«تبدأ الحرب بضربة جوية، ثم تنزلق القوات إلى مستنقع لا يوجد فيه نصر كامل».. هذا بالضبط ما يخشاه الرأى العام الأمريكى، ويتذكرونه جيدا اليوم الأربعاء وهم يحيون الذكرى الثانية عشرة لهجمات 11 سبتمبر 2001 على مدينتى نيويوركوواشنطن، وما تبعها من شن حربين على أفغانستان ثم العراق. وهذا بالضبط ما تبنى عليه أغلبية الأمريكيين معارضتها لتلك الضربة العسكرية «المحدودة»، التى يقول الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، إنه يريد توجيهها إلى نظام الرئيس السورى، بشار الأسد؛ لاتهام قواته بقتل أكثر من 1400 شخص فى هجوم بالأسلحة الكيمائية. 11سببًا لرفض أغلبية الأمريكيين حربًا ثالثة أبرز الأسباب: إرث حربى ما بعد هجمات 11 سبتمبر وغياب الدعم الأممى وضرورة التوقف عن لعب دور «شرطى العالم» منذ إعلان الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، قبل نحو أسبوع نيته توجيه ضربة عسكرية لنظام بشار الأسد فى سوريا، لا يكاد يخلو يوم من نتائج استطلاع أمريكى للرأى تظهر رفض أغلبية الشعب الأمريكى، لتلك الضربة، لعدة أسباب، أبرزها عدم تكرار أجواء ما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، ولا سيما حربى أفغانستان أكتوبر 2001، والعراق مارس 2003. فرغم إصرار واشنطن على أن تلك الضربة ستكون «محدودة»، إلا أن استطلاعين أجراهما مركز «بيو»، ومعهد «جالوب» أظهرا أن 49% و51% على الترتيب من الأمريكيين يرفضون تلك الضربة. «جالوب» أرجع ذلك الرفض إلى ثمانية أسباب، هى أن: واشنطن ليست لها مصلحة مباشرة أو علاقة بما يجرى فى سوريا، وإرث الحربين اللتين أعقبتا هجمات 11 سبتمبر، ورغبة الأمريكيين فى عدم التورط فى حروب أخرى وضرورة التوقف عن لعب دور «شرطى العالم»، وأن الضربة العسكرية لم تحظ بتخطيط جيد ولن تغير شيئا، وأن معلومات واشنطن عن استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية مشكوك فيها. إضافة إلى غياب الدعم الأممى أو الدولى، وأن الوسائل السلمية مازالت قادرة على حل الأزمة، وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تملك الموارد اللازمة لتغطية نفقات تلك الضربة، فضلا عن تداعياتها السلبية على واشنطن، والقلق على سلامة الجنود، كما أن هموم الداخل الولاياتالمتحدة أهم مما يجرى فى سوريا. وهو رفض شعبى من قبل أغلبية الأمريكيين أظهرته أيضا استطلاعات للرأى، أجرتها ونشرت نتائجها وسائل إعلام أمريكية متعددة على مدى الأيام الماضية وحتى الأمس، منها: صحيفتا «وول ستريت جورنال»، و«نيويورك تايمز»، ومجلة «تايم»، وقناة «سى بى إس». ترسانة الأسلحة الكيميائية لا توجد معلومات مؤكدة حول الترسانة الكيميائية السورية، فالمتوافر مجرد اجتهادات خبراء غربيين، وسبق لسوريا أن أكدت عام 2012 امتلاكها أسلحة غير تقليدية. يخزن هذا السلاح فى حماة (وسط) وحمص (وسط) واللاذقية (شمال غرب) وتدمر (شمال شرق) وقاعدة السفير لصواريخ سكود (جنوبا). بشار الأسد تتكون الترسانة من غاز الخردل، الذى أوقع أعدادا هائلة من الضحايا إبان الحرب العالمية الأولى، وغازى الأعصاب (السارين) و«فى اكس». أعراض الأسلحة الكيميائية: التشنج والإصابة بالشلل، فيما يتسبب غاز الخردل، الذى يعرف أيضا بكبريت الخردل، فى حروق للجلد والعين والرئة، وقد يكون فتاكا ويقضى على ضحايا على الفور، ويشل المريض ويصيبه بالسرطان أو العمى الدائم. يظل الغاز عالقا فى الأجواء لعدة أيام وربما لأسابيع، بحسب «مراكز الوقاية والسيطرة على الأمراض» الأمريكية. غاز السارين، المشتبه فى استخدامه فى هجوم الغوطة، يتبخر سريعا ويختلط بسهولة بالماء ويلوث الأطعمة والمياه وحتى الملابس، بحسب مراكز الوقاية. «فى اكس VX» مركب كيميائى عالى السّمية فى حالتيه السائلة والغازية ويهاجم الجهاز العصبى المركزى. ويعتبر من أكثر المركبات الكيميائية سمية التى تم انتاجها حتى الآن. يبلغ حجم ترسانة سوريا الكيميائية مئات الأطنان من العناصر الكيميائية حيث كانت هناك عدة مراكز أبحاث بريف دمشق تنتجها قبل انتفاضة مارس 2011 بحسب «مركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار