اجتذبت الدراما التركية نسب مشاهدة مرتفعة في العالم العربي مع انجذاب الجمهور العربي لمشاهد الحياة اليومية والصورةً الجديدة للعلاقات التي تربط الرجل بالمرأة. ومع بداية الاحتجاجات التي اجتاحت تركيا مؤخرا، تمكن الصحفيون من تسليط الضوء على واحد من أصحاب اللحى الكثة كان يشارك جموع شباب المتظاهرين في ميدان تقسيم باسطنبول. والتقى ذلك الرجل مؤخرا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع مجموعة كانت تسعى للوساطة بين الحكومة والمتظاهرين لحل الأزمة التي اشعلها الخلاف على متنزه غيزي. ولم يكن ذلك الرجل سوى خالد ارغينتش، الذي عرف بتجسيده لشخصية السلطان في مسلسل الدراما التركي التاريخي حريم السلطان ، الذي بيع لعدد كبير من الدول العربية. ويحكي ذلك المسلسل، الذي يصور حقبة من الحكم العثماني، قصة السلطان العثماني سليمان العظيم –أو سليمان القانوني كما هو معروف لدى الشرق- صاحب أطول فترة في الحكم العثماني. ويسرد المسلسل قصة حبه لسيدة أجنبية أغرم بها وتزوجها في النهاية. ومع بدء تصوير موسمه الرابع بعد أن جنى مليون دولار فقط عام 2007، تمكن ذلك المسلسل من حصاد 130 مليون دولار لتركيا من خلال مبيعاته الخارجية العام الماضي. حيث اعتبر تصويره لحقبة تعود إلى ما قبل 500 عام عندما كان السلاطين العثمانيون يحكمون أجزاء كبيرة في البلقان والشرق الأوسط، سببا ليحظى بمشاهدة الجماهير من سبعة وأربعين دولة في تلك المنطقة. وتعتمد تلك المسلسلات على الإنتاج المتميز، والقصص الملأى بمشاعر الحب والخداع التي كان البلاط السلطاني يزخر بها، إضافة إلى أنه يقدم عددا من الفنانين والفنانات الجميلات، ويعرض بعض المواقع التاريخية في تركيا. أما مسلسل العشق الممنوع، الذي تدور أحداثه في منزل على ضفاف مضيق البوسفور، فهو يحكي قصة مشاعر حب محرمة بين الشاب الوسيم بهلول، وزوجة عمه الشابة الجميلة بيهتر، بينما يعيش الاثنان تحت سقف منزل واحد. ويجسد شخصية بهلول الممثل التركي كيفانج تاتليتوغ الذي أصبح محبوبا بين أوساط المشاهدين والمشاهدات في المنطقة. كما أن مظهره الوسيم جعل البعض يصفونه بأنه براد بيت الشرق الأوسط . وكما هو الحال مع مسلسل حريم السلطان، فإن ذلك المسلسل يضم جرعة كبيرة من مشاهد الحب، التي قد تبدو مألوفة لدى المجتمع الغربي، إلا أنها غريبة على المجتمعات العربية. حيث تسمر المشاهدون في العالم العربي عام 2008 أمام شاشات التلفاز لمشاهدة الحلقة الأخيرة من المسلسل التركي نور الذي كان يعتبر ظاهرة آنذاك، لتزداد شعبية الدراما التركية بين المشاهدين في الشرق الأوسط عاما بعد آخر. ويرجع السبب في ذلك إلى أن تلك المسلسلات تملأ الفراغ الموجود في سوق صناعة الدراما في الشرق الأوسط. ويقول حبيب بطاح، الناقد الإعلامي من بيروت وصاحب مدونة تقرير بيروت : من المؤكد أن التلفزيون العربي يشهد قصورا في كتابة السيناريوهات الجيدة والإنتاج الراقي. وأضاف: من الممكن أن تجد تلك المسلسلات التركية على كل الشاشات العربية الكبرى. وقال بطاح إن الشاشات العربية كانت تعرض مسلسلات من أعمال أمريكا اللاتينية، إلا أن تأثيرها كان أقل من المسلسلات التركية. وقد يعود السبب في ذلك، بحسب بطاح، أن تلك المسلسلات اللاتينية كانت تدبلج باللغة العربية الفصحى، بينما دُبلجت الدراما التركية بالعامية السورية، وهو ما جعل تلك القصص الدرامية أكثر تفاعلا