جامعة بنها تطلق برنامجًا جديدًا لتصميم وصناعة الحُلي والمجوهرات بالعبور    افتتاح مصنع لإنتاج المواسير الصلب والأثاث المعدني باستثمارات 4.5 مليون دولار    الصين: المحادثات التجارية الأمريكية- الصينية تسفر عن اتفاق أولي    "القاهرة الإخبارية": 400 شاحنة مساعدات إنسانية تتحرك من مصر نحو غزة    فتح: نرفض حكم الفصائل لغزة.. وعلى حماس القدوم لباب الوحدة الوطنية    الكرملين: بوتين اتفق مع ترامب على أن عقد قمة في بودابست الآن أمر لا معنى له    أرسنال يواجه كريستال بالاس بتشكيل هجومي    متى تقام مباراة توتنهام هوتسبيرز ضد ايفرتون والقنوات التي تتولى نقلها    سرقة أموال وسجائر.. تأجيل محاكمة 9 متهمين بقتل وإصابة شخصين في سطو على سيارة بالإسكندرية    أموال المخدرات.. حبس المتهم بقتل زوجته بتعذيبها وصعقها بالكهرباء في الإسكندرية    المرشح أحمد حسام: "شرف كبير أن أنال ثقة الخطيب وأن أتواجد ضمن قائمته"    مدير الكرة بالزمالك يحذر شيكو بانزا من إثارة غضب الجماهير    عبده اللاه رئيسا للدفاع بالشيوخ    القاهرة الإخبارية: اشتباكات في الفاشر بعد إعلان "الدعم السريع" السيطرة على الفرقة السادسة    درجات الحرارة اليوم الأحد، العظمى والصغرى تتساوى في بنها    أحمد جابر قائما بأعمال رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي    مساعد وزير الثقافة يفتتح مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية    وزير الصحة: تحقيق نقلة نوعية في الخدمات الطبية بمستشفيات الصعيد    كيف تتعاملين مع إحباط ابنك بعد أداء امتحان صعب؟    الرئيس الفلسطيني يصدر قرارًا بتولي نائبه رئاسة فلسطين حال خلو منصب الرئيس    الحضور الرسميون فى مئوية روزاليوسف    الشوربجى: الصحافة القومية تسير على الطريق الصحيح    لتطوير برامج اللغة العربية.. "الشارقة للتراث" يعزّز التعاون الأكاديمي مع جامعة تشيجيانغ الصينية    نائب محافظ المنوفية يتابع نسب إنجاز منظومة تقنين الأراضي أملاك الدولة    البديوي: احتفالية "وطن السلام" درس للأجيال الجديدة ورسالة من قلب العاصمة الإدارية    وزيرا الخارجية والعمل يناقشان الهجرة والعمالة المصرية بالخارج    القومي للترجمة يقيم صالون «الترجمة وتحديات التقنية الحديثة» في دورته الأولى    وزير العمل: إجازة للقطاع الخاص بمناسبة افتتاح المتحف الكبير.. السبت    حسام الخولي ممثلا للهيئة البرلمانية لمستقبل وطن بمجلس الشيوخ    قبل الكلاسيكو.. القلق يسيطر على معسكر برشلونة بسبب يامال    محافظ الجيزة: صيانة شاملة للمسطحات الخضراء والأشجار والمزروعات بمحيط المتحف المصري الكبير    رئيس الوزراء يستعرض الموقف التنفيذي لأبرز المشروعات والمبادرات بالسويس    الرياضية: اتحاد جدة يجهز لمعسكر خارجي مطول في فترة توقف كأس العرب    رئيس الوزراء يغير مسار جولته بالسويس ويتفقد مدرسة "محمد حافظ" الابتدائية    وزير المالية: «بنشتغل عند الناس.. وهدفنا تحسين حياتهم للأفضل»    الأهلي يشكو حكم مباراة إيجل نوار ويطالب بإلغاء عقوبة جراديشار    حصاد أمني خلال 24 ساعة.. ضبط قضايا تهريب وتنفيذ 302 حكم قضائي بالمنافذ    مركز