بعد أكثر من 105 أيام من التهميش والمعاناة، رست السفينة Petro 1 صباح اليوم في ميناء خالد بإمارة الشارقة، منهيةً أزمة سبعة بحارة مصريين ظلوا عالقين في عرض البحر، وسط تجاهل طويل من السلطات الإماراتية وتباطؤ في التحرك من الجانب المصري، في مشهد يجسد تراجع مكانة المواطن المصري في الخارج خلال زمن المنقلب عبد الفتاح السيسي. قصة العزلة والإهمال بدأت معاناة البحارة في أواخر يناير الماضي، حين غادرت ناقلة النفط Petro 1 ميناء عجمان بعد صيانة شاملة. غير أن عطلاً مفاجئًا في المحرك أجبر الطاقم على التوقف قبالة سواحل الشارقة، ما دفعهم لإلقاء المخطاف في البحر لإجراء إصلاحات. خطوة بسيطة كان من المفترض أن تلقى التفهّم، إلا أن سلطات خفر السواحل في الشارقة اعتبرتها "مخالفة قانونية" بسبب عدم حصول الطاقم على إذن مسبق.
لم تكن تلك العقبة الوحيدة، إذ تبين لاحقًا أن الطاقم لا يحمل مستندات ملكية السفينة أو تصاريح الإبحار، ما دفع مالك السفينة – شركة PETROFLEET FZC – إلى التنصل من مسؤوليته، طالبًا منهم مغادرة المياه الإقليمية الإماراتية، والتنقل بين موانئ في سلطنة عُمان واليمن، قبل أن يُطلب منهم التوجه إلى ميناء خالد في 30 مارس. لكن الميناء الإماراتي رفض استقبال السفينة، بسبب غياب أي تواصل رسمي من مالكها.
الإمارات ترفض الحل.. والمواطن المصري رهينة البحر على مدى أكثر من ثلاثة أشهر، لم يُسمح للسفينة بالرسو في أي ميناء، وبقي البحارة المصريون رهائن في عرض البحر، في ظروف معيشية متدهورة تخللتها أعطال متكررة ونقص في الإمدادات. ورغم أن مناشداتهم بدأت مبكرًا، فإن الجانب الإماراتي ظل يرفض أي حل للأزمة، بل إن الشركة المالكة قطعت عنهم خدمة الإنترنت بعد نشرهم استغاثة عبر "فيسبوك"، في محاولة لإسكات أصواتهم.
وفي موقف يعكس تقهقر الدور المصري في حماية مواطنيه بالخارج، لم تبدأ التحركات الرسمية إلا بعد ضغوط إعلامية واستغاثات متكررة. وقال قبطان السفينة محمد عبد المنعم إن أحد ممثلي الشركة المالكة قال له صراحة: "أنتم تسرعتم، وكان لديّ حل، لكن لن أتدخل بعد ما فعلتموه".
تحرك متأخر للسلطات المصرية بعد ساعات من انتشار الاستغاثة الأخيرة، أعلنت وزارة الخارجية المصرية أنها أجرت اتصالات عاجلة وأرسلت وفدًا إلى ميناء الشارقة لمتابعة الوضع، كما تواصلت هاتفيًا مع البحارة للاطمئنان عليهم. وأخيرًا، سُمح للسفينة بالرسو في الميناء صباح اليوم، حيث وصلت إليهم معونات غذائية وإمدادات أساسية.
تُظهر بيانات موقع MarineTraffic المتخصص في تتبع حركة السفن، أن Petro 1 باتت في وضع "الرسو" بسرعة صفرية وغاطس يبلغ 3.4 متر، مما يؤكد انتهاء العزلة القسرية التي فُرضت على طاقمها طوال الأسابيع الماضية.
خلفيات سياسية أعمق: أين هيبة السيسى تكشف هذه الحادثة عن خلل أعمق يتجاوز أزمة البحارة، ويتمثل في ضعف الحضور المصري على الساحة الدبلوماسية، وتراجع قدرة الدولة على حماية مواطنيها في الخارج، حتى في دول "حليفة" كالإمارات. فبينما يتباهى النظام بعلاقاته المتينة مع أبوظبي، ظل البحارة المصريون يواجهون مصيرًا مجهولًا وسط صمت رسمي محرج.
ولا تعد هذه الحادثة الأولى من نوعها، إذ سبقتها وقائع مشابهة لمصريين عالقين أو محتجزين في الخليج دون تدخل جاد من من المنقلب السفيه السيسى، مما يطرح تساؤلات عن مدى جدية النظام في الدفاع عن حقوق مواطنيه.