وأصوات الممثلين أكثر صدقا . كما أن السبب الآخر فهو أن المشاهد العربي يحس بتقارب بينه وبين الثقافة التركية أكثر بكثير منه إلى الثقافة اللاتينية مثلا، على حد قوله. من جانبها، قالت فاطمة سابجي رئيسة قسم الحيازة الملكية في شركة آي يابيم للإنتاج، التي أنتجت مسلسل العشق الممنوع، إن الدبلجة سهلت على المشاهدين في هذه المنطقة اعتبار كل ممثل فرد من أفراد عائلاتهم ؛ حيث إن تلك المسلسلات تكشف التفاعل الأسري بطرق مثيرة. وقال آسلي تونج، رئيس معهد الإعلام بجامعة بيلجي اسطنبول: تناقش المسلسلات التركية عددا من القضايا التي يتجنبها التلفزيون العربي، مثل قضايا المساواة بين الجنسين، وقضايا الخيانة وعلاقات الحب. كما تناقش أيضا قضية الأطفال غير الشرعيين الذي يولدون خارج إطار العلاقة الزوجية. إلا أن أكبر قضية تجري مناقشتها في أوساط المشاهدين كانت تتمثل في العلاقات بين الجنسين. وقال سونج إن بعض تلك المسلسلات تصور أمام السيدات أبطالا غير تقليديين، حيث تغلب عليهم المشاعر الرومانسية التي يفتقدنها. ويعرض مسلسل نور، على سبيل المثال، مشاعر الحب الرومانسية التي كانت بطلة المسلسل نور تتبادلها مع زوجها محمد . ومن ثم، فإن الزوجات تناقش مع أزواجهن كيف يتعامل البطل مع زوجته. وحسب مازن حايك، المتحدث باسم قناة ام بي سي السعودية، فإن تلك المسلسلات تضع صورة مثالية لكيفية النظر إلى المرأة وتقديرها وحبها . وقال حايك إن تأثير ذلك المسلسل جاء متمثلا في أن الزوجات العربيات بدأن في التحدث إلى أزواجهن من خلال الدراما التركية . وقال عبد الله السالمي، المحلل الإعلامي لقضايا الشرق الأوسط في بي بي سي، إن تلك القصة أثارت حفيظة المجتمعات المحافظة، التي تعتبر التعبير عن مشاعر الحب أمرا خاصا. وأضاف السالمي أن ما أثار الجدل بشكل أكبر هو أن الشخصيات التي كانت تظهر في تلك المسلسلات كان لديها الكثير من الامور المشتركة مع المجتمعات العربية. إلا أن دينا مطر، الأستاذة بمركز الإعلام والأفلام في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية بلندن، حذرت من الفكرة التي ترى أن الدراما تقود إلى تحول جذري في السلوكيات تجاه المرأة في المنطقة. وقالت إن ذلك النوع من الدراما أدى في النهاية إلى استدراك النقاش الذي كان قد بدأ من ذي قبل على شاشات القنوات العربية، حيث إن تصدير تركيا لهذا النوع من الدراما جاء بالتوازي مع دفع وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو لمنح الثقافة التركية نفوذا أكبر، وهو ما يوصف أحيانا بظهور العثمانيين الجدد . ومع أن الحكومة التركية أنشأت في عدد من الدول مراكز يونس امره للثقافة التركية ، وذلك على غرار المعهد البريطاني أو المراكز الثقافية الفرنسية، إلا أن تلك المسلسلات أيضا لعبت دورا في تقديم صورة إيجابية عن تركيا. كما ربطت وزارة الثقافة التركية بشكل مباشر ما بين الدراما التركية والارتفاع في معدلات السائحين إلى تركيا من العالم العربي خلال السنوات الخمس الأخيرة. ومن وجهة نظره، يرى عزت بينتو، المدير التنفيذي لوكالة غلوبال الإعلامية التركية، التي تقوم بتوزيع مسلسل حريم السلطان وغيره من الأعمال المعروفة، أن تلك الأعمال تقدم بلاده بما فيها من مناظر جميلة وأسلوب معيشي وتقاليد إلى الملايين من المشاهدين. وأردف قائلا: لذا فإن لنا تأثيرا كبيرا على الآخرين من خلال قوتنا الناعمة.