الازهر للفتوى :الاعتداء على كبير السن قولًا أو فعلًا يعد جريمة في ميزان الدين    خاص| إجراءات قانونية ضد مدرسة خاصة استضافت مرشحة لعرض برنامجها الانتخابي في قنا    مصدر من الأهلي ل في الجول: فحص طبي جديد لإمام عاشور خلال 48 ساعة.. وتجهيز الخطوة المقبلة    وزارة الصحة تختتم البرنامج التدريبى لفرق الاستجابة السريعة لطوارئ الصحة    محافظ المنوفية يقرر استبعاد مدير مستشفى سرس الليان وإحالة 84 عاملا للتحقيق    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم 26 اكتوبر وأذكار الصباح    «الداخلية» تكشف حقيقة اعتداء وسرقة «توك توك» بالإسماعيلية    التحريات: المتهمة بتعذيب طفليها منفصلة عن زوجها وارتكبت الواقعة قبل 3 أشهر    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد حوكمة وتوفيق أوضاع شركات التأمين    عمرو الليثي: "يجب أن نتحلى بالصبر والرضا ونثق في حكمة الله وقدرته"    الكشف على 562 شخص خلال قافلة طبية بالظهير الصحراوى لمحافظة البحيرة    د. فتحي حسين يكتب: الكلمة.. مسؤولية تبني الأمم أو تهدمها    بحفل كامل العدد.. صابر الرباعي وسوما يقدمان ليلة طربية في ختام مهرجان الموسيقى العربية    بوتين: قوات الردع النووي الروسية في أعلى مستوى وتتفوق على الدول النووية الأخرى    مسئول أمريكي: الولايات المتحدة والصين تعملان على التفاصيل النهائية لاتفاق تجاري    تداول 55 ألف طن و642 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    موعد بدء شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيام الصيام    أمير قطر: لقائي مع الرئيس ترامب كان فرصة طيبة لمناقشة خطط السلام في الشرق الأوسط    رغم ارتفاع أسعاره.. ما هي الأبراج التى تحب الاستثمار في الذهب؟    مواقيت الصلوات الخمس في مطروح اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فهد الريماوي: عرس الموت في كراكاس
نشر في البديل يوم 21 - 03 - 2013

رب أخٍ لك لم تلده أمك، ورب شقيق ناصري لك لم تنجبه العروبة، ولم يُخلّفه عدنان وقحطان، بل ولد من رحم فنزويلا، وخرج من صلب سيمون بوليفار، ورضع من أثداء الأناناس في أمريكا اللاتينية وليس من آبار النفط في الجزيرة العربية.
رب نسر فنزويلي اسمه هوجو شافيز أخلص للعروبة من أبنائها، وأوفى لفلسطين من أشقائها، وأحرص على سوريا من "أصدقائها"، وأقرب الى الناصرية من أحبائها، وأشجع في معاداة الامبريالية والصهيونية والماسونية من كل أعدائها.
مؤلم أن يغيب هذا الفارس النبيل في هذا الوقت العصيب، وأن نقف بين يدي هذه المناسبة الحزينة خاشعين نذرف العبرات الحرى والعبارات الرثائية والجنائزية، مستذكرين فاجعة ناصرية أخرى دهمتنا من حيث لا نحتسب، يوم رحيل "أبو خالد" منذ نيف وأربعين عاماً.
مؤلم أن يرحل شافيز، ثاني قائد ناصري في التاريخ بعد جمال عبد الناصر، وصاحب أعظم تجربة في اقتباس الناصرية، وزرع مبادئها وأشتالها في تربة أمريكا اللاتينية، وترجمة معانيها وأدبياتها وتطبيقاتها من العربية الى الفنزويلية، واغنائها بالجديد والمفيد من الاضافات والاجتهادات النظرية والعملية التي أفرزتها طبيعة العصر ومستحدثاته.
