يبدو أن الأوضاع في سيناء عموما والعريش بالتحديد، تسير على خطى سوريا والعراق؛ في سيطرة الجماعات المسلحة على مناطق من الأرض، وتجلى الأمر في هجرة أكثر من 50 أسرة مسيحية من العريش إلى الإسماعيلية ومحافظات أخرى، بعد مقتل سبعة أقباط على يد متشددين، فضلا عن تهديدات كثيرة بالقتل. داخل بيت الشباب بالإسماعيلية، الذي استقبل 43 أسرة من الأقباط النازحين من العريش إلي الإسماعيلية خوفا من الموت الذي أصبح يحاصرهم في منازلهم، إلي مجهول في انتظارهم لا يعرفون عنه شيء. الأطفال تلهوا وتلعب في الحديقة بعد أسبوع أو أكثر من الحبس في المنزل، وكأنهم وجدوا ضالتهم من المرح، وعلى الجانب الآخر، تجد شيوخا وشبابا ونساء صامتين ينتظرون مصير مجهول بالنسبة لهم، هل سيعودون إلي بيوتهم مرة أخرى أم تنجح الدولة في توفير سكن لهم في محافظة جديدة عليهم، أم ماذا سيفعل بهم المستقبل بعد انتهاء استضافتهم في بيت الشباب؟ ماري: قتلوا جارنا فهربنا قبل ما نموت حاولنا اختراق الصمت، لكن وجدنا الأمر ليس هينا على السيدة ماري، التي ملئت الدموع عينيها أثناء حدثها ل«البديل» عن مقتل جارهم كامل رؤوف، الذي قتل علي يد الجماعات الإرهابية أمام أولاده وزوجته وأحرقوه في بيته، قائلة: «أحنا في العمارة اللي جنب كامل، وكنا كل شوية نلاقي ناس غريبة بتيجي عند البيت بتسأل إذا كان فيه مسيحيين في العمارة، هما عندهم 18 و 19 سنة ولابسين عادي، بس أحنا ما نعرفهمش وإلا كنا بلغنا عنهم، سألوا على ابني الكبير مرة قبل كدة، وقولنا عادي يعني ناس بتسأل بس بعد اللي حصل لكامل وحرق العمارة اللي جنبنا خلاني أخاف، فلميت هدومي أنا وعيالي وجوزي ونزلنا بالليل ركبنا العربية وجينا على الإسماعيلية علشان مفيش حد يشفنا من الناس اللي أحنا ما نعرفهاش دي ويقتلونا». وأضافت: «أنا بشتغل في مجلس المدينة، بس بقيت أخاف أروح الشغل لما بدأنا نسمع عن قتل المسيحيين، أنا بقالي 32 سنة ساكنة في العريشمالي وحالي كله هناك، بس الخوف والرعب اللي أحنا عايشين فيه هناك يخليني أسيب كل ده وأهرب على هنا، وخصوصا بعد موت جارنا، فأصبح الموت قرب مننا بعد ما كنا بنسمع عنه، كل جيرنا بعد الحدث ده قفلوا شقوقهم ولمينا بعض وسبنا العريش حتى جيرنا المسلمين اللي ساكنين معانا في البيت خايفين هما كمان». جورج: أسوأ 20 يومًا مروا على العريش لم تعد الحياة كما كان يعيشها جورج سابا موسى، مدير عام قسم الاستحقاقات بالإدارة الصحية بالعريش سابقا، الذي أخذ أولاده وزوجته، وأغلق عمارته بالكامل، وخرج من العريش في السادسة صباحا، متجها إلي الإسماعيلية، خوفا من أن يلقي مصير باقي الأقباط الذين ذبحوا وقتلوا وأحرق منازلهم، يقول: «أنا أتعينت في العريش من سنة 1979، يعني بقالي 38 سنة ساكن هناك، لم أر أسوأ من العشرين يوم اللي عدوا، الوضع أسوأ مما تتصور، أنا قاعد في البيت لا قادر أنزل ولا أنزل حد من عيالي يروح مدرسة ولا يجيب حاجة من الشارع، كنا عايشين في رعب وخوف، لو سمعت صوت بره البيت كنت أخاف أفتح أشوف فيه أيه بيحصل، شفت بعيني جثث محروقة في مشرحة مستشفي العريش ده غير اللي سمعناه عن ذبح صاحب سوبر ماركت في الحي اللي جنبنا، فمقدرتش أستنا أكتر من كدة، لأن الدور جاي علينا أحنا كمان الخطر بيقرب لينا». وتابع جورج: «الناس اللي بيقتلوا المسيحيين ما بيطلعوش غير بالليل وبيسألوا علي الرجالة الأول وبيقتلوهم ويخرجوا الستات والأطفال ويحرقوا البيت بالجثث