أسلحة الدمار ومبادرة التهديد النووى». لم توقع سوريا على اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وهى معاهدة دولية تحظر استخدام الغاز السام، لكنها من الموقعين على بروتوكول جنيف 1925، الذى يحظر الحروب الكيماوى والبدء باستخدامها أو شن هجوم انتقامى بأسلحة كيميائية وبيولوجية ضد دول أخرى. حضور قوى «للقاعدة» شعرت واشنطن بالسعادة مع انطلاق الثورة السورية مارس 2011، معتبرة إياها هدية من السماء تعوضها عن الخروج من العراق الذى غزته بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، بدعوى وجود علاقة بين رئيسه آنذاك صدام حسين وتنظيم القاعدة، الذى تبنى تلك الهجمات، وأن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل، وهو ما ثبت كذبه. ثم أفاقت واشنطن من حلمها، لتجد سوريا وقد تحولت إلى ساحة لتنظيمات متشددة، تمامًا كما تحول العراق بعد غزوه مارس 2003، حيث ظهر بين القوات السورية المعارضة، «جبهة النصرة» الإسلامية، التى صنفتها الولاياتالمتحدة كجماعة إرهابية. وعقب غزو العراق، عمل الرئيس السورى، بشار الأسد، على تشكيل مجموعات مسلحة لقتال الأمريكيين والحكومة فى العراق، حيث أخرج إسلاميين متشددين من السجون، وأمدهم بالسلاح، وسهل دخولهم الأراضى العراقية. وبحسب المتحدث باسم المركز الإعلامى لتنسيقية الثورة السورية، أحمد الريس، فى تصريح ل«الشروق»، فإن «الميليشيات الإسلامية، التى نمت تحت رعاية الأسد، لم تطلق على نفسها اسما محددا، وتنتشر فى شمال سوريا وغربها، واستطاعت تشكيل إمارات إسلامية، وتقدر أعدادهم بآلاف المقاتلين». ومضى قائلا إن «السحر انقلب على الساحر، إذ يقاتل هؤلاء بجانب الجيش السورى الحر (المعارض) ضد قوات الأسد... وهؤلاء المتشددون لا انتماء حقيقيا لهم»، على حد قوله. وأضاف الريس، المقيم فى درعا (جنوب سوريا)، ويتواصل عبر برنامج «سكايب»، أن «الجماعات المتشددة أصبح لديها قوة لا يستهان بها، وأسلحة خفيفة ومتوسطة، واستطاعوا السيطرة على مستودعات أسلحة تابعة للجيش السورى». ووفقا لتحقيق تليفزيونى لهيئة الإذاعة البريطانية «بى.بى.سى» فى إبريل الماضى، تحولت سوريا بعد الغزو الأمريكى للعراق إلى منطقة عبور للجهاديين من أجل القتال بالعراق، وهو ما غض نظام الأسد الطرف عنه. وفى عام 2011، تشكلت «جبهة النصرة»، المتحالفة مع تنظيم القاعدة بالعراق بقيادة أبوبكر البغدادى، وتمكنت من توجيه ضربات موجعة لنظام الأسد، حيث تضم مقاتلين سوريين قاتلوا فى العراق وأفغانستان والشيشان، بجانب مقاتلين من جنسيات أخرى. ومن المتوقع أن تشن هذه الجماعات هجمات على القوات الغربية فى حال شنها حربا على سوريا، كما جرى فى العراق، حيث تشكلت مجموعات متشددة قاتلت قوات الاحتلال، وبعد الحرب من المتوقع أن تهاجم تلك الجماعات السورية أهدافا فى دول جوار سوريا، الحليفة لواشنطن، بل وربما فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا. ولذا أعلنت واشنطن أن الضربة العسكرية المحتلمة لن تقتصر على نظام الأسد، وإنما ستطال «جماعات إسلامية متشددة»، لاسيما «جيهة النصرة» التى اتحدت مع تنظيم القاعدة فى العراق، وذلك فى مسعى أمريكى للتقليل من حضور تلك الجماعات لصالح جماعات المعارضة الأخرى، التى يدعمها الغرب. من أفغانستان إلى سوريا مهد القاعدة ولد تنظيم القاعدة، بشكله الحالى، فى أفغانستان على يد زعيمه الأول أسامة بن لادن عام 1979، بهدف محاربة الغزو الروسى لتلك الدولة الجبلية، وذلك بالتعاون مع أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن، عبدالله عزام. كون بن لادن وعزام شبكة للتنظيم فى العالم العربى وأوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية، ومن أبرز عملياته هجمات 11 سبتمبر 2001، على مدينتى نيويوركوواشنطن الأمريكيتين. الجزيرة العربية بدأت عناصر تنظيم القاعدة فى التوافد على اليمن خلال تسعينيات القرن الماضى (1990 1994)، عائدين من أفغانستان. ثم اندمج فرع القاعدة فى اليمن مع فرع القاعدة فى السعودية، تحت اسم «تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية». واتخذ مقاتلو القاعدة من الأراضى اليمنية، قرب الحدود السعودية، معاقل لهم عام 2009، وهاجموا أهدافا سعودية وأمريكية. المغرب الإسلامى خرج التنظيم من رحم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية، عندما أعلن زعيمها عبدالمالك درودكال، المعروف ب«أبومصعب عبدالودود»، يوم 25 يناير 2007 الولاء لتنظيم القاعدة، وزعيمها آنذاك بن لادن. وبالأساس، ينشط «تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى» فى الجزائر. العراق والشام أما تنظيم القاعدة فى العراق فظهر ردا على الغزو الأمريكى للعراق، وقاتل قوات التحالف. ومع إعلان «جبهة النصرة» الإسلامية المعارضة فى سوريا ولاءها لتنظيم القاعدة، اندمجت مع قاعدة العراق، تحت اسم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، بقيادة أبوبكر البغدادى. قطار الحرب يبطئ قليلًا معلقا على إعلان نظام الرئيس السورى، بشار الأسد، قبوله بالمبادرة الروسية لوضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت رقابة دولية، قال الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، إن ذلك المقترح يمثل «اختراقا كبيرا». ومنذ أيام، يناقش الكونجرس الأمريكى طلبا من أوباما لمنحه تفويضا بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السورى؛ لاتهامه من قبل واشنطن والمعارضة السورية بشن هجوم بالأسلحة الكيميائية على غوطة ريف دمشق يوم 21 أغسطس الماضى؛ ما أسقط أكثر من 1400 قتيل، معظمهم أطفال ونساء. وينفى نظام الأسد شنه ذلك الهجوم، ويتهم المعارضة وواشنطن بالعمل على اختلاق ذريعة لشن هجوم على سوريا؛ بهدف إضعاف محور المقاومة لإسرائيل، الحليف الرئيس للولايات المتحدة فى المنطقة. ورغم حديث أوباما عن «الاختراق الكبير»، إلا أنه حذر من أنه لم يصرف النظر عن الحل العسكرى. ويعنى ذلك، على ما يبدو، إبطاء الجهود التى كانت متسارعة لضرب الأسد، وذلك بالتزامن مع إحياء الأمريكيين الذكرى الثانية عشرة لهجمات 11 سبتمبر 2001، وسط تنديد بما تلاها من حربى أفغانستان والعراق. الرافضون لضرب سوريا يستحضرون حربى العراق وأفغانستان وكان أوباما يعتزم تخصيص مقابلات إعلامية أمس لعرض خطته القاضية بشن ضربات عسكرية عقابية ضد نظام الأسد، على الرأى العام الأمريكى المتشكك، لكنه وجد نفسه يعلق على المبادرة الروسية المفاجئة. وشدد، فى مقابلة مع شبكة «إن بى سى» الأمريكية، على أن المبادرة الروسية، التى سارعت سوريا إلى الموافقة عليها، كانت نتيجة موقف الولاياتالمتحدة التى أظهرت جدية تهديدها باستخدام القوة العسكرية. أوباما، الذى يواجه مهمة صعبة، أقر فى حديث آخر، مع شبكة «ايه بى سى نيوز»، بأنه غير واثق من أن الكونجرس سيصوت قريبا على المسألة السورية. من ناحيته، أعلن زعيم الأغلبية الديموقراطية فى مجلس الشيوخ، السيناتور هارى ريد، أنه تم إرجاء التصويت الأولى، الذى كان مقررا أمس فى المجلس حول مشروع قرار يجيز توجيه ضربات عسكرية إلى سوريا، وذلك إثر المبادرة الروسية. وحتى مثول الجريدة للطبع لم يحدد ريد موعدا جديدا للتصويت. أوروبيا، اعتبر وزير الخارجية الفرنسى، لوران فابيوس، أن المبادرة الروسية «يمكن قبولها بثلاثة شروط على الأقل»، مطالبا ب«التزامات واضحة وسريعة ويمكن التحقق منها» من جانب دمشق. أول الشروط الفرنسية، هى أن يخضع «مجمل المخزون السورى من السلاح الكيميائى للرقابة الدولية والسماح بتدميرها»، إضافة إلى «استناد العملية إلى قرار ملزم من مجلس الأمن» الدولى، وأخيرا إحالة «المسئولين» عن مجزرة الغوطة إلى المحكمة الجنائية الدولية. فابيوس أضاف أمس أن بلاده ستطرح مشروع قرار فى مجلس الأمن يهدف إلى «التنديد بمجزرة 21 اغسطس، التى ارتكبها النظام» السورى، و«المطالبة بتوضيح» البرنامج السورى للأسلحة الكيميائية. فى غضون ذلك، أعلن «الائتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة الثورية»، فى بيان مساء أمس الأول، أن «دعوة (وزير الخارجية الروسى) سيرجى لافروف الأخيرة تعتبر مناورة سياسية، تصب فى باب المماطلة غير المجدية، التى ستسبب مزيدا من الموت والدمار للشعب السورى».