أجمع الخبراء على أن اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب، واستخدام المزارعين لمياه الصرف في ري الأراضي لعدم وجود مصدر ري آخر يسبب أمراضًا خطيرة. هذه المأساة يعاني منها سكان قرى ناهيا، والمعتمدية، وأبو رواش، وكفر حجازي، ومناطق أخرى بمحافظة الجيزة؛ حيث إن محطات الصرف الصحي تصب في ترع المريوطية والرهاوي والمنصورية بالمناطق المذكورة، وهي متفرعة من نهر النيل. التقى "البديل" بالخبراء المتخصصين لعرض هذه القضية التي تسبب أمراضًا غاية في الخطورة، وتؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة. يقول الدكتور ممدوح محيي الدين أستاذ العلوم البيئية بمعهد بحوث الأراضي والمياه أن المشكلة تكمن في أن محطة الصرف الصحي بمنطقة أبو رواش تصل سعتها إلى 800 ألف متر مكعب من المياه يوميًّا والداخل إلى المحطة أكثر من مليون ونصف متر مكعب، والذي تتم معالجته 800 ألف فقط، وما تبقى يتم صرفه إلى مصرف الرهاوي بدون أي معالجة، والأخطر هنا 800 ألف متر من المياه يتم صرفها أيضًا إلى مصرف الرهاوي، وهنا يتم التقاء المعالج مع غير المعالج سويًّا؛ مما يعد إهدارًا للمال العام. وتساءل: إذن لماذا تتم المعالجة؟ وما الاستفادة من تشغيل المحطة والإنفاق عليها؟ وأكد أن جميع الأراضي بالمناطق المذكورة تروى من مياه الصرف الصحي والمحملة بكل الملوثات دون النظر أو الاهتمام بصحة المواطنين وبخطورة هذه الملوثات بما تحويه من ملوثات كيميائية وملوثات بيولوجية "بكتيريا، فيروسات" تسبب العديد من الأمراض الخطيرة، إضافة إلى الممرضات من الديدان والطفيليات الخطيرة. وأوضح أن مساحة الأراضي التي تزرع في هذه المناطق تتعدى 200 ألف فدان وتزرع بالخضراوات التي تأكل طازجة، إضافة إلى المحاصيل البستانية، مشيرًا إلى أن هذه الخضراوات يتغذى عليها سكان القاهرة الكبرى؛ مما أدى إلى زيادة مضطردة في نسبة المصابين بالأمراض، والأخطر في ذلك الإصابة بفيروس "سي". ويرى أن المشكلة تكمن في تركيز العناصر السامة الكيميائية في الخضراوات والفاكهة والمتمثلة في بعض العناصر الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم والنيكل والكولت والزئبق، والتي قد تصل إلى حدود تضر بصحة الانسان في جميع الزراعات بالاضافة الى التلوث الميكروبي للنباتات والفاكهة؛ نتيجة الجمع والنقل وملامسة النباتات للتربة الملوثة بمياه الصرف الصحي. وأوضح ممدوح أن درجة سمية العنصر تختلف من عنصر لآخر، فهناك عناصر تؤدى إلى السمية في التركيزات القليلة، مثل الكادميوم والرصاص والزئبق، وهناك عناصر ذات تركيزات سمية عالية مثل الكوبلت والنيكل. وتابع أن السمية تنقسم إلى ثلاثة أنواع: سمية خطرة، وسمية حادة، وسمية مميتة، والجرعة الخطرة هي وصول المسبب إلى التركيز الذي يؤدي إلى خلل في العمليات الفسيولوجية داخل الجسم؛ مما يتسبب في الوفاة، وهي الجرعة التي تصل إلى جسم الإنسان بتركيز عالٍ دفعة واحدة. أما السمية الحادة أو التلوث البطيء فهو أن يتم أخذ كميات بسيطة من العنصر في الغذاء وعلى فترات طويلة، حتى يتم تخزين العنصر بالدرجة التي تسبب الوفاة، والسمية الخطيرة هي أن يتم تركيز العنصر داخل الجسم على فترات قريبة وبدرجة تؤدي إلى حدوث مخاطر صحية. واستنادًا إلى بعض الدراسات التي أجراها الدكتور ممدوح محيي الدين في مناطق مختلفة من الجيزة ومنها المناطق المشار إليها سابقًا، والتي تتمثل نتائجها في أن هناك زيادة في محتوى الأرض من المادة العضوية عند الري بمياه ملوثة "مياه الصرف الصحي"، وأن هذه الزيادة في المادة العضوية كانت واضحة في الأراضي المجاورة لمصدر التلوث وأيضًا محتوى كربونات الكالسيوم، فإنها سلك نفس سلوك المادة العضوية. فيما أكد الدكتور بدوي لبيب محمود أستاذ أمراض الباطنة والكلى بكلية طب جامعة عين شمس خطورة التعامل مع مياه الصرف الصحي أو شرب مياه مختلطة بمياه الصرف الصحي؛ نظرًا لأن مياه الصرف الصحي توجد بها أملاح ضارة ومعادن ثقيلة مثل الزئبق، إضافة إلى الميكروبات والفيروسات. وأضاف أن ما سبق له تأثير سلبي كبير، والمشكلة لا تكمن في استخدام مياه الصرف في الري، موضحًا أنه من الممكن استخدام هذه المياه، ولكن بعد أن تتم معالجتها من الأملاح الضارة وما شابه. بل إن خطورة شرب هذه المياه بما فيها من أملاح ضارة ومعادن ثقيلة ضارة جدًّا وميكروبات وفيروسات، مشيرًا إلى أن كل ما يدخل إلى جسم الإنسان من سوائل وأكل يمر على الكلى، فالكلى في جسم الإنسان مثلها مثل فلتر المياه يمر فيها كل شيء ضار، ومع مرور الوقت تتدمر أنسجة الكلى ويحدث فشل كلوي. وأضاف أن ذلك يسبب أيضًا الإصابة بفيروسات الكبد الوبائي، وتحديدًا فيروس "A"؛ لأن مياه الصرف الصحي تحتوى على براز الإنسان، والذي بالفعل يحمل فيروس "A".