شهدت العديد من محافظات الجمهورية بعض الأحداث المهمة خلال الأسبوع الماضي، أغلبها كانت تخص التجارة في العملات الصعبة والمحلية في السوق السوداء، حيث يجمع بعض الأشخاص مدخرات المصريين العاملين بالخارج بالعملة الأجنبية عن طريق بعض ذوي التجار بالخارج، مقابل تسليم أهلهم قيمتها بالعملة المحلية داخل البلاد، وبيعها للمستوردين وأصحاب شركات الاستيراد والتصدير بأسعار مرتفعة، مما يؤثر على سعرها بالبنوك، كما يتاجر بعض الأشخاص في العملات الورقية المزيفة ويروجها بالأسواق والمحال التجارية. وتمكنت إدارات مباحث الأموال العامة بمديريات أمن المحافظات خلال الأسبوع الماضي توجيه عدة ضربات متعددة للسيطرة على تجارة العملات الأجنبية خارج البنوك وضبط المتاجرين بها، وأسفرت عن ضبط الآلاف من العملات الأجنبية المختلفة وملايين الجنيهات من العملات المحلية. ففي محافظة سوهاج تم ضبط تاجر أسمدة وصاحب مكتب استثمار عقاري أثناء استقلالهما سيارة ملاكي بمدينة سوهاج وبحوزتهما 11 مليونًا و390 ألف جنيه مصري، حصيلة تجارتهما في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفي «السوق السوداء»، وتجميع مدخرات المصريين العاملين بدولة الكويت بالعملة الأجنبية عن طريق بعض ذوي التجار بالخارج، مقابل تسليم أهلهم قيمتها بالعملة المحلية داخل البلاد، وبيع العملات الأجنبية للتجار والمستوردين والتربح من وراء ذلك والاستفادة من فارق سعر العملة، مما يعد عملًا من أعمال البنوك، كما تم ضبط عامل بمركز ساقلتة بحيازته 45 ألفًا و500 جنيه مصري، و6 آلاف و192 ريالًا سعوديًّا وماكينة عد نقود، وبعض الدفاتر والأوراق المثبت فيها تعاملات في مجال الإتجار في النقدالأجنبي خارج السوق الرسمية. وفي محافظة أسيوط تم إلقاء القبض على شخص يزور العملات النقدية، ويروجها بالأسواق، وبحوزته 100 ألف جنيه مقلدة وأدوات التزوير بقرية بني هلال التابعة لمركز القوصية. وفي محافظة المنيا تنتشر تجارة العملات بعدد من الشوارع التجارية، أبرزها شوارع الحسيني وابن خصيب بمدينة المنيا، وشارع المجيدي بملوي، وفي مركز مغاغة، إذ إن غالبية التبادلات بالعملات الأجنبية تتم بين أصحاب المحلات وزبائنهم خلسة بعيدًا عن أعين الأجهزة الرقابية، حيث تم ضبط صاحب محل مصوغات ذهبية أثناء اتجاره في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفية بالمخالفة للقانون، وصاحب محل مصوغات ذهبية بمركز مغاغة، وعثر بحوزتهما على 35 ألفًا و784 دولارًا أمريكيًّا، و6 آلاف و400 يورو، و321 ألفًا و850 جنيهًا مصريًّا، كما تم ضبط صاحب محل أحذية شهير بشارع الحسيني بمدينة المنيا وبحوزته 3 آلاف و70 دولارًا أمريكيًّا، و6 آلاف و590 جنيهًا إسترلينيًّا. وفى البحيرة تصاعدت الظاهرة بشكل كبير، خاصة مع تراجع قيمة العملة المحلية أمام العملات العالمية، حيث تم ضبط صاحب محل لبيع التحف والعطور بدمنهور بتهمة الاتجار في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفية، وبحوزته ألف و500 دولار و73 ألف جنيه مصري، وصاحب محل مقيم في الحدادين بكفر الدوار وبحوزته 34 ألفًا و144 دولارًا أمريكيًّا، 3 آلاف و200 يورو، و9 آلاف و123 ريالًا سعوديًّا، و10 يوان صيني، 100 روبل روسي، و40 جنيهًا إسترلينيًّا، و5 آلاف و400 جنيه مصري. وفي الإسكندرية تم ضبط أكبر تاجر وموزع عملة بدائرة قسم المنشية وبحوزته الآلاف من العملات الأجنبية، أبرزها الدولار واليورو والريال السعودي والدينار الليبي والدرهم الإماراتي، وعملات أجنبية أخرى لبعض الدول مثل الفلبين وإندونيسيا. وفي الدقهلية تم ضبط ثلاثة من تجار العملة عقب مرورهم على كمين بلقاس مستقلين سيارة ملاكي، وبحوزتهم 10 ملايين جنيه مصري، و360 ألف دولار أمريكي و387 ألفًا و200 ريال سعودي، واعترف