مثل الاقتراح الروسي بوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت اشراف دولي ومسارعة سوريا بالموافقة عليه انتصارا للدبلوماسية الروسية السورية وهزيمة للولايات المتحدة وحلفائها .. الا ان هذا النصر مرهون بعدم خروج المقترح الروسي عن سياقه وان يكون خاضعا لآلية لا تتيح استخدام الاشراف الدولي كذريعة للانتقاص من السيادة السورية وما يتبعها من تدخل لتغيير في موازين القوى لصالح الجماعات المسلحة أملا أن يكون هذا التغيير مثقالا يرجح كفتهم عند الذهاب للمؤتمر الدولي المنتظر لحل الأزمة (جنيف 2). فعلى الرغم من التقاط الرئيس الأميركي باراك أوباما المقترح الروسي ليعلن نصرا هشا معتبرا أن هذا المقترح كان نتيجة ضغوطه وتلويحه بالضربة العسكرية الا ان الحقيقة والشواهد تؤكد أن هذا المقترح كان طوق نجاة أوباما من الغرق في مستنقع الفشل. فقد كان طلب أوباما التفويض من الكونجرس لتجاوز الأممالمتحدة والعدوان على سوريا رغم عدم احتياجه لهذا التفويض في اتخاذ قراره مؤشرا واضحا على رغبة أوباما في المماطلة وايجاد مخرج للرجوع عن تلويحاته العنترية خاصة بعد أن حرمه البرلمان البريطاني من حليف كان في السابق أول المسارعين لتأييد أميركا في حروبها على أفغانستان والعراق على سبيل المثال ولم يبق لأميركا بعد ذلك الا حلف أعرج ساقه الطويلة هي الولاياتالمتحدة نفسها وساقه الأقصر نحو 12 دولة أخرى. كما أن المؤشرات كلها كانت تصب في صالح عدم تصويت الكونجرس الأميركي على هذا العدوان .. فقبل ظهور المقترح الروسي إلى العلن ذكرت تقارير صحفية أميركية أن مسئولين في الحزب الجمهوري، الذي يهيمن على مجلس النواب قد حكموا بالفشل على التصويت كما كان أوباما يواجه صعوبة فى مجلس الشيوخ، على الرغم من كون حزبه الديمقراطي يتمتع بأغلبية فيه. وتراوحت أسباب رفض المشرعين الأميركيين بين تخوفهم من انجرار أميركا إلى مستنقع جديد أو رغبة داعمي المسلحين في سوريا في أن يكون التدخل العسكري الأميركي في اطار استراتيجية شاملة تغير موازين القوى وليست ضربات محدودة كما أعلن أوباما. ومن نافلة القول إن رفض الكونجرس لمطلب أوباما كان سيشكل هزيمة ساحقة لما يمثله من خصم كبير من رصيد رأس المال السياسي للرئيس الأميركي. ومع ما يشكله المقترح الروسي من نصر لدبلوماسية موسكوودمشق خاصة في توقيت اعلان المقترح الذي جاء بعد أن تركت الأطراف الفاعلة لأوباما الحبل ليلفه حول عنقه الا انه يجب عدم اغفال ان في هذا المقترح فرصة أيضا لأميركا لتعديل خططها والذهاب نحو التمادي في دعم المسلحين بالتزامن مع المشاورات مع روسيا والحديث عن السعي لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة. وفي قراءة لما خلف سطور الترحيب الأميركي بالمبادرة الروسية نجد أن واشنطن قد وضعت سيف الزمن على هذه المبادرة عبر مطالبتها بأن يكون تخلص دمشق من الأسلحة الكيماوية في أقصر فترة ممكنة وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الصراع الدائر على الأرض كما أن ذلك يفتح الباب أمام عرقلة المسلحين للجهود الدولية في زيارة المناطق التي من المفترض انها تحوي سلاحا كيماويًّا. وبعد إطالة مدة التفتيش والتشكيك في جدية دمشق في تطبيق المبادرة تنتقل واشنطن إلى الخطوة التالية والمتمثلة في تمطيط هذه المبادرة وأخذ الذريعة للحشد نحو ايجاد آليات تتيح تحجيم تحركات الجيش السوري بهدف الحد من انتصاراته في ملاحقته للمسلحين . ولذلك فإن استكمال الانتصار الدبلوماسي الكبير لروسيا وسوريا واستدامة هذا الانتصار يستلزم أولا الا تخرج المبادرة الروسية عن سياقها وأن يكون تطبيق هذه المبادرة متعلقا فقط بالتفتيش على المواقع التي من المفترض احتواؤها على أسلحة كيماوية والحرص على الكشف السريع عن أي طرف يعطل هذه المبادرة بالاضافة إلى مواجهة الادعاءات الغربية بمسؤولية السلطات السورية عن الهجوم بالأسلحة الكيميائية بالغوطة في ال21 من أغسطس الماضي والمطالبة بتحقيق مدعوم بالأدلة لإثبات الطرف المسؤول عن هذا الهجوم وعدم الاكتفاء بتقرير المفتشين الذي لا يشير إلى الجاني وذلك كله بالتوازي مع تسريع انعقاد المؤتمر الدولي (جنيف2). صحفي مصري [email protected]