أحد عمال الترحيلات فشل في التحدث مع الرئيس جمال عبد الناصر خلال جولته بإحدى المحافظات، وهو مستقل القطار الذي وقف لدقائق؛ لكي يسلم الرئيس على الموجودين بالمحطة، فألقى العامل منديله على الرئيس، فتلقفه، وحراسه هلعوا من الخوف من أن يكون قنبلة. الجميع اندهش، بينما الرئيس عبد الناصر فتح المنديل، فوجد بصلة ورغيف عيش بتاو، وفهم أنها رسالة لضيق اليد وقلة العيش والحرمان من الحقوق، حيث كان العيش البتاو والبصل والجبن القديم طعام العمال طوال فترة الترحيلة. ابتسم الرئيس، وقال للعامل والقطار يتحرك "الرسالة وصلت يا ابويا". بعد هذا الموقف أمر عبد الناصر بتطبيق زيادة عادلة في أجورهم وتحسين أحوال تلك الفئة من العمال، التي لا تستقر في مكان، وتسافر من مكان لآخر؛ للقيام بعمل قصير الأجل أو موسمي، كالفلاحين أو عمال البناء وغيرهم. وبعد رحيل عبد الناصر عن عالمنا ظل الملايين من العمال والفقراء والأرزقية ينتظرون أن تنظر إليهم الحكومات، التي توالت منذ أكثر من 60 عامًا بعين الرحمة، ولكن لا يزال حالة هؤلاء كما هو، فلا يوجد دخل ثابت أو مظلة ضمان تحمي أيامهم المقبلة، ولا يزالون على هامش المجتمع، منتشرين في الشوارع، دون أن بنظر لمشاكلهم أحد. أصحاب مهن وبائعون وعمال سقطوا من الإحصائيات، ولا تجد لهم ذكرًا في خطط حكومات متعاقبة، يطلق عليهم عمال "الأرزقية"، أي من يكسبون قوتهم يومًا بيوم، فإن توقف العمل يومًا واحدًا لأي سبب، فالأسرة محكوم عليها بالنوم دون عشاء، مما يضطر أطفالهم إلى الخروج إلى سوق العمل في عمر السنوات السبع أو أقل. بالنسبة لعمال التراحيل ليس هناك تأمين صحي، ولا مرتب ثابت، إذا ساء الوضع الصحي، فلا عمل، ولا دخل، وقتها سيجوع الصغار، وربما يطردون من الحجرة أو الشقة الصغيرة التي تؤويهم، هذا بخلاف إصابات العمل، حيث يمكن أن يسقط الكثير منهم أثناء عمله في حمل مواد البناء من مسافة مرتفعة؛ ليؤدي ذلك إلى موته، أو على أفضل تقدير كسر أحد أطرافه، وربما يفضل الكثيرون منهم الحالة الأولى عن الحالة الثانية، وبالطبع إصابات العمل تكون بلا تعويض؛ إذ لا مسؤولية لأحد تجاههم، ولا عمل ثابتًا يخصهم. وفى محاولة لعلاج تلك المشكلات بعد أكثر من60 عامًا من الإهمال، وبعد مرور ما يقارب ال 4 سنوات على حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته والبرلمان، أدركوا أن ملايين "الأرزقية" والعمالة الحرة لا توجد لهم مظلة تأمين على الحياة وتأمين صحي تحميهم، وتحمى أسرهم من شبح الخوف من المستقبل، لذلك بدأت الحكومة في دراسة إنشاء نظام تأمين على الحياة للعمالة الحرة. ملامح مقترحة من الحكومة والبرلمان كشف بعض المسئولين عن النظام المقترح، الذي بدأت الحكومة في دراسته، وهو النظام للفئة العمرية من 18 إلى 59 عامًا، ودون كشف طبي، تمنح شهادة تأمين على الحياة، بفئات تتراوح بين 500 و2500 جنيه، تسدد مرة واحدة، وتستحق شهادة التأمين على الحياة في حالة الوفاة صرف الشهادة بمقدار يتراوح بين 50 ألفًا و250 ألف جنيه، أو من خلال معاش شهري لمدة ما بين 5 و10 سنوات بقيمة 1000 إلى 3000 جنيه. إسماعيل نصر الدين، عضو البرلمان عن دائرة حلوان، بدأ في جمع توقيعات النواب بعد إعداده مشروع قانون بشأن "أوضاع وحقوق العمالة الموسمية"، مؤكدًا أن مشروع القانون يهدف إلى وضع تعريف شامل وجامع للعمالة الموسمية وآليات حصولهم على حقوقهم كاملة، وأنه لا بد من دمجهم في المجتمع العمالي بقوانين تضمن ذلك، وأن فكرة سن تشريع خاص بهم غابت عن الحكومات بقصد أو دون قصد. وأشار نصر الدين إلى أن مشروع القانون تضمن تعريفًا مصطلحيًّا، وهو "الأجرية" و"الأرزقية"، وهما أشهر مسميات فئة العاملين بنظام اليومية والأجر اليومي، ويقدر عددهم ب 18 مليون عامل، بدون قانون يحميهم، ويضمن خضوعهم لنظام تأمين اجتماعي، يؤمن لهم حياة إنسانية كريمة ومستقبلاً أفضل. وقال عضو البرلمان، في تصريح ل"البديل"، إن العمالة الحرة يستغلها أصحاب الأعمال والمقاولون ومكاتب التوظيف وغيرهم، ويتعرض أغلب العاملين للاستغلال، وعلى سبيل المثال قبولهم العمل لفترة طويلة في اليوم بأجور متدنية؛ من أجل حاجتهم الماسة للعمل وتوفير مال لأسرهم، في ظل الظروف الاقتصادية؛ ولذلك نحاول من خلال سن القوانين أن نضع نظامًا تأمينيًّا لهم، يشعرهم بالأمان. واستطرد أن القانون يتكون من 6 مواد، المادة الأولى تتضمن النص على العمل بالأحكام الواردة فيه بشأن التأمين على عمال اليومية غير العاملين بالجهات الحكومية، ويشار إليهم فيما بعد ب"عمال اليومية"، وذلك كله دون الإخلال بأي مزايا مقررة في قوانين أخرى للخاضعين لأحكام هذا القانون، سواء كانت هذه القوانين سارية في الوقت الحالي، أو يتم إصدارها في المستقبل. وتابع "أما المادة الثانية فتنص على إنشاء نظام تأميني على عمال اليومية يكفل لهم تعويضًا ماليًّا عند العجز أو الوفاة، أو صرف معاش بحسب الأحوال، بحيث يكون صرف المعاش لمن يتم مدة الاشتراك اللازمة لذلك، بعد الوصول لسن 60 عامًا ، أو صرف التعويض المستحق عند إصابة العامل بعجز جزئي أو عجز كلي، والمادة الرابعة تنص على أن تتولى الدولة دفع اشتراكات من يصاب بعجز كلي أو جزئي، يقعده عن العمل".