في فترة ما قبل إقرار الدستور كان الإخوان يستخدمون القوى الوطنية والتي يسمونها القوى الليبرالية والعلمانية واليسارية كفزاعة ليخيفوا بها بسطاء الشعب أو من يعتقدون أنهم كذلك في حربهم الطويلة لتمرير الدستور المشوه باستفتاء مزور، حيث كانوا يروجون الإشاعات ضدهم واتهامهم بالكفر والضلال وأنهم يريدون للمجتمع العيش في الضلال والكفر، فضلا عن أنهم عملاء للأنظمة الغربية لتدمير هذا الوطن، وأنهم ضد الإسلام والشريعة التي يريد أنصار تيار الإسلام السياسي فرضها من خلال الدستور. الحقيقة أن نتيجة الاستفتاء المزور يصعب قراءتها إلا من خلال نسبة المصوتين عليه – إذا صحت هي الأخرى - وخاصة نسبة ال 18% من الكتلة التصويتية الموافقين عليه، بالإضافة إلى افتقار هذا الدستور للمعايير الدولية للدساتير مما يسقطه ويجعله باطلا، ورغم هذه الحقائق إلا أن هناك إصراراً لدى تيار الإسلام السياسي للمضي قدما في تطبيق هذا الدستور الباطل. وكما كان واضحاً من الطريقة التي تمت بها إدارة الأزمة الخاصة بالإعلان الدستوري المكمل الصادر يوم 21 نوفمبر 2012، أن جماعة الإخوان اضطرت إلى إدارة أزمة الإعلان التي فوجئت به – كما أفاد الأستاذ هيكل في أحد لقاءاته التليفزيونية بعدم معرفة الجماعة ومرشدهم به قبل صدوره- من الرئاسة لتلاقي أهداف الرئاسة مع أهداف الجماعة المتمثل في الإبقاء على اللجنة التأسيسية ومجلس الشورى لتقوم بدور العقل المحرك، وليقوم قطاع من السلفيين وقطاع من الإخوان باستخدام القوة سواء باستخدام العنف كما حدث في الاتحادية يوم 5 ديسمبر 2012، فضلا عن دور الفضائيات الدينية لتوجيه الرأي العام وتهيئته لقبول استخدام العنف ضد المعتصمين من الكفرة، بالإضافة إلى الاعتصام أمام المحكمة الدستورية العليا وأمام الإنتاج الإعلامي وأمام قسم الدقي، وحرق مقر حزب الوفد ومحاصرة مقر التيار الشعبي ومنزل السيد/حمدين صباحي، والتهديد بمحاصرة صحيفة الوطن. وبعد فرض الدستور الباطل وبالاستفتاء المزور، ظهر فيديو للدكتور/ياسر برهامي، النائب الأول لرئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، والذي كشف الدور الذي قام به ممثلي حزب النور في اللجنة التأسيسية لتمرير صياغات بعينها في مواد الدستور لتحقق أهداف معينة للسلفيين، وقد تعددت التفسيرات لأسباب تسريب هذا الفيديو ومنها أنها مطالبة من السلفيين للإخوان بدفع الاستحقاق المنتظر من مساندتهم لتمرير الدستور الباطل من خلال ترسانة منتظرة من القوانين التي يجب أن تقيد مؤسسة الأزهر والمحكمة الدستورية العليا والحريات بما يقلب مجتمعنا للشكل الذي يهدف له السلفيين من دولة إسلامية تعود إلى أربعة عشر قرنا تتخلف فيها عن القرن الواحد والعشرين شكلاً ومضموناً، كما يسعون من خلال هذه الدولة إلى التحضير لشعب السمع والطاعة والتي يحكمها رجال دين يحكمون وفق رؤيتهم الشخصية للشريعة دون السعي الحثيث للاجتهاد بالفقه الذي ينقل المجتمع لهذا القرن الذي نعيشه، وهذا من وجهة نظري إفلاس فقهي وفكري واعتراف ضمني من التيارات الإسلامية بصعوبة تخطى الاجتهادات الفقهية السابقة بغيرها من الاجتهادات التي تتواكب وطبيعة عصرنا، وهذا دليل على عدم قدرة هؤلاء على التكيف مع روح العصر الحالي. ومما لاشك فيه، أن وصول السلفيين للدولة الدينية –وفق رؤيتهم هذه- والتي كما يبدوا أن الإخوان لا يعترضون عليها طالما أن الدور الذي سيقوم به السلفيين وبالكيفية التي سيقدموها من ترهيب واستخدام أو التهديد باستخدام العنف لإجبار المجتمع على الانصياع لطلباتهم كفيل بتفرغ الإخوان بالحكم مع مشاركة محدودة من السلفيين في مؤسسات الدولة في مقابل شغل الشعب بالقوانين والحوادث المتتالية لتطويع المجتمع، ومن ثم فإن الإخوان لن يجدوا أفضل من السلفيين لاستخدامهم كفزاعة للمجتمع لإشغاله عن نقد الإخوان –كما يتصورون- بحيث يقوم الإخوان بدور الرافض لهذه التصرفات ومن ثم يلجأ الشعب مستغيثا من السلفيين بالإخوان لتلعب الأخيرة دور حامي الحمى والساعية لتحقيق العدل والمانعة لتكرار سيناريو مقتل الطالب السويسي الذي قتلته الجماعة المسماة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الحوادث المتناثرة الموجهة للسيدات والفتيات سواء في مجالات عمل بعينها يرى تيار الإسلام السياسي حرمتها أو في ملبسهن. وفي النهاية يكون الإخوان، تغلبوا على صعوبة تطويع وزارة الداخلية بكامل قوتها لقمع المجتمع بفزاعة السلفيين، ومن ثم يوصلوا رسالة مفادها الاختيار بين أثنين كلاهما مر، إما الإخوان أو السلفيين، كل ذلك بلاشك كان يستقيم لو لم تكن هناك معارضة ليس بالضرورة معارضة من قبل أحزاب سياسية، ولكن معارضة من قبل الشارع الذي قاطع الاستفتاء المزور ورفض الدستور الباطل، فضلا عن أن الإخوان لا يستوعبون بأنهم هم من بالحكم وهم أول من سيتم توجيه الإدانة والمطالبة بمحاكمتهم واتهامهم بالشراكة مع السلفيين في كل فعل من شأنه تقييد الحريات أو إرهاب المجتمع. الحقيقة أن الشارع هو رمانة الميزان في المشهد السياسي، ولم يعد ينفع معه سياسة الفزاعات لأن من بالسلطة لا يرى هذا الشارع ويحاول أن يتجاهل وجوده رغم بروزه في المشهد وبقوة، وأن أي محاولة من قبل أي جهة لتقييد الحريات أو القضاء على دولة القانون في مصر لن تجدي مع شعب كسر حاجز الخوف للأبد. Comment *