مبكراً رحل شافيز شأن رائده ومعلمه عبد الناصر، فكلاهما رحل في ريعان الكهولة ولم يتجاوز العقد الخامس من العمر، وكلاهما أثار برحيله حزن الفقراء البسطاء والثائرين الشرفاء، وترك للخونة والعملاء والمستكبرين والرجعيين أن يتنفسوا الصعداء، فما شماتة أمريكا وأوروبا وإسرائيل الراهنة بموت شافيز، سوى نسخة جديدة من شماتتها وتشفيها قديماً بموت عبد الناصر، وما فرحة عملاء واشنطن في كولومبيا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية بانزياح "كابوس" شافيز عن صدورهم، غير إعادة انتاج لفرحة عملاء تلك الواشنطن في السعودية وباقي دويلات الملح والنفط بانزياح "كابوس" عبد الناصر.
ولكن غاب عن أولئك العملاء الجهلاء الشامتين، أن العظماء قد يموتون ويغيبون، غير أنهم لا يسقطون من ذاكرة التاريخ، ولا يُدفن تراثهم معهم ويُهال عليه التراب، بل يبقى حاضراً وساهراً ينتقل من عصر الى عصر، ومن قطر الى قطر، ومن قائد الى قائد.. وما انتقال الناصرية من الوطن العربي الى القارة الأمريكية، وما اعتناق شافيز لها بعد عشرات السنين من رحيل مؤسسها، إلا دليل على ان المبادئ والعقائد والأفكار والمشاريع الكفاحية والتحررية العظيمة لا تموت بموت أصحابها، ولا تنزوي في أرشيف الفعل الماضي.
يقول عبد الناصر في "الميثاق الوطني" الذي طرحه اوائل عقد الستينات ليشكل هادياً نظرياً للعمل الوطني والقومي انذاك: "إن التجارب الاجتماعية لا تعيش في عزلة عن بعضها، وإنما تعيش، كجزء من الحضارة الإنسانية، بالانتقال الخصب والتفاعل الخلاق.. ولقد انتقل مشعل الحضارة من بلد الى بلد، لكنه في كل بلد كان يحصل على زيت جديد يقوي به ضوءه على امتداد الزمان".
وعليه، فليجفف الشامتون تشفياتهم، وليكفكف المبتهجون ابتساماتهم، وليتوقف الواهمون عن معاقرة الأوهام.. فشافيز الجسد رحل فعلاً، ولكن شافيز الملهم والمعلم والرمز الثوري سوف يبقى حاضراً في أشواق المستقبل، وماثلاً في عموم أمريكا اللاتينية، وخالداً في وجدان البشرية التقدمية، شأنه في ذلك شأن سائر الثائرين العظماء الذين انحازوا للكادحين، وتحدوا الطواغيت، وغيروا مجرى التاريخ.
لقد تجرأ هذا الناصري البوليفاري على البعبع الأمريكي المزمجر في واشنطن، ونازله على مدى أربعة عشر عاماً في عموم القارة اللاتينية، ثم ما لبث أن رفع راية العداء للصهيونية بمختلف تنويعاتها اليهودية والمسيحية والإسلامية، ودخل في "عروة وثقى" مع كاسترو الكوبي، وصدام العراقي، وبشار السوري، وبن بيلا الجزائري، وبوتين الروسي، ونجاد الإيراني، ولولا البرازيلي، وموراليس البوليفي، وغيرهم من أحرار العالم المغضوب عليهم أمريكياً وصهيونياً.
ولعل تعامل هذا الثائر الأممي مع قضية النفط، أن يصلح درساً بليغاً لعربان الرمل والنفط، فهو لم يترك آبار هذا الذهب الأسود غنيمة للشركات الأمريكية الشيلوكية، وفريسة للطبقة الرأسمالية الفنزويلية، بل سارع الى تأميم نفط بلاده منبعاً ومصباً، وعمد الى وضع عائداته في خدمة الطبقات المسحوقة، ولصالح التنمية والتحديث والنهوض القومي العام، وليس لتكريس التخلف، وشراء الأقلام، وانشاء الفضائيات، ونشر الفتن، وتأجير الجماعات الظلامية والإرهابية القادمة من أقبية وكهوف القرون الوسطى.
