خرج بصحبة والده.. فوجئ بالضرب من حوله فصرخ "أدركني يا أبي واحميني".. لجأ والده خلف الجدار يحتمي ب"برميل" ويشاور؛ عساهم يكفوا الضرب و إفزاع ولده وبقية الأطفال.. يصرخ مرارا و لكن "لا مجيب".. رويدا رويدا توقف الصراخ وبدأ الدم يسيل على الأرض.. نظر إلى ابنه بعيون يصارعها الموت فوجده فارق الحياة على حجره .. و لكن الضرب لم ينته بعد. كان هذا مشهد "اغتيال براءة الأطفال" في جسد الصبي الفلسطيني "محمد الدرة" في ثالث أيام "انتفاضة الأقصى الثانية" منذ 12 عاما، "محمد جمال الدرة" المولود في 22 نوفمبر 1988 لم يدرك أن خروجه مع والده لشارع "صلاح الدين" بين بلدة "نتساريم" وغزة سيكون الأخير له، ليفارق الحياة برصاص الاحتلال الإسرائيلي في 30 سبتمبر 2000. يروي والده أن إطلاق نار عشوائي وكثيف بدأ في لحظة واستمر لخمسة دقائق، فسارع بالاختباء هو وولده "محمد" خلف "برميل"، وأخذ يلوح لمطلقي النار أن يتوقفوا ولكن لم يجيبه أحد، لاحظ وجود "مصور صحفي" ومرافق له يراقبون الحدث بكاميراتهم فأخذ يشير إليهم أن ينقذوه ولكن "رصاصات الغدر" وضعت كلمة النهاية في "مشهد الرعب" ليفارق ابنه الحياة ويصاب الأب ويفقد الوعي. تشارلس إندرلاين، مراسل قناة "فرانس 2" والمصور المرافق له "أبو رحمة" يرويان المشهد فيقولا أن الطفل قتل "عمدا" دون رحمة، وأن الرصاص آتى من "أبراج المراقبة الإسرائيلية" بمنطقة "نقطة وصل الشهداء" مكان وقوع الحادث. صورة المشهد هزت العالم وأثارته ضد "وحشية وعنف" العمليات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ومن ناحية أخرى؛ خرجت جماعات إسرائيلية متطرفة تشكك في صحة هذه الصورة، وتصف "جمال الدرة" والد الطفل الشهيد بأنه "عميل وممثل"، ولم يكن يدرك أن الأحداث ستودي بحياة ابنه، ليس هذا فحسب؛ بل تحميل "الفلسطينيين" مسئولية الشروع في إطلاق النار. "مسرح الجريمة" محته الدبابات الإسرائيلية، وبهذا لم يتمكن القضاء من التحقق من هوية القاتل الحقيقي ل"الدرة"، وفي 2002 أذيع فيلما وثائقيا "ثلاث طلقات وطفل ميت" يتبنى هذا الرأي، واستخدمه اليهود لنفي الاتهام عنهم ومقاضاة القناة الفرنسية والمراسل والمصور. صورة "الصبي محمد الدرة" والرصاص الإسرائيلي يمزق كيانه، وصورة أبيه العاجز عن فعل أي شيء وفلذة كبده يموت بين يديه؛ عّرت بشكل كبير دعاوى سلطات الاحتلال، وصورت الواقع على حقيقته، وبقى الطفل "محمد الدرة" رغم آلاف الشهداء "أيقونة الانتفاضة".