احتل مصطلح "المصالحة الوطنية" المرتبة الأولى في أكثر المصطلحات استخداما منذ 30 يونية وعزل محمد مرسي حتى الأن ، يتحدث الجميع عن المصالحة، الساسة والكتاب والاعلام ورجال الدين باعتباره طوق النجاة للخروج من الأزمة الحالية وكسر حالة الاستقطاب الشديدة التي تشهدها البلاد والتي تنذر باحتمالية الدخول في موجات من العنف الذي يمزق جسد الوطن ويهدم أركانه، ولكن أي مصالحة نريد مصالحة مع تيار الاسلام السياسي أم مصالحة مع مؤسسات الدولة أم مصالحة شعبية . حتى لا تتحول المصالحة الوطنية الى مجرد شعار أجوف تلهج به الألسنة ولا تستوعبه العقول ويتحول الى مجرد مظلة يحتمي بها المجرمون من العدالة وتغب ما قبلها من جرائم ارتكبت في حق الوطن والشعب ، اذ يتوجب علينا أن نحدد أسس واضحة للمصالحة التي نقبلها وننادي بها: - العدالة الانتقالية لا يحق لأحد أن يتصالح على حقوق دماء وأموال الشعب المصري ولا يمكن أن تسقط الجرائم التي تم ارتكابها في حق الشعب المصري من نهب لأمواله وقتل لأبناءه "الجرائم في حق الأوطان لا تسقط بالتقادم ولا بالتصالح" ، بل يجب أن تتم المصالحة في اطار ضمان تطبيق المحاكمة العادلة والناجزة لكل متهم بقضايا قتل أو فساد مالي وسياسي ،ويجب أن تكون محاكمات شفافة لا تنحاز الى طرف ولا تصدر أحكاما سياسية. - ميثاق للعمل العام حتى تكون بداية جديدة نتفادى بها أخطاء الماضي يجب أن تتوافق القوى الفاعلة في العمل العام "سياسي- تنموي- حقوقي" على ميثاق شرف يكفل لها حرية ممارسة أعمالها دون أن تتعارض مع مصالح الشعب المصري ويلتزم بالسلمية الكاملة ورفض استخدام العنف اللفظي أو الجسدي في العمل العام بما يسمح لها بتحقيق التكامل وليس التضاد والبناء وليس الهدم ،ويضع معايير للعمل المجتمعي ومصادرتمويله وأوجه انفاقه، ويضمن هذا الميثاق في مشروع قانون ينظم عمل المجتمع المدني ويوظفه في خدمة الشعب والمجتمع ككل. - ميثاق شرف اعلامي يلتزم الاعلاميون أدبيا بميثاق شرف يضعوه بأنفسهم يحدد معايير الاعلام البناء الكاشف للحقائق دون ترويج شائعات ، ويمنع وسائل الاعلام من تصدير خطاب التخوين والتكفير والتحريض ضد أي من فئات المجتمع أو أفراده ، يتوافق الاعلاميون على معايير الاعلام ويلتزمون بها في اطار من الدستور والقانون ،ويحمي حقوق العاملين بالاعلام ويضمن عدم ملاحقتهم من قبل السلطات . - اعادة هيكلة مؤسسات الدولة القمعية لن تنجح أي مصالحة وطنية طالما بقيت "الداخلية" عصا في يد الحاكم يستخدمها في قمع معارضيه ، ولن تتحول الشرطة من جهاز قمعي يعمل لصالح النظام ضد الشعب بالشعارات وبزجاجات المياه التي يوزعها أفراد الشرطة في الميادين المحتجة، ولكن سيتم ذلك في اطار مشروع كامل لاعادة هيكلة وزارة الداخلية للتحول من وزارة سيادية الى وزارة تعمل في خدمة الشعب المصري بغض النظر عن النظام الحاكم وولاءها له ، وفي هذا الاطار يجب أن تكون اعادة هيكلة مؤسسة الداخلية على انحيازات أقرب الى الشعب المصري جزء رئيس ومكمل لمشروع المصالحة الوطنية الجامعة لكل أطياف المجتمع المصري . أعتقد أن تصور المصالة الوطنية في الاطار الشامل ربما يحمينا من عثرات تحول مشروع المصالحة الى صفقات سياسية مشبوهة للافلات من العقاب ولتزييف الحقائق، حيث يجب أن تظل المصالحة في اطار بناء أرضية صلبة تكون اللبنة الأولى في "مصر بعد الثورة" وتخلق فرصا أفضل لراغبي خدمة المجتمع عن طريق ممارسة العمل العام .