غير ان أروع وأبدع ما اجترحه شافيز، هو اعادة الاعتبار للاشتراكية التي هجرها الكثير من ادعيائها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ووضعها موضع التطبيق العملي والميداني في الرحاب الفنزويلي، وتشجيع أهل اليسار المحبطين على مراجعة أنفسهم واستعادة يساريتهم، ثم تسفيه مزاعم المفبرك - وليس المفكر - الأمريكي فرانسيس فوكوياما الذي فبرك أكذوبة "نهاية التاريخ"، وادعى ان التاريخ قد أسقط الفكر الاشتراكي من حساباته، واختار ان يجد نهايته بين يدي المذهب الرأسمالي والديموقراطية الغربية.
بالملموس، وعلى أرض الواقع، اثبت شافيز أن النظرية الاشتراكية ما زالت حية وضرورية رغم تداعي تطبيقاتها السوفياتية، وأن القلاع الرأسمالية ما زالت مأزومة وملغومة رغم بريق مظاهرها الخارجية فبينما كان هذا الربان الماهر يحرز النجاح في ارساء معالم مشروعه الاشتراكي، انهارت قلعة الرأسمالية العالمية في وول ستيرت، وأوشكت أمريكا عام 2008 على السقوط في قعر الإفلاس، مستتبعة في ذلك شقيقاتها الأوروبيات، بدءاً من اليونان، ومروراً بايطاليا، وانتهاء بأسبانيا.
يكفي شافيز فخراً ومجداً وخلوداً، انه قد أعاد التوازن للفكر العالمي، فلم يتركه نهباً للادعاءات الرأسمالية، وصحح الاتجاه لبوصلة التاريخ الإنساني، فلم يتركها أسيرة لتحشيشات فوكوياما، ووضع فنزويلا على خارطة الاهتمام والاحترام في سائر أرجاء المعمورة، بعدما كانت نسياً منسياً وبلداً بعيداً وقصياً، ناهيك عن رفضه العنيد لتلقي العلاج المتقدم في المستشفيات الأمريكية والأوروبية، حتى وهو يعلم أن مخرز السرطان يفتك بجسده، وأن ملاك الموت في انتظاره.
يا لحزننا المرير على فراق هذا الأخ الذي لم تلده أمهاتنا، وهذا القطب الناصري البوليفاري الذي احتفى بالعروبة بعدما نسيها أهلها، وناضل بجد واجتهاد لإحياء المفهوم الأممي التقدمي في مواجهة ذئاب العولمة الامبريالية، وفضح حقيقة الديموقراطية الأمريكية الزائفة التي حاولت مراراً اغتياله وقلب نظام حكمه، رغم أنه وصل سدة الحكم بالاختيار الشعبي الحر وعبر صناديق الاقتراع.
ويا لخجلنا الشديد من عار حكام أمتنا الرعاديد الذين اقعدتهم الخسة والشماتة والنذالة والعمالة لواشنطن عن المشاركة في جنازة هذا القاٌّئد المقدام، وعن تقديم بعض الوفاء له والعزاء لشعبه لقاء ما قدم لفلسطين والعروبة من مواقف وخدمات ومساعدات جليلة لا ينكرها إلا الزناديق والبناديق وأولاد الحرام !!
ويا لسوء حظنا برحيل قادة التحرر الوطني مبكرين، ومرورهم بمحطات الحياة مرور الكرام المسرعين، فلا يلبثون فيها الا قليلاً.. ربما لانهم يؤثرون خدمة شعوبهم على صحتهم وراحتهم، ويرهقون انفسهم في مزاولة الاشغال الشاقة، ويستنزفون عصارة عقولهم وحيوية اعمارهم باكثر من طاقة البشر.. وقد سبق لعبد الناصر ان اضاء هذا المعنى حين قال.. اشعر انني شمعة تحترق من طرفيها وليس من طرف واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.