اللي قتلوها فيه، أنا بسمع المسؤولين اللي بيجوا يزورونا بيقولوا كلها كام يوم ترجعوا تاني أنا مش عايز أرجع للموت، أحسن حاجة ليا أعيش هنا في أي مكان ولا أني أرجع للموت والرعب والخوف اللي كنا فيه مرة ثانية». قدري: الأمان في غرفة بالإسماعيلية أفضل من شقة في العريش أما عماد قدري، أحد الأهالي النازحين، قال: «الوضع في العريش مش أمن واستهداف للمسيحيين، لكن بدأ يوصلنا في بيوتنا بنشوف الناس بتموت ومحدش يعرف عنها حاجة ولا حد بيسأل فيهم، وكنا قاعدين وساكتين بس لما يوصل الأمر أنهم يقتلوا 9 أفراد في أسبوعين لازم أخاف علي نفسي وعيالي وأسيب البلد وأهرب بدل ما أحصل اللي مات وأولادي تتيتم، أنا راجل سباك على باب الله فمش فارق معايا أقعد هناك أنا خايف على نفسي». وأضاف: «الأفضل ليّ أني أقعد في غرفة واحدة هنا في الإسماعيلية وأحس بالأمان أحسن من شقتي اللي في العريش بدون أمان، لأن اللي بيحصل في العريش حرق بيوت وقتل ودبح كل الحاجات دي أنا سمعتها من الأحياء اللي جنبي، فمش هستنا لما يدخلوا عليا البيت ويدبحوني وعيالي تتشرد من بعدي، أينعم الأعمار بيد الله، لكن الخوف والرعب اللي أنا عايش فيه يخلينا أهرب من البلد، الشوارع مش أمان مش عارف أعيش هناك خايف أفتح الباب لما حد يخبط وخايف أنزل الشارع اشتغل، فأخدت العيال ونزلنا وش الفجر خدنا ميكروباص وجينا الإسماعيلية علي الكنيسة هنا وهما بعتونا على بيت الشباب في الإسماعيلية، وأدينا مشردين لحد ما ربنا يصلح الحال». مش هنرجع العريش تاني وقال رضا أنيس، مدير عام بالشؤون الاجتماعية بالعريش سابقا: «البلد مش مستقرة ومفيش أمان والمسيحيين بيتقتلوا وبيتحرق بيوتهم وفي الوضع ده ما نقدرش نعيش في بيوتنا وأحنا مهددين بالقتل فأخذت أولادي الخمسة وزوجتي بالهدوم اللي علينا وخرجنا من البلد، ومعظم الأسر المسيحية بالعريش عملوا زينا وخرجوا كتهجير مؤقت، سبنا بيوتنا وحالنا لأننا تعبنا نفسيا ونفسنا نعيش في أمان، وبنطلب من الدولة أنها توفر لنا سكن بصفة مستمرة ويدخلوا أولادنا المدارس هنا في الإسماعيلية لأننا مش هنرجع تاني العريش». أكد عم حرز عطا الله، الرجل صاحب ال78 عاما، أن الخوف وراء هروبهم من بيوتهم بعد أن تلقوا تهديدات بالقتل إذا لم يخرجوا من منازلهم ويرحلوا عن المدينة، قائلا: «ناس غريبة ما نعرفش هما مين دخلوا الحي اللي أحنا ساكنين فيه وبيهددونا بالقتل، وسمعنا عن المسيحيين اللي دبحوهم وحرقوا بيوتهم، فلميت العيال وسبنا البلد وجينا هنا على الإسماعيلية بميكروباص علشان خايفين لندبح ومش عايز ارجع العريش». بيت شباب الإسماعيلية يستوعب الأقباط بشكل مؤقت من الروايات السابقة التي أجمعت على أن الرعب والخوف هما سبب هروب هذه الأسرة من الموت إلي مدينة الإسماعيلية، كان يجب علينا أن نطمئن على ما سيحدث لهم حتى توفر الدولة لهم سكن جديد، التقينا بمدير بيت شباب الإسماعيلية الدولي جمال محمد كامل، الذي أكد بدوره على بذل كل الجهد لاستيعاب الأقباط النازحين من العريش بأوامر من وزير الشباب والرياضة الذي أصدر تعليماته بتوفير كل إمكانيات بيت الشباب للأخوة الأقباط كحل مؤقت وتوفير إعاشة كاملة لهم من طعام وشراب يقدم لهم في المطعم، حتى يتم التوصل إلي حل لهذه الأسر، مضيفا: «وفرنا 43 غرفة، وتم تسكين 175 فردا، كما تم توفير سيارات إسعاف ووحدة صحية متنقلة موجودة خارج بيت الشباب لاستقبال أي حالات حرجة تحدث للأسر الموجودة».