"محمّد… يواجه جيشاً، بلا حجرٍ أو شظايا.. كواكب، لم ينتبه للجدار ليكتب: "حريتي لن تموت"!!..فليست له، بعد، حريّة ليدافع عنها ..أين سيحلم لو جاءه الحلم ؟ والأرض جرح ومعبد "؛ هكذا كان شاعرنا الفلسطيني محمود درويش، ينزف معاناة شعبه في كلمات، ويرثي أبناء الحجارة متمثلين بالطفل الشهيد "محمد الدرة"، الذي كان يريد الرجوع إلى البيت ليعد دروسه، وليكمل عمره رويدا رويدا، وفي الطريق اعترضه أزيز الرصاص ودوي القنابل، فاحتمى تحت جناح أبيه، وحلقت روحه عاليا قبل أن يتهجى حروف وجغرافية فلسطين، وقبل أن ترسم أنامله شكل الحجر أخترق روحه مطر الرصاص. منذ ثلاثة عشر عامًا، عاشت الملايين، عبر شاشات التلفزيون، قصة استشهاد محمد الدرة، ذلك الطفل الفلسطيني الذي أصبح رمزا تعرت أمامه الحقيقة، وتلاشت كل الصور المشبوهة والمشوشة التي كان يزعمها الأعداء، أصحاب الدم البارد الذين سرقوا ذلك الظبي الوديع من أحضان والده على مرأى من العالم الصامت. ففي الثلاثين من سبتمبر عام 2000، كان اليوم الثاني من الانتفاضة الثانية للأقصي، ووسط أعمال شغب امتدت علي نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية ، عُرض مشهد احتماء الأب وابنه ببعضهما البعض، وإشارة الأب لمطلقي النيران الإسرائيلين بالتوقف، ثم لم يستجيبوا له وقاموا بإطلاق وابل من النار والغبار، وبعد ذلك ركود الطفل علي ساقي والده وسط صورة هزت مشاعر العالم. وقد هز المشهد العالم وأثاره ضد "وحشية وعنف" العمليات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ومن ناحية أخرى؛ خرجت جماعات إسرائيلية متطرفة تشكك في صحة هذه الصورة، وتصف "جمال الدرة" والد الطفل الشهيد بأنه "عميل وممثل"، والذي لم يكن يدرك أن الأحداث ستودي بحياة ابنه، ليس هذا فحسب؛ بل تحميل "الفلسطينيين" مسئولية الشروع في إطلاق النار. كما أن "مسرح الجريمة" محته الدبابات الإسرائيلية، وبهذا لم يتمكن القضاء من التحقق من هوية القاتل الحقيقي ل"الدرة"، وفي 2002 أذيع فيلما وثائقيا "ثلاث طلقات وطفل ميت"، يتبنى هذا الرأي، واستخدمه اليهود لنفي الاتهام عنهم ومقاضاة القناة الفرنسية والمراسل والمصور. وعلى الرغم من المزاعم الصهيونية التي تدعي كذب وفاته ، يبقى الطفل "محمد الدرة" رغم آلاف الشهداء "أيقونة الانتفاضة" ؛ فلم يصبر الفلسطينين الذي يحبون الموت أكثر من حرص إسرائيل على الحياة، وأرهبوا جنود الأحتلال وآلاتهم العسكرية بالحجارة وهي جُلٌ ما يملكون .