروفا وسائدا منذ سنوات طويلة وربما كلنا يذكر فيلم " عمر المختار" إنتاج عام 1981 للمخرج الراحل مصطفى العقاد الذي مثل بممثلين أجانب على رأسهم الفنان أنتوني كوين ، وكان هذا الدوبلاج متعارف عليه أن يتم إجراءه باللغة الفصحى وليست اللهجات العامة وذلك ليصل للجميع دون انتزاع خصوصية العمل لصالح بلد معين دون حق ، كما أن المسلسلات المكسيكية التي كانت سائدة في الفترة السابقة كانت تدبلج للغة العربية الفصحى وهي اللغة التي لجأت إليها كذلك الأعمال اللبنانية القديمة في بعض أعمالها ولاقت رواجا ، هذا ما كان سائدا وكان الأفضل السعي لتقليله وتهيئة الناس للتعامل مع الثقافات الأخرى بشكلها الواقعي الأقرب ، خاصة أن اللغة ونغمتها وتلحينها التعبيري تحمل الكثير من روح الشعوب وثقافتها وتعد مفصلا وبوابة لها ، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تغيرا كبيرة في هذا المجال .. حيث ساد المنطق التجاري والاستسهال وتدعيم المحلية رغم أن المقصود الخروج عنها والالتحام بثقافات أخرى ، فصارت عمليات الدوبلاج تتم بلهجات محلية لبعض البلاد ، فمع غزو واختراق الدراما التركية لعالم التلقي المعتاد والتقليدي في دراما العالم العربي ، ومع الرغبة الكامنة في المجتمعات للتغيير وكسر الركود الذي ترجع إحدى عوامله للملل بسبب ثقل أعباء الحياة وإيقاعها اللاهث والرغبة في الهروب أحيانا من واقعهم ومشاكله .. فتحت الدراما التركية بابا لهذا الجمهور للذوبان والحلم والهروب بمواضيع مختلفة وإن كانت في الشكل وذات طبيعة ومناظر مختلفة ووجوها مغايرة وقصصا تكسر التقليد السائد ، فانتهزت شركات الدوبلاج هذه الموجة وأحاطتها وسوّرتها ، وربما كان الأمر ليكون مقبولا إن كانت الدبلجة لا تنسب للهجة معينة وبالتالي لبلد معين فتكون مثلا باللغة الفصحى المحايدة ودون تدخل في الثقافة المعروضة وحقائقها وأسماء أبطالها لتكون بالفعل عاكسة بشكل أكثر صدقا لثقافة العمل وليست فقط تمثل عرضا لمواضيعها بشكل استهلاكي للتسلية أوالإمتاع ، لكن ما يحدث أن شركات الدبلجة السورية على وجه الخصوص والتي سيطرت على الأعمال التركية تحديدا بدءا من مسلسل " إكليل الورد " عام 2007 وتلاها في 2008 مسلسلات " سنوات الضياع " و " نور " و " دموع الورد " وغيرها لتأتي 2009 بمسلسلات منها " ميرنا وخليل " و"الحب المستحيل " ثم يليها في 2010 " حريم السلطان " و " العشق الممنوع " وغيرها من مسلسلات حتى الآن بنفس سيطرة الدبلجة السورية فكأنها تسطو بذلك على الأعمال الدرامية وخاصة التركية بالإضافة للهندية كما بدأت لاحقا وغيرها ، مع تغيير أسمائها حسب هوى الشركات ومن ذلك مسلسل " نور " الذي الذي ترجمة اسمه الأصلي يعني كلمة " فضة " و" حريم السلطان " والذي ترجمته التركية الحرفية تعني " "القرن العظيم "، أيضا تتغير أسماء شخصياتها لتوافق الأسماء السورية الشائعة وبالطبع مسميات الأشياء المادية بما يناسب اللهجة السورية لتتشكل صورة ذهنية لدى المشاهد بأن العمل شامي سوري فتنسى معه بلد العمل وتنسب بلد ولهجة الدبلجة لنفسها ما لا يجب أن ينسب ، وإن كانت الحجة في ذلك تسهيل تعاطي المتلقي بفئاته بسيطة التعليم التي لا تجيد قراءة الترجمة فكان الأجدى أن تكون الدبلجة باللغة العربية الفصحى وإن تحجج آخرون بصعوبتها فإن اللهجة الشامية أكثر صعوبة وأصبحت الآن مألوفة حتى أن المدبلجين عرفوا أكثر من نجوم الأعمال الأصليين بل تكتب أسماءهم على بعض الأعمال مع صور الأبطال بينما تكتب أسماء الممثلين الأصليين في النهاية إن كتبت وتبقى بلغة العمل غير المعروفة دون تعريب حروف أسمائها لتنطق على الأقل ويأخذ أبطاله حقهم . من جهة أخرى ففي كثير من الأحيان يكون صوت وأداء لهجة الدبلجة ولا تتناسب أو تتوافق مع روح اللغة المترجمة ولا أشكال أصحابها مما يعد تشويها ومسخا وخلطا دون تذوق أو ذائقة ، وأكثر ما ظهر فيه ذلك مع الدبلجة الخليجية لبعض الأعمال الهندية أو الكورية وأحيانا التركية مما أدى لاعتراض الكثيرين خاصة محبو المسلسلات الكورية حتى توقفت حاليا قنوات " mbc" عن ذلك ، لتبقى اللهجة الخليجية ومعها السورية تسطو معنويا وتحتكر حاليا الأعمال الهندية خاصة في قناة " mbc bollywood" ، بل وصل الأمر في بعض القنوات لدبلجة الأفلام الاجنبية للهجات السورية والخليجية مع تخصيص اللهجة المصرية للأفلام الكوميدية ، لكن كثير من عشاق الدراما التي تدبلج يرفضون ذلك وقد نشأت صفحات كثيرة عربية على الفيسبوك بلغات مختلفة ترفض الدبلجة من أساسها وتطالب بعرض الأعمال مترجمة فقط دون تدخل آخر للتعرف على الأصوات الحقيقية لنجومهم المحبوبين والتواصل مع روح الثقافة نفسها والاستمتاع بها دون تدخل ، وهو بالفعل ما يفترض أن يدعمه الفن ويقدمه ، فلنترقب ذلك آملين .