تعتبر قضية (حق العودة)هي أحد المعضلات الأساسية في أي تسوية نهائية في الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي ..حيث يري الفلسطينيون أنه من حق الذي طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948 أو في أي وقت بعد ذلك، العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل عام 1948، وهذا الحق ينطبق على كل فلسطيني سواء كان رجلاً أو امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن تواجدها ومكان ولادتها وظروفها السياسيةوالاجتماعية والاقتصادية.. فيما يواجه ذلك اعتراض إسرائيلي علي أساس القضية وكيفية حلها . ولمحاولة فهم أبعاد القضية سنحاول إلقاء نظرة علي البعد التاريخي لها.. يبدأ أصل المشكلة من نزوح السكان الفلسطينيين من أراضيهم منذ بداية عام 1946 وتم تقدير عدد النازحين حتي نهاية حرب 1948 بحوالي 7000.000 نازح. وتختلف التفسيرات من الجانبين عن أسباب النزوح ، فالساسة والمؤرخون الإسرائيليون يدفعون بأن العرب هم من فروا من ديارهم إما "طوعاً" ، أو لأن قادة الدول العربية قد حثتهم -أو أمرتهم -بالمغادرة ,فيقول بن جوريون: (العرب هربوا من البلاد وكانت البلاد فارغة من أصحابها الأصليين ، لم يكن من الممكن لصهيوني في فترة ماقبل قيام الدوله اليهودية أن يتصور حدوث شئ كهذا ) . فيما يضع الجانب الفلسطيني عدة أسباب للنزوح من أراضيهم تتلخص في : 1. الانتداب البريطاني:قانون حكومة الانتداب صرّح بأن “ حكومة الانتداب البريطانية يجب أن تشجّع بالتعاون مع الوكالة اليهودية، على هجرة اليهود إلى فلسطين و السعى لامتلاكهم الأراضي هناك. 2. الحالة الاقتصادية:منذ 1920 وضعت بريطانيا فلسطين في وضع إداري واقتصادي صعب لإجبار الفلسطينيين علي طلب فرص العمل في البدان العربية المجاورة. 3. المذابح الصهيونية:قامت المجموعات اليهودية مثل (الأرجون والهاجانا والسترنج جانج) بمذابح عديدة أشهرها مذبحة ديرياسين دون أي سبب عسكري أو استفزاز من جانب الفلسطينيين ,وكذلك احتلال مدن مثل يافا وحيفا وتهجير 300,000 من سكانها قصرا. 4. خطة التقسيم:التي كانت غير عادلة فأعطت الأقلية الصهيونية حوالي 56%من إجمالي الأراضي. 5. ممارسات الجيش الاسرائيلي بعد حرب 1948 6. قانون امتلاك الأراضي:رفض الاسرائيليون بعد الحرب عودة اللاجئين وأصدروا نظام الأراضي المتروكة 1949 وقانون الملكية الغائبة 1948 وتشير الوثائق إلى أن فكرة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم متأصلة في العقلية الصهيونية قديما قبل 1948 فتوصيات لجنة بيل البريطانية في مايو 1937، التي أوصت بالنقل السكاني لعدة مئات من الآلاف من الفلسطينيين العرب بحد أدنى (إن لم يكن جميعهم) من المناطق التي خصصت للدولة اليهودية وقد لاقي ذلك قبولا في التخطيط الإسرائيلي لقيام دولة إسرائيل، قال بن غوريونفي 1938: "اُؤيد النقل السكاني القصري للفلسطينيين. لا أرى أي شيء غير أخلاقي في هذا,نقل العرب أسهل من نقل أي ناس آخرين . هنالك دول عربية مجاورة ... ومن الواضح إنه إذا نُقلالعرب فهذا سيحسن من أوضاعهم وليس العكس." ويري الإسرائيليون أن حل القضية يكمن في : 1. التعويض:وذلك بتكوين صندوق دولي يتولي تعويض اللاجئين الفلسطينيين عن تهجيرهم في مقابل إسقاط حق العودة ,وبذلك تكون إسرائيل قد حصلت على اعتراف من الفلسطينيين بشرعية الدولة الإسرائيلية 2. التوطين:وذلك بإجبار الدول العربية أو ترغيبها في توطين من لديها من اللاجئين 3. العودة إلي الأرض:وهو مشروط بأن يكون اللاجئ قد ولد في فلسطين أو له أقارب درجة أولى في فلسطين، وأنه لم يقم في حياته بفعل أو قول تعتبره (إسرائيل) معادياً لها، وأنه يعود بنفسه، ولا يعود معه أولاده وأحفاده، وعليه تقديم الأوراق الثبوتية أنه فلسطيني عام 1948، ويترك ل (إسرائيل) حق السيادة في قبول طلبه بالعودة أو رفضه. بينما يتمسك الجانب الفلسطيني في حل القضية بالقرار رقم 194 الصادر في ديسمبر 1948 وينص في الفقرة 11 منه علي (تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.) فيعتمد الجانب الفلسطيني علي القرار في أن عودة اللاجئ لا تتم قانوناً إلا بالعودة إلى بيته الأصلي، ولا تتم العودة بتغيير عنوان اللاجئ من معسكر إلى معسكر آخر حتى لو كان في فلسطين..وهذا ما ينطبق علي (عرب 48 )الذين يعيشون داخل اسرائيل ولكن يطلق عليهم لاجئين رغم أن بعضهم يعيش علي بعد 2 كم من بيته الأصلي هذا وتضع الدولة الإسرائيلية خطوطا حمراء كثيرة علي قضية (حق العودة) وتراه قضية إستراتيجية خطيرة علي أمنها القومي لعدة أسباب من أهمها: 1. فزاعة الخطر الديموغرافي: "إن الرحم الفلسطيني هو قنبلة موقوتة فعلاً وستؤدي في نهاية المطاف إلى ترجيح كفة الميزان ومنعنا من الحفاظ على التوازن. في مايو2048... الواقع الديمغرافي سيفيض من الوعاء وسيتفوق على آباء الصهيونية الذين آمنوا بفكرة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"اريك بندر ويوآف برومر (معاريف) . نشرت الصحافة الإسرائيلية توقعات بأن اليهود باتوا أقلية - أي 50.5% - سنة 2001 وأقل من 50% سنة 2003 وأنهم لن يشكلوا أغلبية في سنة 2025 إلا 42% من السكان في فلسطين الانتدابية... مستنتجة بذلك أنه إذا لم تجد إسرائيل حلاً للعرب سيضيع حلم الدولة اليهودية. إن فزاعة الخطر الديمغرافي التي أثارتها الصحف الإسرائيلية ترسم حدوداً فكرية وتدق جرس إنذار سياسي أمام قادة إسرائيل من القبول بحق عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين لأنه بذلك تختفي يهودية ونقاوة الدولة العبرية. 2. السيطرة علي المكان: (الهدف الذي تسعى إليه خطة "الانطواء" أو خطة "التجميع" التي يدعو إليها إيهود أولمرت هي الفصل بين إسرائيل والفلسطينيين... أولمرت يذكرنا بالبعد الديمغرافي، اليهود سيصبحون أقلية خلال عشرين سنة ما بين البحر والنهر، ودولة إسرائيل مطالبة بالحفاظ على أغلبية يهودية، وإلا فان وجودها تحدق به المخاطر) "هآرتس"، 13مارس2006 الكاتب الإسرائيلي "غيدي غرينشتاين" في صحيفة "معاريف" بتاريخ 18سبتمبر 2005 يقول: "إن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تقوم في لب الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني... وفي أعقاب الانفصال نشأت لحظة نادرة في قضية اللاجئين، بعد خروج إسرائيل من حدود غزة- مصر حيث فتح باب لتقديم حل، حتى قبل التسوية النهائية يستطيع اللاجئون أن يعودوا إلى غزة من الأردن ولبنان ويمكن البدء في نقل صلاحيات وكالة الغوث إلى السلطة الفلسطينية" 3. فزاعة حماس: أيضا فإن فوز حركة حماس بالانتخابات التنفيذية الفلسطينية من شأنه أن يشكل خطراً إستراتيجياً على دولة إسرائيل كون هذه الحركة تطالب بحق عودة اللاجئين ولا تعترف بدولة إسرائيل وتنادي بإقامة دولة فلسطين التاريخية ، يقول "سيفر بلوتسكر" في "يديعوت احرونوت" في 2006: "الجمهور رد على انتصار حماس كإنسان عادي يشاهد نمراً مفترساً في باحة بيته... ظهرت سلطة سياسية فلسطينية محكومة بيد حماس، التنظيم الذي سيعلن أنه سيقضي على دولة إسرائيل ويقيم دولة فلسطين مكانها,إن طرح عودة اللاجئين في برنامج حركة حماس وعدم الاعتراف بإسرائيل، أشعل ضوءاً أحمراً فيها، وأصبح حتى التنافس الحزبي في إسرائيل قائماً على أساس محاربة هذا الحق وفرض العقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني" فيمكن أن نخلص من ذلك إلي مدي رؤية إسرائيل لخطورة قضية (حق العودة) علي أمنها ويقابل ذلك رسوخ هذه القضية في العقل العربي وأنها جزء أساسي للحل الشامل للقضية الفلسطينية ..ولذلك يحتاج دفع هذه القضية –وبالتأكيد القضية الفلسطينية ككل- إلي تغير استراتيجي علي الأرض ..ففي ظل التوازنات الحالية ووقوف القوي الكبري بجانب وجهة النظر الإسرائيليةلنيكون هناك تغيرا إيجابيا في مسألة حق العودة ,وهذا لا ينفصل عن الواقع العربي إطلاقا ومدي قدرته علي دفع حقيقي في هذا الاتجاه, فهذا يحتاج ضغطا سياسيا واقتصاديا وربما تغيرا علي موازين القوي علي الأرض من أجل تحريك القضية المجمدة تماما ,خصوصا بعد توقيع اتفاقية أوسلو,فإلى أي اتجاه ستسير موازين القوي في الشرق الاوسط وخصوصا بعد موجة ثورات العرب !؟ وهل سينتج ذلك تغيرا حقيقيا في سياسة الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية ككل وبالطبع حق العودة كجزء أصيل منها؟