المتهمون أن تلك المبالغ والعملات من متحصلات المصريين العاملين بالخارج، وأن الهدف منها تحقيق مكاسب مالية كبيرة غير مشروعة، كما تم ضبط 3 أشخاص يتاجرون في العملات الصعبة داخل أحد محال التصوير ببندر دكرنس، وبحوزتهم 7 آلاف و450 جنيهًا مصريًّا، و9 آلاف و179 دولارًا أمريكيًّا، و5 آلاف ريال سعودي، و50 يورو. وفي الغربية تم ضبط شخصين بتهمة الاتجار في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفية، وبحيازتهما 20 ألفًا و588 دولارًا أمريكيًّا، 4 آلاف و219 ريالًا سعوديًّا، وألفان و100 درهم إماراتي، كما تم ضبط تشكيل عصابي مكون من 5 أفراد على أحد المقاهي بمركز بسيون، تخصص في تزوير العملات الأجنبية المقلدة، أثناء ترويجها علي عملائهم، وبحوزتهم 47 ألفًا و400 دولار أمريكي مقلد. وقال أشرف أنور حسن، رئيس لجنة الاستثمار بالمجلس الشعبي المحلي السابق ببني سويف: في ظل الظروف الحالية لمصر والضغوط الاقتصادية الخارجية والداخلية، لم تعد السيطرة على أسعار العملات مرهونة بسياسات مالية ونقدية تقليدية وعادية، بل أصبح يحتاج لجهود كثير من المؤسسات الاقتصادية، وكذلك المؤسسات المسؤولة عن الأمن القومي داخليًّا وخارجيًّا، مضيفًا: من الناحية المالية والنقدية فإن زيادة الموارد النقدية من العملات الأجنبية الهدف الأول والرئيسي، وهو ما يتوقع أن يحدث مع زيادة معدلات السياحة وبدء الإنتاج وتصدير الاكتشافات البترولية الجديدة بنهاية هذا العام. وأوضح أنه من المهم جدًّا وضع أولويات استخدام العملة الأجنبية في هذه المرحلة والحد من استيراد السلع الكمالية أو غير الأساسية، وتركيز استخدام العملات الأجنبية على الأساسيات ولوازم الإنتاج، لافتًا إلى أنه في ظل تعويم الجنيه، لا بد من زيادة التصدير، مشيرًا إلى أن ذلك يعتبر فرصة كبيرة لإيجاد ميزة تنافسية في المنتج المصري في العالم من خلال الأسعار، مع شرط الالتزام بالجودة، وهذا هو المحور الأهم في حل مشكلة تجارة العملة واستقرار أسعار الصرف «الإنتاج والتصدير»؛ مما سييؤدى إلى زيادة موارد العملة الصعبة، وينتج عنه تحسين ميزان المدفوعات بصفة عامة. وقال الدكتور علي ثابت، خبير اقتصادي ومدير مكتب دراسات اقتصادية بأسيوط: زيادة الحصيلة الدولارية مرتبطة بعودة السياحة وتدفق الاستثمار الأجنبي، مضيفًا أن الحفاظ على العملة الصعبة داخل مصر ينقسم إلى شقين: الأول العملة الصعبة داخل القطاع الرسمي وهو البنوك، وهي بحاجة إلي توجيهها نحو توفير السلع الأساسية المستوردة ومنع توجيهها نحو أي سلع غير ضرورية، وهذا أيضًا يتطلب قرارات سيادية بمنع استيراد أي سلع لها بديل محلي أو غير ضرورية، والشق الثاني الحفاظ على العملة الموجودة داخل مصر لكنها خارج الإطار الرسمي وهو البنوك، وذلك يكون بإيقاف التجارة غير المشروعة للسلاح والمخدرات؛ لأنها تستهلك هذه الشريحة من العملات الأجنبية الموجودة في أيدي الأفراد، مؤكدًا أن توفير العملة الصعبة والحفاظ عليها ليسا قضية بنك مركزي أو شركات صرافة، لكن قضية أمن قومي تتطلب مجموعة عمل تشمل كل قطاعات الدولة. فيما أكد المحاسب فتحي مرسي، رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية بالبحيرة، أن الاتجار في العملة سيستمر طالما استمر سعر العملة مزدوجًا، وفي ظل الفارق الكبير بين السعر الرسمي في البنوك وسعر العملة في الأسواق الحرة «السوق السوداء»، مؤكدًا أن مصر خلال عقدي التسعينيات والألفينيات كانا يشهدان فروقًا محدودة جدًّا بين سعر الصرف في البنوك والسوق الحرة، لا تتجاوز قروشًا محدودة، بينما شهدت السوق مؤخرًا أسعارًا متفاوتة بنسبة كبيرة، مؤكدًا أن الحل في مواجهة الاتجار غير الرسمي لن يكون سوى بترك الأمر للعرض والطلب، والسوق يحدد سعرًا واحدًا للعملة.