قال الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى ب دار الإفتاء المصرية، إن الفارق الجوهري بين من يهاجر فرارًا من أزماته، ومن يهاجر سعيًا وراء هدف، هو أن الأول هاربٌ من الحياة، والثاني صانعٌ لها، مشددًا على أن هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن أبدًا هروبًا من مواجهة، بل كانت خروجًا يحمل في طياته رحمةً، وقيادةً، وبصيرةً استراتيجيةً تحمي المجتمع وتؤسس لحضارة. وأوضح أمين الفتوى ب دار الإفتاء المصرية، خلال احتفالية قناة الناس، بالعام الهجري الجديد، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج من مكة كارهًا لها، بل قال: "ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، مشيرًا إلى أن هذا التصريح يرسّخ حق الإنسان في أرضه، ويؤكد أن الدفاع عن الأرض واجب، لا يجوز التنازل عنه، حتى وإن تعرض للظلم، فالنبي لم يترك وطنه إلا حفاظًا على الناس من فتنة القتل والصراع الداخلي. اقرأ أيضا|كيف نقتدي بسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في حياتنا؟.. أحمد نبوي يوضح وأضاف الورداني أن النبي صلى الله عليه وسلم حين اختار أبا بكر الصديق ليصحبه في الرحلة، لم يختره لبطولته الجسدية، بل لأنه رمز للصدق والأمان، مؤكداً أن الهجرة كانت مشروعًا حضاريًا يحقق مقاصد الشريعة الخمسة: حفظ النفس، والعقل، والدين، والمال، والعِرض. وأشار إلى أن النبي لم يرد أن يصطدم بأهل مكة أو ينتقم، بل خرج ليحميهم من أنفسهم، من ردود أفعالهم، من فتنة الدم والخراب، حتى يعود إليهم بعد سنوات فاتحًا قلوبهم قبل أن يفتح مدينتهم. وتابع: "النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرد أن يكون آخر مشهد له في مكة هو مشهد المواجهة، بل أراد أن يكون آخر صورةٍ في أذهانهم أنه رحمةٌ مهداة، فحين أدميت قدماه ووجهه الشريف، قال: اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون". وأكد الدكتور عمرو الورداني أن الهجرة النبوية كانت خروجًا بقلب ممتلئ بالحب، وليس بالخوف، وبعينٍ ترى المستقبل، وليس تتهرب من الحاضر، مشيرًا إلى أن من يقرأ الهجرة قراءة سطحية سيظنها فرارًا، ومن يقرأها بعين القلب سيعلم أنها كانت فتحًا روحيًا، ومسارًا للنهضة، ودعوة للثبات على المبادئ مهما اشتدت الأزمات. تابع: "الهجرة النبوية تُعلمنا أن المغادرة ليست دائمًا هزيمة، بل قد تكون أعظم انتصار إذا كانت من أجل حفظ الناس، ورعاية القيم، وبناء السلام". اقرأ أيضا|أحمد عمر هاشم: الهجرة النبوية أرست مبادئ العيش المشترك والعدالة والسلام