رغم إعلان الرئيس الأمريكي أوباما منذ اسبوعين عن عزمه توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري عقابا له علي تجاوزه الخطوط الحمراء واستخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق, إلا أن خيار الضربة يواجه حسابات معقدة وتحديات داخلية وخارجية. فخيار أوباما تمرير التدخل العسكري عبر الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب وعلي خلاف ما حدث في الحروب الأمريكية السابقة حيث يمتلك الرئيس صلاحيات شن الحرب دون الرجوع للكونجرس يواجه تعثرا كبيرا مع تزايد الاتجاه المعارض داخل المجلسين وعدم تفويض أوباما, وجاءت المعارضة المتزايدة من جانب أعضاء حزب أوباما الديمقراطي, حيث أظهرت مناقشات مجلس الشيوخ اليومين الماضيين أن هناك معارضة حقيقية تقف وراءها مجموعة من الاسباب أولها أن شبح الحرب في أفغانستان والعراق والتكلفة البشرية والمادية الهائلة التي نجمت عنهما وتجاوزت ستة تريليونات دولار لايزال يطارد الكثير من الأمريكيين وهناك تخوف من أن تكون سوريا مستنقعا جديدا لاستنزاف المال والجنود, علي الرغم من أن خطة الإدارة الأمريكية هي توجيه ضربات محدودة ومؤثرة لمواقع الأسلحة الكيماوية دون التورط في هجوم بري أو إحتلال جزء من الأراضي السورية, وثانيها هناك معارضة واسعة من جانب الرأي العام الأمريكي أظهرتها استطلاعات الرأي وهو ما أثر بشكل كبير علي كثير من أعضاء الكونجرس, خاصة أن انتخابات التجديد النصفي لثلث مجلس النواب ونصف مجلس الشيوخ سوف تتم في نوفمبر المقبل, وهناك خشية من أن يفقد النواب مقاعدهم لانحيازهم لأوباما في حالة ما إذا فشلت الحرب في تحقيق أهدافها, وثالثها أن الديمقراطيين أنفسهم يعتبرون الخيار العسكري ضد سوريا انقلابا علي مبادئ الحزب الديمقراطي الذي يميل إلي استخدام القوة الناعمة مثل الدبلوماسية والمفاوضات والعمل الجماعي الدولي عبر الأممالمتحدة لحل المشكلات والنزاعات الدولية, ويدركون جيدا أن خسارة الجمهوريين الرئاسة كانت نتيجة لاستخدامهم القوة الصلبة مثل الحرب والعقوبات في أفغانستان والعراق, ورابعها أن انهيار نظام بشار قد يقوي العناصر المتشددة في المعارضة السورية مثل جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة, وهو ما يشكل تهديدا للمصالح الأمريكية وحليفتها إسرائيل. رفض الكونجرس الأمريكي تفويض أوباما بالضربة العسكرية يدخله في مأزق حقيقي ويجعله أمام خيارين إما الرضوخ للكونجرس وهو ما سيضعه في موقف الرئيس العاجز غير القادر علي تنفيذ وعوده ويعطي رسالة سلبية لنظام بشار الديكتاتوري بالتمادي في منهجه القمعي, واستخدام جميع الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل للقضاء علي المعارضة, وإما أن يتجاهل معارضة الكونجرس ويمضي في شن ضربة محدودة ومؤثرة ضد مواقع الأسلحة الكيماوية لشل قدرات نظام بشار عبر استخدام صواريخ كروز من القواعدة البحرية الأمريكية في البحر المتوسط, وهذا الخيار سيؤدي إلي انقسام الإدارة الأمريكية واستنفار خصوم أوباما من الجمهوريين لتأليب الرأي العام الأمريكي ضد أوباما وحزبه نظرا للتكلفة الاقتصادية الكبيرة المترتبة علي الضربة. وخارجيا جاءت معارضة مجلس العموم البريطاني الضربة العسكرية ورفض مشاركة بريطانيا فيها, إضافة إلي تحفظ فرنسا وصمت ألمانيا كعقبة أخري أساسية أمام خيار أوباما العسكري, في ظل معارضة قوية من جانب روسيا والصين حليفي دمشق للحل العسكري والدعوة للحل السياسي. وبالتالي في ظل تلك التعقيدات الداخلية والخارجية, فإن المبادرة الروسية الأخيرة بشأن السيطرة علي الأسلحة الكيماوية السورية ووضعها تحت الإشراف الدولي في المرحلة الأولي ثم التخلص منها في المرحلة الثانية وموافقة النظام السوري علي تلك المبادرة, تمثل المخرج والمنقذ لأوباما من هذا الموقف المعقد, فهي من ناحية سوف تعطي له الفرصة للتراجع ولو بشكل مؤقت عن الخيار العسكري في ظل معارضة الكونجرس باعتبار أنه حقق إنجازا في التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية وضمان عدم استخدام النظام لها مرة أخري, ومن ناحية ثانية توفر المجال أمام الجهود للتحرك عبر الأممالمتحدة والحصول علي قرار من مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا وإعادة بناء تحالف دولي جديد والحصول علي غطاء الشرعية الدولية تحت مبرر انتهاك معاهدة انتشار الاسلحة الكيماوية, لاستخدام القوة المسلحة ضد سوريا حتي بدون موافقة الكونجرس, ومن ناحية ثالثة تعطي فرصا أكبر ودعما للحل السياسي عبر مؤتمر جنيف2 ومحاولة الخروج من المأزق السوري المعقد وتأكيد أن الخيار العسكري لن يحل الأزمة, وأنه لا بديل آخر سوي حل سياسي شامل يقضي برحيل هذا النظام الديكتاتوري الذي يقتل شعبه منذ أكثر من عامين ونصف العام وأدي منهجه القمعي إلي مقتل أكثر من مائة ألف شخص وأكثر من مليوني لاجئ وتدمير البنية الاساسية لسوريا, وتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع كل ألوان الطيف السياسي والديني والعرقي تعكس حق الشعب السوري في تقرير مستقبله وتحافظ علي وحدته وسيادته. إن إشكالية الأزمة السورية تتمثل في أنها تترنح الآن بين نارين: مطرقة نظام ديكتاتوري فقد شرعيته, وسندان تدخل عسكري لن يجلب سوي مزيد من الدمار لسوريا, وفي كل الحالتين فإن الشعب السوري هو الخاسر الوحيد الذي سيدفع ثمن الخيارين بمزيد من القتل والتدمير والتهجير وظلام في أفق مستقبله ومازالت أمام النظام السوري الفرصة الأخيرة للتنحي لإنقاذ سوريا وشعبها وتجنيبها ويلات التدخل العسكري وحسابات المصالح الدولية. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد